info@suwar-magazine.org

قوميّة اللقاحات

قوميّة اللقاحات
Whatsapp
Facebook Share

 

 

خلال السنوات الماضية برز في بلدان المنطقة التي لا تزال تعيش تحت نير الدكتاتورية، أو البلدان غير المستقرّة والهشّة، تيّار مناهض لفكرة القوميّة، رافعين شعارات المواطنة كحل سحري لجميع المشاكل التي تعانيها القوميّات المسحوقة. وظهور هذا الاتجاه كان نتيجة لتغيّرات عديدة مثل العولمة، وقوّة وسائل التواصل الاجتماعي في ربط المجتمعات ببعضها، وانتشار ثقافة حقوق الإنسان نتيجة تطوّر ملحوظ في قوّة المجتمع المدني.

 

وبطبيعة الحال، فإنّ التيارات التي تسعى إلى التغيير نحو تبنّي قيم الديمقراطيّة والمواطنة لها تأويلات مختلفة لحقوق الإنسان العالميّة، رغم وضوحها، فكلٌّ منها يختار الجزء الذي يخدم أهدافه ومصالحه السياسيّة. ولا يخفى على أحد أنّ بعض شخصيات هذه التيارات المناهضة مازوشية، تؤذي نفسها، وتنكر انتماءها لعرقلة طريق الآخرين.

 

ويثبت السلوك البشري عبر التاريخ أنّه عندما تتعرّض أي جماعة بشريّة لتهديد جماعي، فإنّها تحافظ على نفسها، وتتشبث ببعضها البعض، وتشعر بوحدة القدر، وهذا ما نشهده الآن في ظل وباء كوفيد 19، حيث تجاوزت آثار الجائحة حالة المنافسة والسيطرة السياسيّة، وأصبحت اللقاحات قوميّة وراحت كلّ دولة، بما في ذلك الدول الأكثر ديمقراطيّة تخزّن اللقاحات عشرة أضعاف حاجة شعوبها، ونلاحظ حتى أنّ مناطق الأقليّات في هذه البلدان تتلقّى لقاحات أقل، ليس بسبب عنصريّة الحكومة، ولكن لأنّ مناطق الأقليات كانت مناطق مُهمّشة في الماضي، تفتقد إلى بنية تحتيّة قويّة تستطيع معها مواجهة الوباء.


هذا التناقض في السلوك القيمي للمجتمعات، لم تكن الجائحة إلّا مُحرّكاً لفكرة مازالت قائمة وسوف تستمر في البقاء، وهي القوميّة، فالقوميّة ليس فعلاً بقدر ما هي فكرة تساعد على تعزيز سيطرة قوميّة مُعيّنة، أو تساعد في حماية قوميّة مهدّدة، على سبيل المثال، فالقوميّات التي ترفض إزالة صفة العربيّة أو التركية أو غيرها في الشرق الأوسط من اسم دولها، وترفض تغيير هويّة دولها، إنما تسعى إلى الحفاظ على هيمنتها القوميّة، والقوميّات التي ترفض صفة العربيّة، أو التركيّة سبب رفضها الامتناع عن التخلّي عن هويّتها القوميّة لصالح قوميّة أخرى، لذلك لا يمكن بناء هويّة وطنية تكون نتاج عدّة ثقافات قوميّة من خلال الشعارات الوطنيّة والحقوقيّة الرنّانة، بل يتمّ ذلك من خلال ربط المصالح المشتركة بين هذه القوميّة بما يحافظ على الهويّات الفرعيّة لكلّ قوميّة، وأخيراً فإنّ المواطنة التي نسعى إليها هي غاية وليست حلّاً.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard