info@suwar-magazine.org

زوجاتُ المعتقلينَ والمغيّبينَ قسراً بينَ أتاواتِ المجتمعِ وسجنِ الانتظارِ

زوجاتُ المعتقلينَ والمغيّبينَ قسراً بينَ أتاواتِ المجتمعِ وسجنِ الانتظارِ
Whatsapp
Facebook Share

 

 

لأكثر من ست سنواتٍ مازالت فاطمة ذات السّابعة والعشرين ربيعاً تصارع مع طفليها مشقات الحياة، تعيش على ذلك الأمل الذي يهمس في أذنها دائماً بأنّ عودة زوجها عبد الرزاق إليها ستكون قريبةً.

 

عبد الرزاق، أستاذٌ جامعيٌّ يحاضر لطلاب كلّيّة التّربية في جامعة حلب، توجّه إلى عمله في 21/6/2013 ليتمّ اعتقاله قرب منطقة حلب الجديدة، وتنقطع أخباره عن أسرته وذويه، ما تعرفه فاطمة عن زوجها لا يزيد عمّا تحدّث إليها به سائق السّيّارة التي كان يستقلها، بأنّ عناصر للنظام متواجدين على حاجزٍ طيّارٍ أوقفوهم لعمليّات تفتيشٍ معتادةٍ، وتمّ طلب البطاقات الشّخصيّة للتفيش، ما هي إلا بضع لحظاتٍ حتّى أتى عناصر الحاجز مسرعين ليعتقلوه، بدأوا بضربه وتوجيه الشّتائم إليه.

 

"بحثت وبحثت كثيراً عنه، ولكن لم أخرج بشيءٍ"، معظم النّاس ممّن لديهم معتقلٌ ويردون معلومات عنه يدفعون مبالغَ ماليّةً ضخّمةً؛ للبحث عن معلومةٍ قد تقودهم إليه، إما لمحامين متعاملين مع دور القضاء أو لضباطٍ في معتقلات النّظام، ولكنّني لم أفعل ذلك، لأنّ الأمر يتطلّب الكثير من المال، وليس هنالك ما يضمن أنّ الجواب الذي يمكن أن أحصل عليه سيكون موثوقاً" هكذا تشرح فاطمة واقع اعتقال زوجها.

 

تسكن فاطمة في منطقة مخيمات أطمة على الحدود السّوريّة التّركيّة، نتيجة العمليّات العسكريّة التي ضربت منطقة ريف إدلب الجنوبيّ وأجبرتها على ترك منزلها وقريتها خوفاً على حياتها وحياة أطفالها، وتكمل" أعمل اليوم في ورشةٍ للخياطة والتّطريز لأسدّ احتياجات أطفالي.

 

ثرثرةٌ واتهاماتٌ فارغةٌ من المجتمع

 

يكثر الحديث والتّهامس بين الأروقة الضّيّقة المحيطة بزوجة المعتقل أو المغيّب قسراً، وتبقى النّظرة المجتمعيّة المتدنّية لها تلاحقها، وتقوم بمراقبتها ومراقبة تحركاتها وخطواتها كلّها هواجس تدقّ مضجعها وتبقيها مكبّلةً في أيّ حركةٍ أو تصرفٍ قد يصدر عنها، فضلاً عن الظّروف الاقتصاديّة السّيئة التي يعيشها المواطنون السّوريّون بسبب غلاء الأسعار وتدهور اللّيرة السّوريّة، إلّا أنّ وقع الأزمة الاقتصاديّة كان أكبر على زوجات المعتقلين من غياب المعيل الرّئيسيّ، وغالباً ما يصعب على أهل المعتقل تحمّل نفقة زوجته وأولاده، وكذلك هو الحال بالنّسبة لأهل الزّوجة، لتجد نفسها مضطرّةً إلى العمل لتعيل أولادها وتزيل المسؤوليّة، جزئيّاً، عن أهلها وأهل زوجها.

 

ومع توالي الأيام والسّنون، وطول فترة الانتظار تتلقّى بعض زوجات المعتقلين عروضاً بالزّواج، يجعلها تفكّر مليّاً، قبل اتّخاذ القرار كونها مازالت على ذمة رجلٍ آخر، وما يجعلها تَعدِلُ عن الفكرة اصطدامها بنظرة المجتمع وعاداته المترسّخة ضمن العائلات السّوريّة المحافظة، والذي يعيب عليها تفكيرها بالتّفريق في حين يعاني زوجها بين جدران المعتقلات، معتبرين أنها تبحث عن “سعادتها” بغضّ النّظر عن معاناتها في غياب زوجها.

 

اقرأ أيضاً:

 

العرف أقوى من القانون (4)    

 

حيث ترى سعاد، وهي امرأةٌ ثلاثينيّةٌ اعتقل زوجها منذ أربع سنواتٍ تاركاً خلفه خمسة أطفالٍ لا معيل لهم سواها، أنّ فقدان الزّوج لمدّة طويلةٍ ولطبيعة بعض الأعمال التي يتمّ الاختلاط فيها مع الذّكور تجعل الرّغبة تعيش في داخل المرأة من جديد ، مردفةً أنا امرأةٌ أي إنسانةً ولدي قلبٌ وأيّ قلبٍ يسعى دائماً للاستقرار والشّعور بالعواطف في ظلّ هذه الظّروف الصّعبة، ولكن “إذا شعرت المرأة برغبةٍ في الزّواج وزوجها معتقلٌ، فعليها أن تطلّق نفسها فوراً، لأنّه بات من الخيانة أن تحبّ رجلاً وهي ما زالت متزوجةً”، مشيرةً إلى أنّ “الأساس هو أن يكون كلّ شيءٍ حسب الدّين والشّرع، وبعدها لا يهمّ ما سيقوله المجتمع”، لكنّ البيئة المحيطة بالزّوجة ترى في أغلب الحالات؛ أنّ انفصال الزّوجة عن زوجها بعد انقطاع أخباره في المعتقل “خيانةٌ” على حدّ وصفها مستشهدةً في حديثها إلى الحوار الذي دار بين “عمر بن الخطاب حينما سأل ابنته عن المدّة التي تستطيع الزّوجة أن تصبرها بعيدة عن زوجها، فأخبرته أنها ستة أشهرٍ؛ لذا كان حريصًا ألا يبتعد الأزواج عن زوجاتهم أكثر من هذه المدّة".

 

وختمت بأنّ “الحياة يجب أن تستمرّ ولم يحمّل دين الإسلام المرأة أيّ شيءٍ لا تطيقه وكان حريصاً عليها، فلماذا نحمّلها نحن كلّ هذا”.

 

تناقض المجتمع وخوف الأسرة بين الحكم الشّرعيّ وجهل ذوي المعتقل به!

 

بالنّسبة لزوجات المعتقلين والمختفين، فالخيار مفزعٌ ومحفوفٌ بكمائن وهواجس المجهول. فأن تطلّق شريكاً غائباً، حتّى ولو أنّه ميتٌ افتراضاً، وتتزوج من جديد يوقعها في شرك اتّهامات الهجر والخيانة، وأن تبقى وحيدةً وتنتظره ربّما يظهر إخلاصاً، ولكنه يفتح بازدياد عيون المجتمع المراقبة التي تقيّم تصرفاتها وتتصيّد تحركاتها كأنثىً بمفردها ومعيلةٍ وربّة أسرة.

 

فتقع هنا زوجة المعتقل بين حيرة عادات المجتمع وتقاليده البالية وبين الواقع المتردّي الذي تعيشه بمفردها، فتميل معظمهنّ إلى الإقبال على اختيار شريكٍ مناسبٍ يُجبر كسراتها المتكرّرة التي تَعصِف بها، حيث تروي ربا 23 سنةً لـ صور عمليّة زواجها الجديد قائلةً: اعتقلت قوّات النّظام زوجي من حاجز في مدينة إدلب منذ بداية عام 2013 لم نستطع الوصول إلى أيّ خبرٍ عنه وقتها.

 

ربا كانت تبلغ من العمر ١٥سنةً عندما تمّ زواجي من محمّد لكنّه لم يدم سوى ستة أشهرٍ فقط وتمّ اعتقاله، لاكتشف بعدها أنّني حاملٌ من زوجي وقتها، كنت حاملاً بشهرين فقط، وبقيت عند بيت عمي حتّى ولدت وقد رُزقت بطفلةٍ اسميتها نور، فمنذ ولدتها حرمت من أبٍ يرعاها ويقدّم احتياجاتها، لم نكن نعلم أيّ خبرٍ عن زوجي أو لم يكن لدينا مقدرةٌ إن نضع محامٍ للبحث عنه أو مجرد السّؤال عنه، كنا نسأل أيّ سجينٍ يخرج من السّجن إذا شاهد زوجي محمّد، وكان أهلي يُصرّون علي أن أترك بيت عمي وأعود إلى بيت أهلي، يردون مني أن أتزوج لأنهم فقدو الأمل من خروج محمّد من السّجن أو هل هو ما يزال على قيد الحياة، كبرت ابنتي وأصبح عمرها عاماً، وبعدها قام أخ زوجي، وهو أصغر منه بخطبتي والزّواج منّي حتّى أبقى مع ابنتي من زوجي السّابق محمّد، تزوجت وبقيت ابنتي معي والآن أصبح عندي ثلاثة أطفالٍ من زوجي مصطفى أرعاهم مع ابنتي نور، رغم أنّني الآن سعيدةٌ مع زوجي مصطفى فأنا أحبّه كثيراً وهو يحبّني، أما زوجي السّابق  محمد فليس عندي أملٌ بأنّه حيٌّ في معتقلات الأسد؛ لأنّه مضى عليه سنواتٍ ولم يصل لنا أيّ خبرٍ عنه.

 

قوانين الانفصال بين زوجة المعتقل وزوجها المفقود

 

ويعرّف الاختفاء القسريّ، وفقاً لنظام روما الأساسيّ للمحكمة الجنائيّة الدّوليّة بأنّه "اعتقالُ أو احتجازُ أو اختطافُ أشخاصٍ تقوم به دولةٌ أو منظّمةٌ سياسيّةٌ أو بتشريعٍ أو دعمٍ أو موافقةٍ ضمنية منها، وترفض بعد ذلك الاعتراف بحرمانهم من الحرّيّة أو الإدلاء بمعلوماتٍ عن أماكن وجود هؤلاء الأشخاص.

 

وبما أن سوريا ليست دولةً عضوةً في نظام روما الأساسيّ، فإنّ البلد ليس ضمن نطاق قضاء المحكمة الجنائيّة الدّوليّة ولذلك لا يشملها هذا التّعريف.

 

ويقرّ الدّستور السّوريّ افتراق الزّوجين بموجب المادّة رقم 109 وذلك وفق التّالي:

 

1- إذا غاب الزّوج بلا عذرٍ مقبولٍ أو حُكِمَ بعقوبة السّجن أكثر من ثلاث سنواتٍ جاز لزوجته بعد سنةٍ من الغياب أو السّجن أن تطلب إلى القاضي التّفريق ولو كان له مالٌ تستطيع الإنفاق منه.

 

2- هذا التّفريق طلاقٌ رجعيٌ فإذا رجع الغائب أو أطلق السّجين والمرآة في العدّة حقّ له مراجعتها.

 

في ظلّ تطبيق هذا القانون الذي يحدّد المدّة الزّمنيّة لتفريق الأزواج في حالات الغياب والاختفاء والسّجن والأرقام الضّخّمة لأعداد المعتقلين لدى النّظام وفصائل المعارضة المسلّحة وهيئة تحرير الشّام في إدلب والفصائل السّوريّة التّابعة لتركيا في مناطق الخاضعة لسيطرة تركيا.

 

فنحن اليوم أمام معضلةٍ اجتماعيّةٍ كبيرةٍ حيث عشرات الآلاف من المعتقلين والمختفيين قسراً في سوريا، من قبل كافّة الأطراف العسكريّة المتصارعة على الأراضي السّوريّة حيث وثّقت الشّبكة السّوريّة لحقوق الإنسان وجود 117 ألف معتقلٍ سوريٍّ بالأسماء، إلّا أن التّقديرات تُشير إلى أنّ العدد يفوق حاجز الـ 215 ألف معتقلٍ، 99% منهم في معتقلات النّظام السّوريّ، ولا وجود لإحصائيّاتٍ حتّى ولو بشكلٍ تقريبيٍّ عن أعداد المتزوجين من المعتقلين أو المفقودين.

 

وتواجه شبكات حقوق الإنسان صعوبةً كبيرةً بإحصاء أعداد المعتقلين، بسبب عدم رغبة ذويهم التّصريح عن أسمائهم، خوفاً من أن يُعرضُهم ذلك للخطر والتّعذيب، ومعظم المعلومات يحصلون عليها من معتقلين سابقين.

 

وتظهر هذه الأرقام وسط غيابٍ لإحصائيّات منظّمات حقوق الإنسان الدّوليّة، ومنظّمة الأمم المتّحدة، التي تعجز عن الضّغط على النّظام السّوريّ للإفصاح عن أعداد المعتقلين في سجونه.

 

شروط الطّلاق

 

الحقوقي محمد النّبهان، أكّد أنّ المحاكم الشّرعيّة والمدنيّة التي تنتشر في سوريا عموماً بين مناطق النّظام والمعارضة؛ تتّخذ في غالبيتها من مرور سنةٍ كاملةٍ على غياب الزّوج دون معرفة مكانه أو عنوانه شرطاً لطلب الطّلاق والتّفريق"، حيث تتلقّى هذه المحاكم العديد من طلبات الطّلاق لزوجات معتقلين ومغيّبين قسراً والذين يتجاوز عددهم المئة والخمسين ألفاً، لا أرى مانعاً أدبيّاً أو أخلاقيّاً من زواج زوجة المعتقل من رجلٍ آخر"، مؤكّداً أن في ذلك "يكون فيه حمايةٌ للمرأة وحصانةٌ لها"، فضلاً عن القضايا الاجتماعيّة والاقتصاديّة والجسديّة التي تُجبر المرأة على التّخليّ عن زوجها السّابق والتّوجّه إلى مرحلة استقرارٍ جديدةٍ تضمن حياةً كريمةً لها ولأطفالها إن وجدوا في ظلّ كنف زوجٍ جديدٍ يُذهب عنها نظرات المجتمع المحيط بها.

 

وأضاف في أيلول 2017 أصدر المجلس الإسلاميّ السّوريّ الذي يتّخذ من تركيا مقراً لعمله فتوىً تحدّد أحكام الزّوجة التي غاب عنها زوجها لفتراتٍ طويلةٍ، وتضمنت الفتوى أنّ المرأة يمكنها أن تطلب من المحكمة الشّرعيّة الحكم بوفاة زوجها المفقود أو التّفريق في حال طالت غيبته ويمكنها الزّواج بعدها، وفي حال ظهر الزّوج، فالزّواج بغيابه يعتبر لاغياً ويحقّ له أن يطالب بعودة زوجته إليه.

حيث تعتمد المحاكم شمالي سوريا في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السّوريّة على الشّريعة الإسلاميّة في عمليّة إصدار أيّ فتوىً أو أمرٍ قضائيٍّ إلّا أنّ قضيّة تفريق الأزواج لغياب الزّوج التي يبتّ قانون الأحوال الشّخصيّة حولها، تُعدّ قضيةً مختلَفاً عليها فقهيّاً، فيما يذهب علماء النّفس والاجتماع إلى تأييدها بشكلٍ كبيرٍ لاعتباراتٍ نفسيّةٍ وجسديّةٍ متعلّقةٍ بالمرأة.

 

وتشمل هذه القضية العديد من الاختلافات بين علماء الفقه، الاختلاف في الآراء جاء نتيجة عدم وجود نصٍّ في القرآن الكريم والحديث النّبويّ الشّريف يبتّ بالقضية، إذ اقتصرت الفتاوى حولها على الاجتهادات، والتي أخذت شكل الإجماع في قرار “المجمع الفقهي الإسلاميّ” التّابع لرابطة العالم الإسلاميّ، الذي أكّد أنه يحقّ للزوجة طلب التّفريق بعد مدّة لا تقلّ عن سنةٍ ولا تزيد عن أربع سنواتٍ.

 

وينصّ قرار المجمع الصّادر في دورته الـ 11 عام 2013 في مدينة مكة، أنه “يُترك للقاضي تحديد المدّة، بحيث لا تقلّ عن سنةٍ ولا تزيد على أربع سنواتٍ من تاريخ فقده، ويستعين في ذلك بالوسائل المعاصرة للبحث عن المفقود، ويراعي ظروف كلّ حالةٍ وملابساتها، ويحكم بما يغلب على ظنّه فيها”.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard