info@suwar-magazine.org

هل تداول العملة التّركيّة في شمال سوريا حلٌّ للأزمة الاقتصاديّة أم تفتيتٌ لسوريا؟

هل تداول العملة التّركيّة في شمال سوريا حلٌّ للأزمة الاقتصاديّة أم تفتيتٌ لسوريا؟
Whatsapp
Facebook Share

 

 

سارعت الحاجّة الخمسينيّة فاطمة الحمود؛ لتبديل ما بحوزتها من عملةٍ سوريّةٍ إلى تركيّةٍ، خشية فقدان قيمتها، بعد أن أخبرها جارها السّمان أنّه، وبعد فترةٍ قصيرةٍ لن يكون هناك من يستعمل العملة السّوريّة، أو يقبل بتصريفها بكامل المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة المسلّحة السّوريّة.

 

أدّى انخفاض قيمة اللّيرة السّوريّة بشكلٍ متسارعٍ إلى ارتفاعٍ كبيرٍ في الأسعار، فظهرت أصواتٌ طالبت بإيجاد حلٍّ للأزمة في مناطق سيطرة المعارضة، كان أبرزها التّخلص من العملة السّوريّة واستبدالها باللّيرة التّركيّة، وهو ما بدأ يحدث بالفعل.

 

ويهدف هذا الإجراء إلى حماية القوّة الشّرائيّة للمواطنين بحسب السّلطات المحلّيّة في المحافظة الخاضعة لسيطرة المعارضة، إلّا أنّ البعض يرى في هذه الخطوة تفتيتاً وتقسيماً لسوريا، خاصّةً بعد سيطرة الأتراك على كامل مفاصل الاقتصاد في هذه المنطقة، وربطها بالدّولة التّركيّة.

 

تنتقد الحاجّة فاطمة، تباين الأسعار وارتفاعها وعدم استقرارها، حتّى مع اعتماد اللّيرة التّركيّة: "حاولت شراء ذات الموادّ من أكثر من محلٍّ تجاريٍّ لأجد أنّ سعره مرتفعٌ لدى الجميع، وإن كان بعضهم يرفعون السّعر بشكلٍ أكبر نسبيّاً، ولكن عموماً الأسعار ما زالت مرتفعةً وما زال أصحاب المحلّات لا يثبّتون سعر المنتج على اللّيرة التّركيّة" وهنا تدعو الحمود السّلطات المحلّيّة للإشراف على موضوع الأسعار الذي بات فوضويّاً واستغلاليّاً بشكلٍ كبيرٍ.

 

وتأكيداً على ما دعت إليه الحمود وجّه عدد من المجالس المحلّيّة مناشداتٍ (للحكومة السّوريّة المؤقّتة لحكومة الإنقاذ) التي شكّلتها هيئة تحرير الشّام في المناطق التي خرجت عن سيطرة النّظام السّوريّ بالعمل على تثبيت أسعار البضائع والاتّفاقيات الماليّة الصّغيرة والمتوسطة، وأجور عمال اليوميّة ومهن البناء والمهن المشابهة، إضافةً إلى أجور عمال اليوميّة في الزّراعة وأسعار المحاصيل باللّيرة التّركيّة وتثبيت الاتّفاقيات الماليّة الكبيرة فقط بالدّولار الأمريكيّ.

 

لتوضيح عمليّة استبدال العملة السّوريّة بالتّركيّة؛ قال وزير الماليّة والاقتصاد في (الحكومة السّوريّة المؤقّتة) عبد الحكيم المصري لـ مجلّة صُوَر: "بعد أن فقدت العملة السّوريّة وظائفها وخصائصها كعملةٍ، لم تعد لها قيمةٌ في الادّخار أو الدّين أو التّسعير نتيجة ارتفاع سعر صرف الدّولار بشكلٍ كبيرٍ، والذي ارتفعت معه الأسعار، ونتج عنه تعرّض بعض أصحاب المحلّات التّجاريّة، والصّرافين للخسائر وراحت المحلّات التّجاريّة تُغلق أبوابها، ومن هنا توجّب العمل على استبدال العملة السّوريّة بعملةٍ أخرى أكثر ثباتاً واستقراراً، ويضيف أنه تمّ اختيار العملة التّركيّة بالذّات كوننا أجرينا عليها دراسةً منذ شهرين على السّلة السّلعية، واكتشفنا أنّها ثابتةٌ، ولم يطرأ عليها تضخّمٌ كما اللّيرة السّوريّة".

 

ولا يُنكر المصري أن الأمر سيواجه بعض الصّعوبات في البداية كون أيّ قرارٍ جديدٍ يتطلّب بعض الوقت ليتقبله النّاس، وتبدأ العمل به، ولذا سيكون هناك ما وصفه بالفوضى والاستغلال لدى البعض الذين سيرفعون الأسعار أكثر من حقيقتها، ولكنّها فترةٌ "ولا بدّ أن تنتهي بعد فترةٍ " وفق تعبيره.

 

 

ويرى المصري أن تداول اللّيرة التّركيّة حالياً من شأنه أن يحافظ على استقرار المنطقة اقتصاديّاً، وسيحافظ على القوّة الشّرائيّة، كما سيحمي أصحاب المحلّات من انعكاسات تدهور اللّيرة السّوريّة في عمليّات البيع والشّراء، إضافةً لأهمّيّتها بالنّسبة للعمال الذين سيتقاضون أجرتهم باللّيرة التّركيّة بدلاً من اللّيرة السّوريّة ذات القيمة المنهارة.

 

وأكّد المصري أنه تمّ تثبيت سعر الخبز والوقود على اللّيرة التّركيّة بشكلٍ دائمٍ ريثما يجري العمل على تثبيت بقية أسعار السّلع والموادّ الأخرى.

 

وعن مصير العملة السّوريّة المتواجدة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، يوضّح المصري بأنّها تتواجد بكمياتٍ كبيرةٍ لدى التُّجّار والصّرافين المتعاملين مع النّظام، مرجّحاً أنّها تتّجه لمناطق سيطرة النّظام عن طريق هؤلاء، لأنه لا يوجد حتّى الآن جهةٌ لديها الإمكانية لشراء جميع الكتلة النّقديّة المتواجدة في مناطق المعارضة، مضيفاً أنه ماتزال بعض المناطق تتعامل باللّيرة السّوريّة في البيع والشّراء، سيّما الخضار والمواد الغذائيّة والتّموينيّة واللّحوم.

 

من جهته يرى المهندس عمر الشّهابيّ أنّ الأمر لن يكون مجدياً إذا لم تُسحب العملة السّوريّة من الأسواق، والسّبب كما يشرحه إنّه " ما أن تصل محلّ المشتريات، ولم يكن بحوزتك عملةٌ تركيّةٌ حتّى تبدأ لدى البائع العمليّة الحسابيّة على قيمة اللّيرة السّوريّة مقابل الدّولار فيضاعف ربحه منك كونه يستغل جهلك الأسعار باللّيرة التّركيّة من جهةٍ، والتّعامل باللّيرة السّوريّة، وماتعادله من عملةٍ تركيّةٍ من جهةٍ أخرى، وهو ما يجعل المواطن ضحيةً للتلاعب في سعر العملات".

 

ويضيف الشّهابيّ "لا تستطيع مناطق الشّمال التّعامل باللّيرة التّركيّة فجأةً أو فوراً خاصّة أنّ الكثيرين لا يملكون السّيولة الماليّة"، وبهذا الصّدد يعتقد الشّهابيّ أنّ أهمّ المشاكل التي من الممكن أن تنجم عن تداول العملة التّركيّة أنّها غير مخصّصةٍ لهذا البلد، ولن يكون هناك سهولةٌ بالتّعامل بعمليّة البيع والشّراء خاصّةً أنّ العملات المعدنيّة صعبة الإدخال بكمياتٍ كبيرةٍ، ويمكن أن تكون أكبر المعضلات التي ستواجه العملة التّركيّة في مناطق شمال غرب سوريا.

 

صرافو المناطق المحرّرة يسعّرون عملاتهم وفقاً لتسعيرة بنك شام بحسب الصّراف أبو عمر سكسوك؛ الذي يقول: إنّه "يوم أمس سعّر لنا البنك اللّيرة التّركيّة ب ٣٣٢ ليرةً سوريّةً، وقمنا ببيعها ب ٣٣٥ ليرةً سوريّةً "، ويتوقّع سكسوك أنه وخلال شهرٍ واحدٍ لن تبقى عملةٌ سوريّةٌ نهائيّاً بالسّوق، مشيراً إلى وجود خطّةٍ بسحب العملة السّوريّة من المنطقة التي تخضع للمعارضة، وإرسالها للنظام وفق ما وصفه باتّفاقيات بين طرفي النّظام والمعارضة" مكتفياً بذلك دون أن يذكر تفاصيل أكثر عن الأمر.

 

ووفق سكسوك؛ "هناك إقبالٌ كبيرٌ من المواطنين على محلّات الصّرافة لتحويل ما يملكون من اللّيرة السّوريّة، والدّولار إلى اللّيرة التّركيّة، فالتّعامل باللّيرة التّركيّة يعني أنك تتعامل بعملة بلدٍ مستقرٍّ اقتصاديّاً؛ وهذا سيؤدّي إلى استقرارٍ في أسعار الغذاء والمحروقات".

 

رغم أنّ خطوة تبديل العملة السّوريّة بالتّركيّة لاقت قبولاً من البعض كونها أكثر استقراراً، ومن الممكن أن تؤثّر على النّظام السّوريّ إلى حدٍّ ما، وتحرمه ملايين الدّولارات التي تدخل المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وتُحوَّل لليرة السّوريّة، غير أنّ البعض الآخر رأى فيها أنّها محاولةٌ لاستغلال الظّروف الاقتصاديّة والمعيشيّة للمواطنين من أجل فرض عملة دولةٍ أخرى، وتعتبرهذه الخطوة مساساً بسيادة الدّولة السّوريّة، وتفتيتاً وتقسيماً لسوريا، وبداية تعزيز الوجود التّركيّ في الشّمال السّوريّ.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard