info@suwar-magazine.org

الهويّة السّوريّة بين الجغرافيا والتّاريخ

الهويّة السّوريّة بين الجغرافيا والتّاريخ
Whatsapp
Facebook Share

 

نعلمُ جميعاً بأنّنا سوريون، ولكنّ السّؤال: ماذا يعني أن نكون سوريّين؟ 

أو بالأحرى ما هي ماهيّة الهويّة السّوريّة إن وجدت؟ ما هي الصّفات المشتركة التي تجمعنا وتوحّدنا أو تُعرّفنا كسوريّين؟

هل لابن دمشق نفس الهويّة التي يمتلكها ابن حلب؟

هل لابن السّويداء نفس الشّخصيّة الثّقافيّة التي يمتلكها البدو القاطنون بجانب السّويداء؟  

هل لابن الحسكة الكرديّ نفس الهويّة الثّقافيّة التي يمتلكها ابن ديرالزّور العربيّ؟

هل لابن الرّيف في حلب نفس مفهوم الهويّة السّوريّة التي يمتلكها ابن المدينة؟

 

لم يسمح التّاريخ السّوريّ القديم أو حتى الحديث بإيجاد هويّة مشتركة لنا كسوريّين، فلطالما كانت سوريا منطقةً صغيرةً تنتمي إلى إمبراطورياتٍ كبيرةٍ، كالرّومانيّة والبيزنطيّة والأمويّة، والعباسيّة بالرغم من ضعفها.

 

غيِّبت الهويّة السّوريّة بسبب هيمنة فكرة الهويّة العربيّة والإسلاميّة التي تُعرّف السّوريّين على أنّهم مواطنون ينتمون إلى أمّةٍ كبيرةٍ1، كانت هذه الأمّة دولةً في يوم من الأيام في العهد الأمويّ والعباسيّ، أو كبلدٍ (أمّة) يتوجّب علينا إيجاده، لأنه لم يولد بعد إلا في بنات أحلامنا منذ بروز الحلم القوميّ العربيّ كردٍّ على القوميّة التّركيّة في نهاية الدّولة العثمانيّة.

 

نتيجة لما ذكر تُهنا كسوريّين يقطنون مساحةً جغرافيةً، رسمها الاستعمار على الخرائط دون معرفةٍ دقيقةٍ لهذه المنطقة، بين الهويّة العربيّة أو الإسلاميّة التي هي حلمٌ غير قابلٍ للتطبيق لأسباب كثيرٍة، وبين هويّةٍ عرقية ومناطقيّةٍ وعشائريّةٍ ودينيّةٍ وقوميّةٍ، تؤدي بالضرورة إلى اختلافات وفقاً لكل انتماء منها.

 

اقرأ أيضاً:

 

 

إشكاليّة المستقبل السّوري في استمرار غياب الرّافعة الوطنيّة

 

ناهيك عن الانتماءات العشائريّة في دولةٍ نسبة العشائر فيها أكثر من ٦٠٪ من سكّانها بحسب بعض الإحصاءات (في موقع سوريا من الدّاخل)، وذلك حتى عام ٢٠١١، والانتماءات المناطقيّة لأبناء المدن، فإنّ أبناء دمشق لديهم انتماءٌ قويٌّ لدمشق، وأبناء حلب وحمص وغيرها من المدن كذلك الأمر، حتى محاولة استيعاب الوافدين الجدد إلى أي المنطقة لم تكن مسموحة، فيكنّى أيّ وافدٍ إلى المنطقة الجديدة باسم المدينة التي أتى منها، كبيت البيروتيّ، وبيت السّراقبيّ، والحلبيّ، والحمصيّ، والحمويّ، واللاذقانيّ، والدّيريّ، والحورانيّ، وما يردّده أبناء دمشق بأنّ (الشّوام)، هم فقط سكّان دمشق الأصليين الذين جاؤوا من داخل السّور الدّمشقيّ، وهذا السّور المرسومٌ في عقول الكثير من أبناء دمشق، منع وحرم الكثير من السّوريّين حقّ الانتماء إلى دمشق عاصمة السّوريّين السّياسيّة والثّقافيّة، حتّى ولو ولدوا هناك، وعاشوا هناك سيظلّون غرباء، ولا يسعهم الانتماء إلى مدينتهم.

 

هذه الانتماءات الصّغيرة والفئويّة التي هي أقلّ من الانتماء إلى سوريا كبلدٍ، والانتماءات العابرة للحدود المرسومة من قِبل الاستعمار منذ أكثر من مئة عامٍ، مَنعَت من تشكيل الهويّة السّوريّة التي تجمع السّوريّين المنتمين إلى نسيجٍ غنيٍّ جداً.

 

مع وجود كل تلك الانتماءات الصغيرة ازدادت الأمور تعقيداً حين استلم في سوريا نظام سّياسيّ عمل على عدم إيجاد هويّة جامعة للسوريّين، وكانت مصالحه قائمة على مبدأ فرّق تسد، وعلى تعزيز أفكار حزب البعث الزاعمة بقيام أمّة عربيّة واحدة، لم يتم التأسيس "للهوية السوريّة" التي تحتاج إلى الحرّيّة السّياسيّة وحريّة الرّأي، وهذه المبادئ التّأسيسيّة تحتاج إلى بيئةٍ حاضنةٍ تتمثّل في وجود نظامٍ ديمقراطيٍّ قادرٍ على تحمّل هذه المسؤوليّة. هذا ما حاول السّوريّون المطالبة به قبل أن تتحول تلك المطالبات إلى حربٍ أهليّةٍ، أجبرت السّوريّين على العودة إلى انتماءاتهم الدّينيّة والطّائفيّة والقوميّة. 

 

والسّؤال هو؛ بعد أكثر من تسع سنواتٍ من الحرب الأهليّة التي بدأت كثورة، وتحوّلت مع الوقت من صراع بين النظام والشعب إلى أن يكون بين الرّيف والمدينة، بين الإسلاميّين المعتدلين والمتعصبين والعلمانيّين، بين الأغلبية والأقلية، بين القوميات المختلفة... إلخ، وبعد لجوء السّوريّين إلى الكثير من بلدان العالم، واكتشاف الهويّات المختلفة لشعوب العالم، هل أصبحوا قادرين على إنشاء هذه الهوية السّوريّة؟.

 

لكي نكونَ واقعيين، ما يربطني بالسّوريّ الكرديّ أهمّ بكثيرٍ ممّا يربطني بالعربيّ العراقيّ أو الأردنيّ، وما يربطني بالسّوريّ المسيحيّ أقوى بكثيرٍ ممّا يربطني بالمسلم الباكستانيّ والماليزيّ، وما يربطني بالسّوريّ العلويّ أعمق بكثيرٍ ممّا يربطني بالسُّنّيّ السّعوديّ، وما يربطني بحلب أقوى ممّا يربطني ببغداد أو ببيروت.

 

نعم هويتنا السّوريّة تحتاج منّا إيجاد العناصر المشتركة بيننا، ومحاولة إيجاد هوية سّوريّة ليست قائمة على الانتماءات الدّينيّة أو القوميّة، ولكن على الانتماء الجغرافي البحت، والذي يستطيع أن يضمّ جميع القوميات والطّوائف والمذاهب والأديان المختلفة.

 

---------------------------------------------------------------------

1): أقصد هنا الأمّة الإسلاميّة التي تضمّ الكثير من القوميات التي توجّب عليها الانصهار بالدّولة العربيّة الإسلاميّة، لكنّ هذا الانصهار لم يدم طويلاً، وبرزت سريعاً القوميات المتصارعة على الحكم

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard