info@suwar-magazine.org

بازار سياسي يسبق معجزة عودة اللاجئين

بازار سياسي يسبق معجزة عودة اللاجئين
Whatsapp
Facebook Share

 

بازار سياسي يسبق معجزة عودة اللاجئين

رئيس حزب معارض: لايمكن للدولة تحمل أعباء عودة ملايين اللاجئين

صحفي: عودة المقيمين بالمخيمات التي تنتج العنف والتطرف

 

 

في الوقت الذي أطلقت فيه حكومة النظام السوري مؤتمر عودة اللاجئين، والبالغ عددهم (6.6) ملايين فروا منذ 2011، كان سوريو الداخل يسخرون من فكرة المؤتمر، ومن السذاجة المطلقة التي مازال النظام يعامل بها مواطنيه، بعد عجزه عن تأمين متطلبات أكثر من خمسة ملايين نازح داخلياً، و( 2.98) مليون شخص في المناطق التي يصعب الوصول إليها والمحاصرة، حسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي تصنف سوريا بأنها البلد الأكثر إفرازاً للاجئين.

 

 يحمل السوريون إما بطاقة إلكترونية في مناطق سيطرة النظام، أو بطاقة الأمم المتحدة للاجئين في مخيمات اللجوء، أوبطاقة إقامة في دول اللجوء. وتختزل هذه البطاقات حال السوري المتردي، وواقعه المرير، ومستقبله الغامض. ولايمكن تصور أن ما يزيد عن ربع عدد المقيمين الحاليين  في البلاد ـ أي اللاجئين ـ سيعودون إلى وطنهم، فيما اقتصاد بلدهم في القاع، وعاجز عن تلبية احتياجات من يعيشون بالداخل المقدر عددهم ب 20 مليوناً. فاللاجئ الذي هرب من الاستبداد والقمع، والعنف المتبادل، وفر من الحرب، وتلمس درب الحرية، وامتلك خيارات محفزة لمستقبله، لن يعود إلى المربع الأول حيث المستنقع، ورمى خلف ظهره ذلك الشرق الجميل الذي تحول إلى مزبلة.

 

 

ابتزاز سياسي

 

يكفل الدستور السوري والقوانين الإنسانية، حق السوري في وطنه، زيارة وإقامة، وتقع على الحكومة مسؤولية تأمين الخدمات اللازمة له. ويؤكد رئيس الهيئة التأسيسة لحزب سوريا أولاً  سلمان شبيب في حديثه لـ صُوَر أن قضية اللاجئين السوريين الوطنية والإنسانية، تحولت إلى قضية عالمية يتم "تسييسها"، وتستخدم "كورقة في الضغوط" المتبادلة بين الدول، وفي "الابتزاز السياسي" ضد بلدهم أو ضد أوروبا من قبل رجب طيب أردوغان. موضحاً أن الظروف الحالية، والمناخ السياسي والاقتصادي، "غير مناسبين ولا يسمحان" بالتفكير بعودة اللاجئين، إلا إذا كان الهدف "توجيه رسائل سياسية فقط"، لافتاً إلى أن الواقع يجعل من "الصعب جداً تصور" أن تتمكن الدولة السورية من إنجاز هذا الملف، وهي التي "تُظهِر عجزاً واضحاً" في تأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة للسوريين المتواجدين على أرض الوطن. ويدلّل رئيس هيئة الحزب المعارض على رأيه "بالظروف السياسية" التي تعيشها سوريا، "وتعثر كل الجهود لإحداث اختراق" ولو محدود في انغلاق الأفق أمام الحل السياسي، فضلاً عن "اللإمكانيات الاقتصادية المحدودة جداً".

 

 في المقلب الأخر، يتناقض مع المنطق، وضع كل اللاجئين السوريين في كفة واحدة، أو النظر إليهم ككتلة بشرية واحدة. ولا بد من التفريق بين بلدان اللجوء، ومخيمات اللجوء، التي تفتقر إلى كل شيء، ويعيش فيها اللاجئون بظروف قاسية جداً. وينطلق الصحفي السوري سامي رجب من أن عودة اللاجئين هي "حق طبيعي" لهم، ولا أحد "يمنّ عليهم بذلك"، مشيراً إلى ضرورة "التفريق" بين عدة فئات من اللاجئين، والذين يقسمهم إلى اللاجئين في دول متقدمة كالدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا، ومن نالوا الجنسية التركية، وأيضاً أصحاب المشاريع ورؤوس الأموال الذين هاجروا بحثاً عن الأمان لاستثماراتهم (الاستثمارات السورية في مصر مثلا). وهؤلاء برأي ـ رجب ـ من "الصعب أن يعودوا"، بعد أن شقوا لأنفسهم "مسارات مهنية وحياتية مختلفة"، وبعضهم حصل على جنسيات تلك الدول، وبعضهم الآخر تزوج من أجنبيات، وكثير من الأسر كبر أولادها، ومن الصعب أن يتأقلموا في سوريا. مشدداً على ضرورة "إخراج هذه الفئة من النقاش"، مع "احتفاظهم بحقهم الأصيل" بوطنهم، والعودة إليه متى "أرادوا دون أن يتعرض لهم أحد".

 

الفئة المستضعفة

 

يركز الصحفي المطلوب لمحكمة الإرهاب في سوريا رجب في لقاء له مع صُوَر على من يسميهم "الفئة المستضعفة من اللاجئين"، والتي يجب أن "ينصبَّ الجهد" على إعادتهم، وهم اللاجئون الذين يعيشيون في بلدان الجوار، وداخل سوريا في مناطق حدودية خارجة عن سيطرة الحكومة، وفي المخيمات. ويؤكد رجب أن مايجري بحق هؤلاء من "بازار سياسي واستغلال لمعاناتهم، من مختلف الأطراف"، هو "جريمة بحق الإنسانية". مشدداً على ضرورة "عودة هؤلاء"، أو على الأقل من "يرغب منهم بضمانات كاملة". مقترحاً منح كل أسرة "تعويضاً مناسباً"، تبدأ من خلاله بترميم منزلها أو بناء منزل مؤقت، ومصروف يكفيها عدة أشهر، والتعاون مع المنظمات الإنسانية، والجمعيات الخيرية لتمكينهم.

 

ويقول رجب إن الأولوية "يجب أن تكون لإعادة لتلك الفئة المسحوقة" من الناس التي هجرت مدنها وقراها بسبب "الصراع الجنوني"، وتم "استغلالها سياسياً" تحت شعارات آيديولوجية ودينية. محذراً من أن "الخيام" لايمكن أن تنتج سوى "المزيد من العنف والفقر والمرض وجيل كامل خارج المدارس"، وبالتالي سيكون هؤلاء "وقوداً للتطرف وللعنف ولصراعات مستقبلية".

 

قاطنو المخيمات

 

يعيش نحو مليون سوري في المخيمات المنتشرة بعدة دول في ظروف غير إنسانية، ويفتقرون الى معظم الخدمات الأساسية والطبية والتعليمية. إذ يضم مخيم الركبان قرب التنف نحو 11 ألف نازح حالياً، وكان فيه نحو 85 ألفاً من مختلف مناطق شرق سوريا، وغادر القسم الأعظم منهم 2018. فيما يصل عدد السوريين في مخيم الهول شمال شرقي سوريا إلى 25 ألفاً، من أصل أكثر من 64 ألف شخص مقيمين فيه، 94 % منهم نساء وأطفال كانوا يعيشون سابقاً في الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي، وتم توثيق مغادرة ألف لاجئ من المخيم الذي تسيطر عليه قوات الإدارة الذاتية لغاية منتصف الشهر الماضي.

 

 وتقدر أعداد اللاجئين السوريين في الأردن بنحو 1.3 مليوناً، منهم 659.673 ألفاً مسجلون لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ويقيم 125 ألفاً منهم في أربع مخيمات هي: مخيم الزعتري، يضم 77 ألف لاجئ وهو من أكبر المخيمات أنشئ 2012 قرب الحدود السورية الأردنية. ومخيم مراجيب الفهود (ويعرف أيضاً باسم المخيم الإماراتي - الأردني) يقطن فيه ستة آلاف لاجئ، افتتح في 2013 شرقي الأردن. و يسكن 36 ألف لاجئ في مخيم الأزرق، والذي أقيم 2014 شرق عمان. ويوجد في مخيم حدائق عبد الله، والذي أقيم في محافظة أربد 2012، خمسة ألاف لاجئ سوري وفلسطيني (من المقيمين في سوريا)، ونقل إليه اللاجئون من مخيم السايبر ستي شمال الأردن بعد إغلاقه في 2016.

 

 

 وفي تركيا التي تعد الدولة الأكثر استضافة للاجئين السوريين، يعيش فيها نحو 3.5 ملايين لاجئاً سورياً، منهم 203 ألاف يقطنون في 21 مخيماً، موزعين إلى: أربعة مخيمات في كل من هاتاي (18 ألف لاجئ)، وفي ولاية شانلي أورفا (67.251 ألفاً)، وثلاثة مخيمات في غازي عنتاب (21.298 ألفاً)، وفي كيليس مخيمان (21 ألفاً)، إضافة إلى ستة مخيمات منتشرة بمعدل مخيم واحد في كل من: ماردين ( 1070)، مرعش (15.896 ألفاً)، والعثمانية ( 13.815 ألفاً)، وأديمان ( 8285)، أضنة (26.865 ألفاً)، ملاطية (9256).

 وفككت السلطات التركية مخيم سروج الذي كان يضم 35 ألف لاجئ على الحدود السورية في ولاية شانلي أورفا، ومخيم قرقميش الذي قطن فيه نحو سبعة آلاف لاجئ.

 

كما يوجد في اليونان 5300 لاجئ سوري، ثلثهم أطفال ومعظمهم قُصَّر جاؤوا دون ذويهم. وفي لبنان شيد اللاجئون السوريون البالغ عددهم 915 ألفاً (لايعيش كلهم في مخيمات) عدة مخيمات، تفتقر لأبسط شروط الحياة، وهذا ما دفع العديد منهم للعودة ضمن اتفاق المصالحة الوطنية.

 

الوضع الكارثي

 

تعجز الدولة السورية، عن تأمين متطلبات الحياة الكريمة لمواطنيها، وفشلت غير مرة في تأمين مستلزمات العيش الأساسية، بل ثمّة أزمات خانقة في القطاعات الخدمية، وتحديات مستعصية في الحياة اليومية. فهناك أكثر من 90 بالمئة من عدد السكان فقراء، ويحتاج الحصول على جرة الغاز لقرابة 60 يوماً (الجرة تكفي الأسرة أقل من شهر)، ويبلغ دخل الأسرة وسطياً 100 ألف ليرة ( نحو 45 دولاراً شهرياً)، وقننت الحكومة استهلاك الخبز بيعه عبر البطاقة الإلكترونية. يضاف إلى ذلك أزمات متتالية في الكهرباء، إذ تنتج البلاد ما بين 2500 إلى 3000 ميغاواط فيما تصل الحاجة الى 7000 ميغاواط، وهناك اختناقات مهولة في المازوت والبنزين والأدوية، فضلاً عن الغلاء الذي ينهش بالسوري نهشاً.

 

ويرى رئيس الحزب المعارض شبيب أن واقع سوريا "يجعل من المستحيل" أن تستطيع الدولة تحمل الأعباء والكلف الهائلة لعودة ملايين السوريين، وتأمين شروط حياة إنسانية لائقة لهم. مبيناً أن الدولة السورية "لاتخفي الظروف الصعبة" التي تمر بها، وآخرها قانون قيصر "الإجرامي"، كما أن تقارير المنظمات الدولية تنقل صورة "الوضع الكارثي" الذي تمر به البلاد، إضافة إلى عدم توفر موارد حقيقة، وظروف الحرب والحصار، وخروج أهم مناطق الثروات عن سيطرتها، و"سيطرة مجموعة من أثرياء الحرب الجشعين" على أهم المفاصل الاقتصادية، والتضخم، وعدم توفر فرص عمل حقيقية، والتدمير الممنهج للبنية التحتية ولمختلف القطاعات الإنتاجية. ولا يتجاهل بهذا الصدد دور "الفساد الذي تغوَّل" خلال سنوات الحرب وغياب المحاسبة، و"استغلال بعض أمراء وتجار الحرب" الظروف الصعبة، و"ارتباطهم بمواقع نفوذ قوية لتكوين ثروات أسطورية" على حساب حياة ملايين السوريين ولقمة عيشهم. ويرمي شبيب أيضاً بالمسؤولية على المجتمع الدولي، الذي ساهم عدد كبير من دوله في الحرب على سوريا وتدميرها، ويفترض أن يساهم في تأمين الظروف المناسبة لعودة اللاجئين إلى بلدهم.

 

فكرة طوباوية

 

بدت فكرة عودة اللاجئين السوريين طوباوية بامتياز، ولا يمكن وصف مشهد عودة اللاجئين حالياً في حال تحقّق سوى بالمعجزة، وذلك بسبب الواقع الخدمي المتهالك للبلد، وللواقع الأمني الذي يكاد أن يصنف كل لاجئ بأنه مطلوب لجهة أمنية حتماً. ويشكك الصحفي رجب "في رغبة الحكومة بعودة كثير من اللاجئين"، عازياً ذلك إلى عدة عوامل، بعضها "مرتبط بأسباب سياسية"، باعتبار أن بعض اللاجئين يشكلون "بيئة مناصرة للمعارضة"، والبعض الآخر "مرتبط باعتبارات اقتصادية وخدمية"، فاللاجئون حالياً يمثلون "قيمة لا يمكن نكرانها في مداخيل الاقتصاد السوري" من خلال تحويلاتهم المالية، والحكومة السورية بمواردها المحدودة وميزانيتها المنهكة "لم تعد قادرة" على إعالة السوريين المتبقين في البلاد.

 

وفي حال كانت هناك خطة دولية، مرفقة بمحفزات اقتصادية ومالية، فإن هذا "سيساعد في عودة اللاجئين، ولكن بشكل محدود"، وفقاً للصحفي رجب، معللاً موقفه بأن من "جربوا حرية الرأي، ورأوا تعامل مؤسسات الدول التي يعيشون فيها مع الإنسان باحترام وشفافية، من الصعب أن يعودوا إلى بلاد نخر الفساد كل مفاصلها، و"تتنمر أجهزة إنفاذ القانون" على المواطن، دون أية ضمانات دستورية أو قانونية".

 

اشتراطات لإنهاء المأساة

 

الواقع الخدمي المأزوم يقابله واقع سياسي أكثر تأزماً، ويحدد شبيب عدة خطوات تسهم في عودة اللاجئين وأهمها، دولياً هو رفع الحصار والعقوبات التي تستهدف ليس الحكومة بل الشعب السوري كله، ودعم عملية إعادة الإعمار والمساهمة بها. مشترطاً أن يساعد المجتمع الدولي السوريين للوصول إلى "حل سياسي ينسجم مع مصالحهم وينهي هذه المأساة" المستمرة. كما يضع شبيب مجموعة التزامات وإجراءات "يتوجب على الحكومة السورية القيام بها" إذا كانت فعلاً تريد تشجيع اللاجئين على العودة، كإصدار عفو عام، وإنهاء الملاحقات الأمنيّة وظاهرة التقارير الكيدية، وإطلاق سراح معتقلي الرأي وكل المعتقلات والمعتقلين الذين لم يتورطوا بأعمال إرهابية فعلية، وإشاعة مناخ من الثقة والمصالحة والتسامح. مشدداً على ضرورة أن "يتوقف الاستخدام السياسي" من كل الأطراف لهذا الملف، وأن توضع في إطارها الصحيح كقضية إنسانية بحاجة إلى تعاون الجميع لحلها.

 

  أوطان العناكب

 

كانت الهجرة قبل 2011 طريق السوريين لتحقيق أحلامهم الحياتية، وباتت حتميةً بعد الكارثة الإنسانية الأقسى في العصر الحديث. فإما بناء دولة المواطنة والقانون والديمقراطية والحرية، أو تعزيز شغف الهجرة، وتوق السفر، ورغبة المغادرة. وفي الواقع الحالي، من الصعوبة إضافة نقطة ماء إلى إناء الدولة السورية المملوء، واقتصادها العاجز والمُدمَّر، هذا أقرب للمعجزة، في أوطان العناكب.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard