info@suwar-magazine.org

انسحابُ القوّاتِ التّركيّةِ من نقاطِ المراقبةِ يُفقدُ النّازحينَ الأملَ بالعودةِ إلى مناطقِهم

انسحابُ القوّاتِ التّركيّةِ من نقاطِ المراقبةِ يُفقدُ النّازحينَ الأملَ بالعودةِ إلى مناطقِهم
Whatsapp
Facebook Share

 

 

انسحبت القوّات التّركيّة من نقطتها في مدينة مورك بريف حماه الشّماليّ، في 19 أكتوبر/ تشرين الأوّل الفائت، ومن ثمّ تابعت انسحابها من نقطة شير مغار في ريف حماه الغربيّ، والّتي كانت مهمتها مراقبة اتّفاقيّة خفض التّصعيد في شمال غرب سوريا، الاتّفاقيّة الّتي أبرمتها الدّول الرّاعية لمفاوضات أستانة (روسيا وتركيا وإيران) في الرّابع من مايو/ أيّار من عام 2017، وبقيت تلك النّقاط في مواقعها، أثناء تقدّم قوّات النّظام السّوريّ مطلع العام الحالي، وسيطرته على ريف حماه الشّماليّ، حتّى التّاريخ المذكور أعلاه، حين بدأت بالانسحاب.

 

في استطلاع رأيٍ أجرته مجلّة صور مع عددٍ من النّازحين من مناطق (خفض التّصعيد)، الّتي تقدّم إليها الجيش السّوريّ بداية العام الحالي، رصدت المجلّة خيبة الأمل في كلماتهم.

 

سامية الأحمد، مسؤولة برنامج الحماية في إحدى المنظّمات المحلّيّة العاملة في الشّمال الغربيّ، ونازحةٌ من المناطق الّتي تقع على خطوط القتال في ريف إدلب الجنوبيّ، قالت: "لا أخفي عليكم خيبة أملي، بالرّغم من أن قريتي لم يدخلها الجيش السّوريّ بعد، إلّا أنّها على خطوط التماس، ولا يمكن العيش فيها مطلقاً، بل إنّها تتعرّض للقصف شبه اليوميّ، وتدمّرت بنسبةٍ كبيرة، كنا متفائلين بالعودة إليها، بسبب التّصريحات التّركيّة المتكرّرة حول ضرورة عودة النّظام إلى ما خلف نقاط المراقبة التّركيّة، لكن فوجئنا عندما علمنا أنّ النّقاط التّركيّة هي الّتي تنسحب، وأنها تعيد تمركزها في نقاطٍ جديدةٍ بالقرب من قريتي، ممّا أفقدني الأمل كليّاً بالعودة، وأظنّ والكثير مثلي يظنّون أنّ النّظام ومن خلفه روسيا، لن يقفوا عند الحدود الحالية، بل سيحاولون التّقدّم أكثر وأخذ مناطق جديدةٍ".

 

وعن شعورها إزاء انسحاب النّقاط التّركيّة من نقطة مورك، وإعادة تمركزها بالقرب من قريتها، أعربت سامية عن تخوّفها، فقالت: "أصبحنا نشعر بالخوف الشّديد، من تقدّم النّظام السّوريّ إلى مناطقنا، وانسحاب النّقاط التّركية الجديدة لاحقاً، وكأنّ الأمر تسليمٌ تركيٌّ روسيٌّ، ونقف نحن متفرجين، خسرنا بيوتنا وأرزاقنا وأراضينا، واليوم لا نستطيع حتّى التّفكير بالاستقرار في مناطق نزوحنا، فلا نعلم متى سيتقدّم النّظام من جديد، ونضطرّ للهرب مجدّداً نحو المجهول".

 

اقرأ أيضاً:

 

هيومن رايتس ووتش: هجمات التحالف السوري-الروسي قتلت 224 مدنياً في إدلب

 

يوافق محمد الحسين ساميةَ رأيها حول عدم الاستقرار، محمد وهو طالبٌ جامعيٌّ من ريف إدلب الجنوبيّ، يقيم في مدينة إدلب بالقرب من جامعته، يرى أنه من الصّعب جداً الدّراسة في الوقت الّذي تجري فيه تغيّراتٍ كثيرةٍ على الأرض، فانسحاب النّقطة التّركيّة من مورك، جعلت محمد يعيد التّفكير في موضوع استكمال دراسته، من وجهة نظره، انسحاب النّقاط التّركيّة تعني معركةً جديدةً في القريب العاجل، ومناطق جديدةٍ قد تصبح في خطرٍ، ومدينة إدلب ليست بمأمنٍ عن هذا الخطر، يقول محمد: "أفكر جدّيّاً في الخروج من سوريا إلى تركيا، بالرّغم من خطورة الأمر والمبلغ الكبير الّذي يجب أن أدفعه لأعبر الحدود، إلّا أنّ خبر انسحاب النّقاط التّركيّة لم يدع أمامي خياراً آخر، سأحاول الهروب بحثاً عن الحياة، لا لشيءٍ آخر، وربّما أجد عملاً أستطيع فيه أن أعيش لجوئي وأساعد أهلي".


علي الحجي، ناشط مجتمعٍ مدنيٍّ من ريف حماه الشّماليّ، نزح من قريته إثر الأعمال العدائيّة أكثر من مرّةٍ، إلّا أنّه في المرّة الأخيرة تعرّض للتهجير بسبب اجتياح قوّات النّظام لقريته والقرى المجاورة في ريف حماه، واضطرّ للسكن بالقرب من الحدود السّوريّة/التّركيّة، يتحدّث عليٌ عن موقفه من انسحاب النّقطة التّركيّة فيقول: "كانت نقطة مورك بصيص أملٍ لنا ولآلاف النّازحين في المنطقة، أملاً بالعودة إلى قرانا وبيوتنا، فالمخيم هو ليس مسكناً دائماً، وإنّما مؤقّت لحين عودتنا، نقطة مورك كانت الشّيء الوحيد الّذي يربطنا بقرانا، بعد انسحاب قوّات المعارضة من تلك المناطق واجتياح قوّات النّظام لها، وجود النّقطة التّركيّة كان الرّابط الوحيد بإمكانية العودة إما ضمن اتّفاقيّاتٍ أو تفاهماتٍ دوليّةٍ، تسوياتٍ بضماناتٍ تركيّةٍ/روسيّةٍ، أو حتّى انسحاب قوّات النّظام السّوري لما وراء مناطق خفض التّصعيد، كما صرّح الرّئيس التّركيّ أكثر من مرّةٍ".

 

يتابع عليٌ حديثه عن الجوّ العامّ الّذي خيّم على النّازحين في المخيم الّذي يقيم فيه فيقول: "عند سماعنا لخبر انسحاب القوّات التّركيّة من نقطة مورك، البعض أخذ بالبكاء، حيث فقد أيّ أملٍ بالعودة مستقبلاً إلى أرضه ومسقط رأسه، البعض الآخر أخذ بالضّحك الهستيريّ بسبب التّصريحات السّابقة للحكومة التّركيّة الّتي كانت تؤكّد ضرورة عودة قوّات النّظام السّوريّ لما وراء مورك، وبعد عدّة أشهرٍ انسحبت قوّاتها من النّقطة، وهي الضامن على اتّفاقية خفض التّصعيد".

 

يقطن مخيمات الشّمال السّوريّ أكثر من مليون نسمةٍ معظمهم من النّساء والأطفال، وتفتقد هذه المخيمات للعديد من وسائل البقاء الأساسيّة، كما أنّها تفتقر لأدنى مقوّمات الاستمرار، وهي بالرّغم من كونها مسكناً مؤقّتاً، إلّا أنه يقطنها مئات الآلاف منذ سنواتٍ بسبب فقدانهم لبيوتهم، أو تهجيرهم من قراهم بسبب الأعمال العدائيّة في مناطقهم.


مريم شيروط، الرّئيسة السّابقة لمكتب المرأة في المجلس المحلّيّ لمعرة النعمان، نزحت في بداية العام الحالي من مدينة معرة النعمان، جنوب إدلب، بعد القصف الشّديد للمدينة وتقدّم النّظام السّوريّ نحوها. لدى سؤالنا لها عن رأيها وانطباعها عن انسحاب النّقاط التّركيّة، قالت: " بانسحاب النّقاط التّركيّة تمّ قطع الشّكّ باليقين بعدم العودة، وأن تلك المناطق ستبقى بيد النّظام، عكس ما كان متداولاً حول انسحاب النّظام حتّى مورك، وكما أنّنا فقدنا الثّقة بالجانب التّركيّ وصرنا متأكّدين أنه كما تخلّى عن مناطقنا سيتخلّى عن كتير من المناطق (المحرّرة) مقابل مصالحه، ولن يُؤمن جانبه بعد الآن".

 

في حين أعربت مريم عن شعورها إزاء الموضوع، وتداعياته النّفسيّة على النّازحين والمُهَجّرين: "سنبقى نعيش فاقدين الأمل، وسيبقى شعور الخيبة والانكسار ملازماً لنا طول حياتنا".

 

وعن المستقبل ورؤية النّازحين له ما بعد انسحاب القوّات التّركيّة من نقاط المراقبة، تحدّثت مريم عن الوضع العامّ في المخيمات وخارجها والقرارات المؤجّلة التي لا بدّ من اتّخاذها، فقالت: "كان لا بدّ من الرّضوخ للأمر الواقع والتّأقلم مع حالة النّزوح والتّهجير كحالةٍ دائمةٍ وليست مؤقتةً، وتقبّل المعاناة برحابة صدرٍ، ولمن بقي لديه قوّةٌ نفسيّةٌ ومادّيّةٌ لإعادة بناء نفسه من جديد، لم يكن النّازحون يقبلون أن يستقرّوا في مناطق التّهجير لأنّهم كانوا يعيشون على أمل العودة لبلادهم ولو أنّها مدمّرةٌ، وكانوا يؤجّلون القرارات المصيرية في حياتهم أملاً بالرّجوع، فمثلاً من كان يؤجّل التّفكير باللّجوء إلى تركيا أو افتتاح مشروعه الخاصّ أو متابعة تعليمه، أو بناء سكنٍ له ولعائلته أصبح اليوم مستعداً لذلك".

 

وهذا ما ذكره عليٌ، الّذي كان يؤجّل زواجه حتّى العودة إلى قريته في ريف حماه الشّماليّ، إلّا أنّه وبعد انسحاب النّقطة التّركيّة في مورك، قرّر البدء بالتّجهيز لحياته الجديدة على الحدود السّوريّة/التّركيّة، حيث يقول: "كنت أنا وأهلي رافضين الاستقرار في مناطق النّزوح، غير راغبين بتأسيس حياةٍ جديدةٍ هنا، لكننا اليوم بعد فقدان الأمل بالعودة، قرّرنا بناء بيتٍ يضمّ عائلتنا، كما أنّني قرّرت أن أبني مسكناً لي بجانبهم لأتزوج فيه، وأصبح لزاماً علينا الاستقرار في البيئة الجديدة الّتي تختلف عن بيئتنا".

 

أحمد الصباح، عضو الحراك الثّوريّ في حماه، ومدير جمعية "بادر" الّتي كانت تعمل في المناطق الّتي تقدّم إليها النّظام السّوريّ مطلع العام الحالي، يتحدّث لمجلّة صور عن وجهة نظره حول انسحاب النّقطة التّركيّة فيقول: "وجود النّقطة التّركيّة في مورك لم يكن ذي فعّاليّةٍ كبيرةٍ، ولم يمنع قوّات النّظام من التّقدّم واجتياح مناطق آمنةٍ مليئةٍ بالمدنيّين، إلّا أنّ بقاءها كان يمنح القليل من الأمل للأهالي بإمكانية العودة في المستقبل إلى أراضيهم وبيوتهم، وبانسحابها فقدت النّاس أملها بالحليف التّركيّ، وارتباط هذه النّقاط بالوضع السّياسيّ والتّفاهمات الدّوليّة، لا يعني أبداً انتهاء المقاومة وحقّ العودة للمهجّرين والنّازحين".

 

لا يزال المُهَجّرون والنّازحون يحلمون بالعودة إلى مناطقهم المنكوبة وبيوتهم مدمّرةٌ، الّتي تقدّمت إليها قوّات النّظام، بسبب القصف الشّديد من قبل الطّيران الرّوسيّ تمهيداً لسيطرة قوّات النّظام والميليشيات الموالية له، لكن مع بدء انسحاب النّقاط التّركيّة وإعادة تمركزها في مناطق جديدةٍ، مثل جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبيّ، أصبح هذا الحلم بعيداً.

 

ما تزال هناك عدّة نقاطٍ تركيّةٍ متقدّمةٍ في المناطق الّتي سيطر عليها النّظام السّوريّ مطلع العام الحالي، إلّا أنّ انسحاب النّقطة التّركيّة من مورك؛ وهي أكبر نقطةٍ وأوّلى النّقاط، يعني لدى العديد من المحلّلين، أنّ انسحاب القوّات التّركيّة من النّقاط المتبقية هي مسألة وقتٍ لا أكثر، ويستدلّون بالأنباء الّتي تتحدّث عن بدء استعداد القوّات التّركيّة للانسحاب من النّقطة التّركيّة الثّانية في شير مغار الواقعة في ريف حماه الغربيّ، وبالتّالي فإنّ حلم العودة لدى مئات ألوف النّازحين يتقلّص يوماً بعد يوم، وأملهم بحياةٍ مستقرّةٍ أصبح بعيد المنال.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard