"رجل يدعى أوتو" … الوقوع في غرام أكثر الرجال غضباً في أمريكا
تدور أحداث الفيلم حول قصّة رجل كبير في السّن يدعى "أوتو" يعيش بحالة يأس من الحياة، يتجه لإزعاج من في محيطه، يميل إلى الانتحار وإنهاء حياته بعد نكسات واجهته، أكثرها تأثيراً وفاة زوجته، وسيطرة حالة من الحزن والعصبية عليه أقرب للاكتئاب. وزاد الطين بلّة وصوله لمرحلة التقاعد.
نجد أوتو يرتّب بدّقة لعملية انتحاره، متنبهاً لكافّة التفاصيل بتخطيط مسبق ومنظّم، للحفاظ على منزله، يبدأ الترتيب لإيقاف خدمات الكهرباء والغاز المنزلي، ليوم انتحاره، وتسير الأحداث هذه وفق خطّة أوتو الذي يؤدي شخصيته الممثل "توم هانكس"، وفق خط درامي تصاعدي رصين.
لكن الأحداث تنقلب في يوم تنفيذ خطّة انتحار "أوتو"، لتأخذ قصّة الفيلم منحى آخر، مع دخول شخصيّة تثير تسونامي في حياة "أوتو" وتخلط الأوراق، وتغيّر حبكة أوتو المدروسة والمعدّة مسبقاً، وتوجه مسار الأحداث في خطّ درامي لم يكن سبق ل "أوتو" توقّع حدوثه. الشخصية هي جارة جديدة في الحي الذي يعيش فيه "أوتو". امرأة حامل تدعى "ماريسول" تمثّل شخصيتها "ماريانا تريفينيو".
تبدأ "ماريسول" المرأة الحامل والجارة الجديدة بمحاولات إخراج "أوتو" من حالة الحزن التي يعيشها، ليدخل الفيلم في سكّة من الدراما والكوميديا، في الوقت الذي تدخل "ماريسول" في حياة "أوتو"، تبدأ خيوط حبكة الفيلم بالتوسّع أكثر فأكثر، وهنا في الأثناء يتدرج التصاعد الدرامي في قصّة الفيلم، ليأهل "أوتو" إلى مرحلة ما بعد التفكير في الانتحار والموت، لا سيما أنّ شركة عقارية تحاول شراء منازل الحي الذي يسكنه "أوتو" وهو حي صغير، بهدف تحويل الحي لمجمع سكني فاخر، هنا يفقد أوتو أعصابه ويبدأ بالانتقال لمرحلة التمسّك بالحياة لإنجاز مهمة أو لأنّ هناك في هذه الحياة ما يستحق العيش فترة أطول لإنجازه، وهو الوقوف مع أصدقاء يستحقون الدفاع عنهم والوقوف معهم ضدّ المخاطر التي يواجهونها منفردين.
السرد الدرامي للقصّة لا يتجه بخط واحد للأمام، لكن يعود ليوضّح حياة "أوتو"، والتعريف بزوجته الراحلة سونيا، بأسلوب الخطف خلفاً "فلاش باك"، ويكشف جوانب من شخصية "أوتو" في شبابه، حيث مثّل شخصيته ترومان هانكس، ابن الممثل توم هانكس. ويستعرض صناع الفيلم عبر "الفلاش باك" حياة "أوتو" وخسارة ابنه قبل ولادته، وبعدها خسارته الثانية وموت زوجته التي أصيبت بالسرطان وفارقته أيضاً، وكيف تحوّل "أوتو" لرجل عصبي حزين غاضب مسلوب الإرادة والعزيمة همّه الوحيد الخلاص من الحياة، مع مشاهد عن تغيّر الحياة، وفقدان الكثير ممّا كان يتمسّك به ويعشقه، حيث يتطرّق الفيلم لجوانب سياسية واقتصادية جرت خلال تلك السنين.
والفيلم يركّز على جوانب من شخصية "أوتو" المزعجة للجيران، التي لا تصل لحدّ الأذى أو محاولات الاعتداء، وهذه التصرفات نابعة عن رجل مسنّ محب للرتابة والنظام، لا يريد أن يرى جاره يركن سيارته بطريقة خاطئة، كمثال على هذه الشخصية. إلى جانب الشخصية المزعجة التي أداها "هانكس" تظهر شخصية أوتو الحزينة بمشاهد مؤلمة، منها زيارة قبر زوجته الراحلة، وهنا تبدأ نوافذ جديدة في الانفتاح، فكلّ نافذة تطلّ على قصة في حياة "أوتو".
أداء ثان مميز بشكل مفاجئ للممثلة ماريانا تريفينو في دور المرأة الحامل الدافئة التي تحمل في عروقها الدماء اللاتينية، وزوجها عديم النفع وبناتها جيران "أوتو" الجدد وتحديداً المرأة الحامل التي تتمكّن من منع "أوتو" من الانتحار وتنقله لعيش تفاصيل صداقة جميلة، وتكسر جدار عزلة أوتو بأطباقها الشهية، وتعيد له الاهتمام المفقود في التفاهم بين الشخصيتين، والفيلم كوميدي درامي، يمكن القول إنّه مبكي مضحك، ضمن حبكة شيقة، عند كلّ موقف كوميدي يذهب لسرد قصّة جانبية تزيد من تعلّق المشاهد بالفيلم. وتتمكّن الجارة من إعادة دفع أوتو للحياة من جديد.
أوتو .. أم أوف
فيلم "رجل يدعى أوتو" هو النسخة الأمريكية للفيلم السويدي "رجل يدعى أوف" الذي صدر عام 2015، وحقّق نجاحاً كبيراً ورشح لجائزتي أوسكار منها جائزة أفضل فيلم أجنبي، وبدوره الفيلم مقتبس من رواية سويدية أيضاً صدرت عام 2012. مع فارق أنّ فيلم "رجل يدعى أوتو" هو من بطولة المبدع "توم هانكس" الذي أكّد العديد من نقاد الفيلم أنّ الشخصية الجديدة التي تقمصها هانكس في الفيلم مميزة ولم تكن لتناسب غيره مع هذا الأداء المميز والإتقان للدور.
وما يميز الفيلم شخصية "أوتو" على الرغم من كل المشاعر المظلمة والمحبطة التي تغمر حياة أوتو خلال مدّة القصة، إلّا أنّه يخرج على الجانب الآخر ولا يجد هدفاً فحسب، بل يجد الفرح في حياته مرّة أخرى. إنّه يدرك مدى قيمته بالنسبة للأشخاص من حوله، وأنّه لا يزال يمتلك أشخاص في حياته يستحقون العيش من أجلهم. نهاية رجل يدعى أوتو جميلة في بساطتها ونهايتها الحقيقية التي تشعر بالسعادة. يجب على الجميع أن يأخذوا الوقت الكافي لمشاهدة هذا الفيلم مرة واحدة على الأقل فقط بسبب حقيقة أنّ النهاية خاصّة جداً.
الفيلم من إخراج مارك فوستر وهو منتج ومؤلف ومخرج ألماني، أمّا الرواية الأصلية للفيلم من تأليف فريدريك باكمان وهو صحفي سويدي ومدوّن وكاتب. وهو مؤلف "رجل يدعى أوف "(2012)،. أول تجاربه كروائي كانت في عام 2012 من خلال كتابة رواية "رجل يدعى أوف". تم تصويرها كفيلم سينمائي بنفس العنوان لأول مرة في 25 ديسمبر عام 2015.
أما سيناريو الفيلم من تأليف ديفيد ماجي وهو مؤلف أمريكي، ولد في 1962 في فلينت، ميشيجان، الولايات المتحدة الأمريكية. رشح لجائزة الأوسكار مرتين في مسيرته.