يمكنك الجلوس أمام البيت الأزرق وتكون ضيفاً هناك..قراءة في رواية البيت الأزرق
بعد مجموعة قصصية بعنوان صخرة ليرون، صدرت قبل مدة قصيرة بالتعاون بين مزوبوتاميا للترجمة ودار شلير للطباعة والنشر، رواية جديدة للروائي الكردي طاهر تاننها بعنوان البيت الأزرق. قام الكاتب والشاعر جوان تتر بترجمتها إلى اللغة العربية. تقع الرواية في 114 صفحة من القطع المتوسط، وصُمم غلافها من قبل لالش عبد الرحمن، والتنسيق الداخلي صلاح الدين يوسف.
- كانت ثمَّة غيمةٌ بيضاء مبعثرة تسيرُ فوق كردستان، فوق ديار بكر، فوق حي “باغلار” فوق البيوت، ثمَّة حمامةٌ بيضاء أطلقت العنان لجناحيها المفتوحتين، فوق البيوت التي بلا أبواب، البيوت التي يعلو أحدها الآخر، الواطئة، المختلطة، متوجّهةً نحو بيتٍ مطليّ بالأزرق، حلَّقت بجناحيها فوق البيت، بين المباني المرتفعة، الشوارع الضيقة، ثمَّة فوضى والوقت قريبٌ من الظهيرة، حطَّت الحمامةُ فوق سطح منزل بَنفش، البيتُ الأزرق.
تدور أحداث هذه الرواية في حي باغلار، وهو أحد أحياء مدينة ديار بكر التي تُعتبر عاصمة المناطق الكردية في تركيا. أبطال الرواية هم عائلة صغيرة خرجت من قريتها مرغمةً حين أحرق الأتراك قراهم إبّان معاركهم مع حزب العمال الكردستاني.
اقرأ أيضاً:
بنفش هي الأم التي تزوجت من جمبلي بعد قصة حب خجولة وعذرية بينهما. أما جمبلي، وبعد أن كان يمتلك قطيعاً من الماشية وقطعة أرض صغيرة يزرعها، فقد جاء إلى ديار بكر ليبيع الخضار والفاكهة على عربة صغيرة متجولاً بين البيوت والأحياء الجبلية الوعرة. نورين الابنة، وتاج الدين الابن، أنهيا دراستهما الجامعية ولم يعثرا على عمل حتى الآن. أما سيف الدين، فهو عاشق قديم لبنفش، كتم أسرار قلبه العميقة، ومرت سنوات طويلة من هذا العشق دون أن يبوح لها أو يلمّح بشيء، ثم انتحر وحيداً بعد الكثير من العمر والسنوات، بعد أن التقى مصادفة ببنفش في أزقة ديار بكر. أما وسيلة، فهي الصديقة الوحيدة لبنفش، وهي بدورها تقف في كثير من الأوقات أمام باب بيتها وتنتظر ابنها الذي التحق بالثورة في جبال كردستان.
لم تكن بنفش تعرف جيرانها، وكانت تنسى أسماء الكثيرين منهم. لكنها لم تكن تنسى اسم "وسيلة"، فقد كانت ترتاد منزلها أحيانًا وتغرقان في مسامرات طويلة وعميقة، حيث تسرد كل واحدة منهما من دفتر ألمها قصصاً وحكايات عن ذكريات وتفاصيل مليئة بالحنين والحزن.
بشكل عام، معاناة طويلة وعميقة عاشها ويعيشها الجميع في ظل فقر شديد وظل ممارسات الدولة التركية، والمصير القاتم الذي وصلوا إليه. عالم بسيط ومتعب للغاية، كتبه الروائي بلغة أدبية وشاعرية تكسّر معيارية السرد في الروايات الكلاسيكية، فهو يحاول أن ينقل التفاصيل الدقيقة والأحداث بكامل جزئياتها بأسلوب يكاد يشبه أسلوب السينما في نقل الأحداث.
يمكن اعتبار أسلوب الرواية سهلاً وصعباً في نفس الوقت؛ إذ يستمتع القارئ به سواء كان مختصاً أو عادياً. وما يهم هو أن الروائي استطاع، وبنجاح مبهر، أن يعكس لنا واقع تلك البقعة الجغرافية وتغيراتها عبر الزمن، حتى يمكن للقارئ أن يتخيل نفسه أمام ذلك البيت الأزرق ويلقي السلام على بنفش وجيرانها.