info@suwar-magazine.org

السويداء: تعثُّر التعليم الجامعي في ظلّ تراجع مستوى الجامعات السورية

السويداء: تعثُّر التعليم الجامعي في ظلّ تراجع مستوى الجامعات السورية
Whatsapp
Facebook Share

 

السويداء: تعثُّر التعليم الجامعي في ظلّ تراجع مستوى الجامعات السورية  

الجامعات الحكومية في السويداء تفتقد إلى البنية التحتية الضرورية للعملية التعليمية

"الجامعات الخاصة أشبه بشركةٍ تجارية كيفما تلفَّتنا ندفع الكثير من المال"

 

 

تغيَّرتْ ملامح التعليم في سوريا مع بداية الألفية الجديدة، بالتوازي مع تغيُّر السياسات الاقتصادية في البلاد. إذ بدأ العمل على التوسع بإنشاء فروعٍ جديدة للجامعات الحكومية في المحافظات السورية، وإقامة جامعات خاصّة فيها، لتكون للسويداء حصّةٌ من هذا التوسع الذي أدخلها في مرحلة جديدة على صعيد التعليم العالي.

 

في هذه المادة سنضيء على الكليات التي افتُتِحتْ  في السويداء، والأثر الذي تركته على واقع المحافظة سلباً أو إيجاباً.

 

افتتاح الجامعات في السويداء

 

ضمن سياسة التوسع أفقياً في مجال التعليم العالي، افتتحت بعض الفروع لجامعة دمشق في السويداء، فكانت أولى الكليّات التي تم افتتاحها كليّة التربية بفرعيها الإرشاد النفسي ومعلم الصف عام 2002، في مركز المدينة، ضمن بناء أشبه بأبنية المدارس، ثم تلتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفروعها التاريخ والفلسفة والجغرافيا عام 2005 في بلدة عريقة التي تبعد أربعين كيلو متراً عن مركز المحافظة، في مبنى مخصَّصٍ  للتنمية الريفية، وأضيف لاحقاً  قسم الأدب الفرنسي في بلدة المزرعة، التي تضمنت كليّتي  الزراعة والعلوم والمعهد المتوسط الزراعي، وهي تبعد نحو عشرة كيلومترات عن مركز المدينة.

 

وفي العام 2013 تم افتتاح كليّة الهندسة الميكانيكية والكهربائية في مدينة السويداء، وقسم للرياضيات في كلية العلوم، وكان من نصيب مدينة شهبا أن أُحدثت فيها كليّة الاقتصاد عام 2014، ضمن مبنى مدرسيٍّ خارجٍ عن الخدمة، ليعملوا في حينه على إجراء ترميم للطريق الواصل إلى مبنى الكلية، وإدخال بعض التحسينات على الغرف الصفّية، لتكون جاهزةً وقادرةً على استقبال الطلاب.

 

لكن بالرغم من هذا التوسع في استحداث كليّات وفروع جامعية في السويداء، إلا أنّها تواجه الكثير من التحديات والمصاعب التي تحول دون إحساس أبناء المحافظة بالانتماء لهذه الجامعة، ناهيك عن ضعف البنية التحتية، فما زالت جميع هذه الكليات في مبانٍ مؤقتة تعود لجهاتٍ أخرى، ولا تشكل فيما بينها حرماً جامعياً.

 

الصعوبات والتحدّيات

 

 يقع مقر كلية الآداب الثانية في السويداء في بلدة بعيدة عن المدينة، لا تتوفّر وسائل نقل إليها بشكل دائم، ومع ارتفاع أجور النقل وغياب السكن الجامعي، تضاعفت معاناة طلّابها.

 

 

يتساءل أحمد، وهو طالب في كلية الفلسفة، عن الأسباب التي جعلتهم يفتتحون كلية الآداب في بلدة بعيدة عن المدينة كبلدة عريقة، ويقول: "أصبحتُ في السنة الرابعة ولا أجد جواباً لسؤالي عن سبب افتتاحهم لكلية الآداب في عريقة، فهي بعيدة وغير آمنة، وخاصة فترة الحرب، حيث باتت مقرّاَ لعصابات الخطف، ما جعل غالبية الطلاب تنأى بنفسها عن الذهاب للكلية".

 

وقد تكون لعدم الذهاب الى الدوام الجامعي أسبابٌ أخرى، خاصةً أنّ الدوام في بعض هذه الكليّات غير ملزم، يستطيع بعض الطلاب العمل إلى جانب التعليم.  يقول جاد، الطالب الجامعي في كلية التربية، سنة رابعة إرشاد نفسي: " أنا أدرس وأعمل كي أؤمِّن احتياجاتي اليومية". ويعتقد جاد إنّ تزايد نسبة الطلاب العاملين في ظل الظروف الاقتصادية التي يعيشونها، قد يؤدي إلى تراجع مستوى تحصيلهم العلمي.

 

وأشار جاد إلى "تزايد نسبة الطلّاب العاملين عاماً بعد آخر، وتراجع مستوى تحصيلهم العلمي كي يقوموا بتأمين احتياجاتهم مع عائلاتهم في ظل الظروف الاقتصادية التي يعيشونها".

 

لكن بالمقابل فإنّ عدم الدوام في الجامعة كان محلّ رضىً وترحاب بالنسبة لطلّابٍ آخرين، تقول رهف: "دراستي في كلية التاريخ سهّلت عليَّ عدم الدوام، فمعظم طلاب التاريخ لا يداومون لأن غالبيتنا لديه عمل، ولا يستطيع أن يتخلى عنه كي يكمل دراسته، فأنا أعمل كي أؤمِّن مصاريفي الجامعية من محاضرات وأجور نقل، كما إنّ قسماً كبيراً من الشباب التحق بالخدمة العسكرية، ولا يأخذ إجازة إلا في وقت الامتحانات".

 

وتضيف رهف: "الكادر التدريسي من معيدين وأساتذة متعاونون معنا، فهم يراعون ظروفنا كطلاب، بحيث نستطيع أن نقدِّم لهم وثيقة تثبت أننا نعمل، أو إذا كان الطالب عسكرياً، كي يبرروا بعض تقصيرنا أو غيابنا".

 

وفي تصريحٍ سابق لمدير فرع جامعة دمشق بالسويداء الدكتور منصور حديفة (لوكالة سانا) قال: "عند افتتاح كليّة الآداب عام 2005، لم يكن هناك مكان متوفِّر مناسب لها، لذلك تم اختيار مركز إنعاش الريف التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في بلدة عريقة ليكون مقرّاً مؤقتاً لها".

 

وأكّد حديفة "إن المخططات والدراسات لإحداث مقر لكليّة الآداب وسكن جامعي ضمن الأرض التي يوجد فيها مبنى فرع الجامعة، وكليّتي الزراعة والعلوم في بلدة المزرعة جاهزة، لكن إحداثها يتطلب إمكانات مالية كبيرة لا يمكن توفيرها في ظل الظروف الراهنة".

 

المطالبة بدعم البنية التحتية لجامعات السويداء

 

تزايدت المطالبة من الأهالي والطلاب بدعم البنية التحتية في الجامعات، والعمل على تطوير واقع التعليم العالي في السويداء. وفي اجتماعٍ عقد في مبنى المحافظة في 22 تشرين الثاني، بحضور محافظ السويداء همام صادق دبيات، ورئيس جامعة دمشق د. محمد يسار عابدين، ورئيس فرع الجامعة في السويداء د.منصور حديفة، طالب حينها حديفة بتجميع الكليات في منطقة المزرعة، وإعادة تأهيل مدخل الجامعة، وتوسيع الطرقات، وتأمين مستلزمات الراحة للطلاب، كما أشار لأهمية وجود مدينة جامعية في المحافظة، والاستفادة مؤقتاً من السَّكن الجامعي الذي أنشأه أحد مستثمري القطاع الخاص.

 

 

وحسب مصدرٍ من كلية التربية فضّل عدم ذكر اسمه، "فقد بلغ عدد طلاب كلية التربية للسنة الثانية والثالثة والرابعة والخامسة حوالي 4500 طالب". كما أشار المصدر "إلى أنه تم مؤخّراً عقد اجتماعٍ في كلية التربية بحضور عدد من الأساتذة والمعيدين بالإضافة للموظفين الإداريين في الجامعة، للمطالبة باستقلال الجامعات في السويداء مالياً وإدارياً".

 

السكن الجامعي الخاص

 

أنشئ السكن الجامعي الخاص في قرية "نجران" الواقعة بين كليات "عريقة" و"المزرعة" و"السويداء"، يعود ملكيتها لأحد المستثمرين (رضوان نصر)، في أواخر عام 2012، ويتكون من 102 غرفة، وكل غرفة تتسع لثلاثة طلاب فقط، حيث تبلغ مساحتها الفعلية 18 متراً مربعاً مجهزة بسرير وخزانة لكل طالب، وشاشة تلفاز، وشرفة مستقلة ومطبخ وحمام، وفي كل طابق مطبخ مشترك لكافة الطلاب، وغرفة استراحة، هذا إضافة إلى ملحقات السكن من المسبح و"مول" تجاري وملعبي كرة قدم وكرة سلة.

 

رسم السكن رمزي مقارنة بالخدمات، وتراوح عدد الطلاب سنة 2017، ما بين 70-200 من داخل وخارج المحافظة، وهناك سكن مجاني لأبناء الشهداء والمحتاجين.

 

المناهج الجامعية

 

كان لتداعيات الحرب في سوريا انعكاساتها السلبية على المكانة العلمية للجامعات السورية عالميّاً، حيث تراجعت جامعة دمشق وفق تصنيف موقع "ويب مارتكس" العالمي للجامعات بنسخة تموز 2018 إلى مرتبة 3.955، عن تصنيف كانون الثاني 2018 أي خلال ستة أشهر، لتحتل المرتبة 10906عالمياً.

 

وقد أظهر الترتيب عام 2020 تقدُّم جامعة دمشق عدة مراتب بين آلاف الجامعات العالمية، حيث صنِّفَت في المركز 3578 على المستوى العالمي.

 

ويعتمد التقييم على أربعة معايير مهنية في الترتيب، وهي حجم الموقع والملفات الإلكترونية والأبحاث العلمية المنشورة في نطاق الجامعة، والروابط والظهور عن طريق محركات البحث.

 

فالجامعات السورية لازالت تعتمد على المناهج والكتاب الجامعي لتدريس المواد المقرَّرة، وهذه الطريقة أصبحت قديمة وجامدة وغير ديناميكية، كما أنها لا تتلاءم مع الطرق الحديثة في التعليم التي تساعد الطالب على الارتقاء بمؤهلّه العلمي. وتعاني من بطء في التحديث مما يجعلها بعيدةً عن مواكبة أخر التطورات العلمية والأوراق البحثية في العالم.

 

وفي هذا الصدد يقول لنا أستاذ في جامعة عريقة فضّل عدم ذكر اسمه، "لا يجوز أن يكون اعتماد الجامعة على مناهج أو مقررات أي (الكتاب الجامعي)، بل يجب أن تكون مكاناً للبحث، والاستكشاف، والقيام بتجارب تغني الطالب ذهنياً وفكرياً، وللأسف الطلاب عندنا يعتمدون على "النوطات" والحفظ البصم ويفضّلون الأسهل".

 

غياب الأبحاث والمشاريع العملية التي تربط التعليم مع متطلبات الواقع كان له أثرٌ سلبيٌّ على الطلاب، وخاصة الكليّات العلمية التي يجب أن تعتمد على الورشات العملية.

 

تقول راميا، وهي خريجة كليّة الهندسة الميكانيكية والكهربائية بالسويداء: "بعد تخرجي من كليّة الهندسة الميكانيكية، لم أجد نفسي مؤهلة للدخول في ميدان العمل، فبدأتُ بالعمل على اتّباع دورات كثيرة لأكون قريبة من اختصاصي"، مشيرةً إلى أنّ "الجامعة تفتقد لأهم عنصر وهو البحث العلمي، فالطالب يتخرّج منها دون أن تكون لديه الخبرة العملية التي تؤهِّله للدخول في سوق العمل".

 

 

الجامعات الخاصة

 

برزت الجامعات الخاصة كخطوة مغايرة في تحديث نمط التعليم في سوريا، من حيث المناهج والأساليب التعليمية، وأعداد الطلاب القليلة فيها مقارنة بالجامعات الحكومية.

 

يقول الدكتور في كليّة إدارة الأعمال (بالجامعة العربية الدولية الخاصة) واثق أبو عمر: "أحدثت الجامعات الخاصة الكثير من النقاط الإيجابية، بأن فتحت الخيارات أمام معظم الناس للتعلّم والتأهيل للدخول في أسواق العمل، وكان لمعظمها ميزة أخرى هي التعليم باللغة الإنجليزية". ويشير أبو عمر إلى "أنّ المناهج  في الجامعات الخاصة أكثر تطوّراً، وخاصّة الجامعات التي تدرِّس مناهج بريطانية وأمريكية من أمهات الكتب الجامعية، لأنها تقوم على إعداد الطالب للدخول في سوق العمل دون حشو وأدبيات لا تغني ولا تسمن".

 

كما يؤكد "إنّ مشاريع التخرج تكون دائماً تطبيقية على جوانب مختلفة من الاقتصاد السوري، وتجري بناء على بيانات واقعية حسب المتاح".

 

بالرغم من جميع الإيجابيات التي تمتلكها الجامعات الخاصة، لكنْ هناك الكثير أيضاً من السلبيات التي تتعلق بأقساطها السنوية العالية، والمكان البعيد والمعزول لبعضٍ منها.

 

 تقول يارا، طالبة الهندسة المعمارية سنة ثالثة في جامعة الرشيد الخاصة، التي تقع على أوتوستراد غباغب بين السويداء ودرعا: "معظم الطلاب لا يستطيعون التسجيل في الجامعات الخاصة بسبب أقساطها وتكاليفها المرتفعة، كيفما تلفَّتنا ندفع الكثير من المال، وكأنها أشبه بشركة تجارية".

 

وتضيف يارا "خُصِّص لنا بولمان يأخذنا من السويداء إلى الجامعة في ساعة محددة صباحاً، ليعود بعد انتهاء الدوام ويعيدنا إلى منازلنا"، وتتابع باستهزاء، "تخيَّلي أنه في حال تأخَّرَ الطالب عن الساعة المحددة يبقى في الجامعة لليوم الثاني لعدم وجود وسائل نقل في هذه المنطقة، فنحن نتعلم في منطقة معزولة".

 

وتبلغ نسبة الطلّاب من أبناء السويداء في جامعة الرشيد قسم الهندسة المعمارية  65%، وقسم المعلوماتية 80%، إدارة الأعمال 70%، أما كليّة الصيدلة فقد بلغت نسبتهم 35%. وذلك حسب مصدر من داخل جامعة الرشيد.

 

وكان قد صدر في العام 2001 مرسوم تشريعي سمح بإحداث الجامعات الخاصّة إلى جانب الجامعات الحكومية، ووصل عددها اليوم إلى 23 جامعة خاصّة موزّعة في مختلف المحافظات.

 

ختاماً، لم يطرأ أي تغيير يُذكر على صعيد التعليم العالي في السويداء منذ افتتاح أوّل كليّة ولغاية الآن، فما زالت البنية التحتية للجامعات دون المستوى المطلوب وغير مؤهّلة لاحتواء الطلاب، الذين لا بديل لهم عن التسجيل فيها نتيجة للواقع المعيشي والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها المحافظة، ولا تزال المطالبات بتأهيل وتخديم كافة الفروع الجامعية نفسها، لتقابلها الوعود والتصريحات نفسها أيضاً.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard