بين سوريا وتركيا... جدارٌ يحمل الموت بين طياته
"بين الموت والحياة لحظات قصيرة" بهذه الكلمات البسيطة يشرح أحد أقرباء الطفل همام مصطفى الصدير من مدينة معرة النعمان لحظات موت الطفل الذي لم يتجاوز عامه الثالث، خلال محاولة عائلته عبور الحدود ببن سوريا وتركيا، لتصادفه طلقة صادرة من بنادق حرس الحدود التركي، حيث فتحت الدورية التركية النار على السيارة التي تقل الطفل همام وعائلته، قرب مدينة كلس التركية، وذلك خلال مطاردتهم لها بعد عبورهم الشريط الحدودي، لتستقر رصاصة في صدر همام تودي بحياته وتصاب والدته بجروح خطرة، نقلت على إثرها إلى مشفى المدينة.
قصة الطفل همام ما هي إلى واحدة من عشرات الحالات المماثلة لعمليات قتل من قبل حرس الحدود التركي، حيث تم توثيق مقتل ما يقارب 420 مدنيا بينهم 320 رجل و75 طفلاً و25 امرأة. وفق مجموعة شبابية تعمل على رصد و توثيق حوادث القتل على الحدود السورية التركية.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان بلغ تعداد الخسائر البشرية على يد حرس الحدود التركي 445 قتيلاً مدنياً في سوريا منذ عام 2011، هم: 324 رجلاً وشاباً و79 طفلاً دون الثامنة عشر، و42 امرأة فوق سن الـ 18، حيث تتواصل عمليات القتل بحقّ السوريين على الحدود التركية أثناء فرارهم من قصف النظام السوري.
وقد أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها الصادر في 10 أيار/مايو 2016 أن قوات حرس الحدود التركية تطلق النار بشكل عشوائي على طالبي اللجوء السوريين الذين يحاولون العبور إلى تركيا، ويعيدونهم بشكل جماعي من حيث قدموا.
قال جيري سيمبسون، (باحث أول في قسم اللاجئين في هيومن رايتس ووتش): "رغم أن كبار المسؤولين الأتراك يزعمون أنهم يستقبلون اللاجئين السوريين بحدود وأذرع مفتوحة، إلا أن حرس الحدود يُمارسون القتل والضرب ضدهم. إنه لأمر مروّع أن يُطلقوا النار على رجال ونساء وأطفال مصدومين، فارين من القتال والحرب العشوائية".
عمليات تهريب بالجملة واستغلال لوضع المدنيين
مع اشتداد العمليات العسكرية في مختلف المناطق شمال سوريا والتي تنشط بسببها عمليات تهريب البشر على طول الشريط الحدودي الفاصل بين الدولتين، مع ارتفاع تكلفة العبور إلى تركيا نتيجة زيادة الطلب، حيث تتراوح تكلفة العبور بين 400 دولار أمريكي إلى 3500 دولار، ويختلف سعر العبور بحسب المنطقة الجغرافية والطريق الذي سيتم سلوكه ووعورة المنطقة ووجود أذن للعبور " الاتفاق مع الضابط التركي المسؤول عن المنطقة". أو الدخول بطرق غير شرعية عبر المنافذ الحدودية في باب الهوى أو معبر باب السلامة، وتمر عمليات التهريب بثلاث مراحل أساسية تبدأ بتجميع المهرب للمدنيين الراغبين في الخروج في منازل قرب منطقة الحدود حيث يوضع الرجال في غرفة والنساء في غرفة أخرى، وقد تستمر هذه المرحلة عدة أيام يعيش فيها المُهرَّبون ظروفاً صعبة وخانقة وكأنهم مساجين حتى اكتمال العدد الذي يتراوح ما بين 10 إلى 50 شخص، وبعدها يقود المُهرِّبُ المجموعة إلى الحدود، ويرسل معها دليلاً ليرافقها لتبدأ المرحلة الثانية، حيث "تكمن قمة المعاناة والخطورة".
وتصف وصال اسماعيل وهي نازحة من ريف إدلب الجنوبي تحاول اجتياز الحدود لمجلة صور المرحلة الثانية من التهريب بالقول "في كل مرة كنا نحمل أطفالنا، ونتبع الدليل، الذي يجعلنا نجتاز الحدود، ونقطع مسافات أحياناً زحفاً، وأحياناً ركضاً، ونتبع كل تعليماته، إلى أن نلتقي بدوريات الجندرما التركية التي تطلق النار علينا كل مرة".
أغلب عمليات التهريب تفشل في المرحلة الثانية، حيث تقبض الجندرما على المجموعة وتعتقلها وتعيدها إلى سوريا. ومن ينجح من المجموعات بعبور الحدود، يصبح بعهدة العميل التركي، الذي يقودها لإحدى القرى الحدودية في ولاية هاتاي، حيث تبدأ المرحلة الثالثة.
فصائل الشمال شركات تأمين للتهريب
بدأت عمليات التهريب مع بدايات عام 2012 وكانت تبلغ تكلفة التهريب للشخص الواحد ما يقارب 2000 ليرة سورية، وتضاعفت هذه التكلفة مع ازدياد التشديد التركي على الحدود، وجشع المهربين الذين يستغلون التشديد لرفع الأسعار، واستغلال الهاربين من الحرب.
وبدلاً من أن تضبط فصائل الشمال وعلى رأسها هيئة تحرير الشام" النصرة سابقاً" جشع المهربين، راحت القوى المسيطرة منها على الطرف السوري من الحدود تعمل على "ترخيص" التهريب، حيث أنشأت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) أواخر العام 2015 ما بات يعرف بـ”مكتب أمن الحدود” التابع لما يسمى ـ”قطاع الحدود” لتنظيم عمليات التهريب إلى الداخل التركي على طول الحدود السورية التركية في حين تزعم الهيئة ان الغاية من إنشاء المكتب هي تنظيم أمور التهريب وحماية المدنيين من المهربين المنتشرين في المنطقة، كما عمدت الهيئة إلى تنظيم جداول بأسماء الأشخاص للمرور عبر هذه القرى، يتحمل بموجبها المهرب مسؤولية من معه من الأشخاص ويحاسب في حال ورود أي شكوى على عمله، بينما تنتهي مسؤوليته بعد تجاوزهم الحدود، كذلك يتعرض المهرب للمحاسبة في حال عدم وجود الاسم في القوائم.
توحي الإجراءات المتبعة بالراحة والتنظيم ظاهريا، إلا أن ما تقوم به هذه النقاط ليس أكثر من فرض إتاوات على المواطنين من دون أي حماية، إذ يقتصر عملهم في الأراضي السورية على محاسبة المهربين في حال تمّت الشكوى من عدم الدخول الى تركيا أو في حال تعرضهم للسلب، أما القتل من حرس الحدود أو عمليات التشليح المتبعة في الأراضي التركية فلا يتحمل مسؤوليتها الأمنيون ولا المهربون الذين يحمون أنفسهم بإيصال مالي
مكاتب تنظيم الحدود تعتبر مصدر دخل جديد لهيئة تحرير الشام، حيث تفرض هذه المكاتب على المهربين مبلغاً قدره 25 دولاراً عن الشخص الواحد كما يتقاضى مندوبها مبلغ 25 دولاراً أخرى بحجة التنسيق المشترك بين المهربين لتعود أيضاً هذه الأموال إلى خزينة هيئة تحرير الشام كون هؤلاء المندوبين يتقاضون رواتب ثابتة من الهيئة، كما تفرض تلك المكاتب على النساء اللواتي يرغبن في الخروج من سوريا أن يكون لديها محرم " أحد اقاربها" يرافقها وقطع إيصال يثبت صلة القرابة بينهما حتى يتم السماح لها بالعبور.
كما أصدرت هذه المكاتب قرارا تمنع فيه عمليات التهريب الخارجة عن نطاق هذه المكاتب وتفرض على المهربين عقوبات تصل للسجن ودفع غرامة مالية كبيرة، وذلك لجعل كافة واردات التهريب عائدة لخزينتها فقط، فضلاً عن إصدارها قوانين أخرى لتنظيم عملهم ومنها أن يكون للمهرب ملف شخصي لدى مكاتبها الأمنية.
عمليات نصب واحتيال بحق المدنيين
مع كثرة المهربين وازدياد عمليات التهريب تنشط شبكات من المهربين بهدف النصب والاحتيال وسرقة ممتلكات المدنيين وذلك بعد اجتيازهم للشريط الحدودي حتى لا تقع أي مسؤولية على المهرب الذي أدخلهم، كما عمدت بعض الشبكات إلى اختطاف المدنيين وحبسهم وطلب فدية مالية من ذويهم مقابل إطلاق سراحهم.
عبد القادر الاسماعيل من ريف إدلب يروي لمعد التقرير عن حادثة اختطاف أخيه بالقول" بعد اتفاقنا مع المهرب على ادخال شقيقي الأصغر إلى مدينة انطاكيا مقابل مبلغ 700 دولار، عبر شقيقي الشريط الحدودي برفقة الدليل بعد أكثر من 15 محاولة، ليفاجئني اتصال هاتفي من هاتف شقيقي كنت أظن أنه يتصل بي ليخبرني بوصولهم إلى داخل تركيا كما جرت العادة عند كل عملية تهريب، ولكن ما حدث كان أشبه بالصدمة بالنسبة لي، حيث طلب الشخص التركي الذي من المفترض أن يقلهم بسيارته إلى داخل المدينة مبلغاً قدره 300 دولار يتم تحويلها إلى رصيده في البنك حتى يفرج عنه، مهدداً بقتله ورميه بين الأحراش إن لم ننفذ ما طلب.
عمليات تهريب بالجملة شمالي حلب
مناطق شمال حلب ليست أحسن حالا فيما يتعلق بعمليات تهريب البشر، حيث تسيطر قيادات الجيش الوطني التابع لتركيا على مجمل طرق التهريب عبر المنافذ الحدودية أو غير الشرعية عبر الجدار الحدودي، وتبلغ تكلفة عملية التهريب في مناطق شمال حلب ما بين 1200 دولار للطرق التقليدية إلى 3500 دولار عبر معبر باب السلامة الحدودي و الذي يشرف على عمليات التهريب فيه قيادات الجبهة الشامية وأبرزهم المدعو( أبو علي سجو)، كما تضم عمليات التهريب طرقاً مختلفة حيث يتم الباس الرجال الراغبين في الدخول الزي العسكري وادخالهم إلى تركيا عبر سيارات الجيش الحر المخصصة لتبديل نوبات الرباط في مناطق تل ابيض ورأس العين ( سري كانيه) شمال شرق سوريا والتي سيطرت عليها تركيا ابان حملتها العسكرية الأخيرة، وتتم عملية التهريب هذه بالاتفاق مع الضباط الأتراك المتواجدين في معبر باب السلامة الحدودي وتبلغ تكلفته قرابة ال 2500 دولار ليتم انزالهم قرب مخيم كلس الحدودي للاجئين السوريين.
ومع كل عمليات القتل والنصب والاحتيال تستمر عمليات تهريب السوريين والتجارة بهم دون رقيب أو حسيب حقيقي يضمن حقوقهم ويمنع استغلالهم، لتبقى رغبة عبور الأراضي السورية أشبه بكابوس مميت قلة من ينجون منه.