info@suwar-magazine.org

الكرد والمشهد السياسي الجديد في سوريا.. قراءة في تعقيدات الموقف

الكرد والمشهد السياسي الجديد في سوريا.. قراءة في تعقيدات الموقف
Whatsapp
Facebook Share

 

 

في قراءة سريعة للمزاج العام في الشارع الكُردي السوري، خلال السنوات الماضية، يتضح أن قطاعاً كبيراً منه فضل النظام السوري الذي اضطهدهم لعقود طويلة، على المعارضة السورية، ويعود ذلك إلى غياب خيارات وطنية حقيقية تحفظ حقوقهم وتصون وجودهم على أرضهم. قد تبدو هذه المفارقة صادمة، لكنها عكست تعقيدات الواقع وتجليات الذاكرة الجماعية القصيرة. فمنذ انطلاق الاحتجاجات في عام 2011، تعرض الكُرد لانتهاكات جسيمة من قبل أطراف مختلفة من المعارضة السورية، ربما تفوق بمئات الأضعاف ما واجهوه من النظام. وقد تراوحت هذه الانتهاكات بين التعاون مع تركيا لاحتلال مناطقهم، والاستيلاء على ممتلكاتهم، وقتل أبنائهم وبناتهم.

 

المعارضة السورية ومواقفها المتباينة تجاه الكُرد

 

في سياق الصراع السوري الممتد لأكثر من عقد، شهدت العلاقة بين المعارضة السورية والمجتمع الكُردي انعطافات حادة أثرت على الثقة المتبادلة. ورغم أن المعارضة ليست كيانًا موحدًا، فإن بعض محطاتها الرئيسة وتوجهاتها العامة ساهمت في تغير المزاج العام للكُرد من دعمها إلى النفور منها.

 

عند انطلاق الاحتجاجات في عام 2011، شارك الكُرد بحماس فيها، آملين في مستقبل يضمن حقوقهم ويعترف بتنوع النسيج السوري. لكن بوادر الخلاف ظهرت مبكرًا مع تأسيس المجلس الوطني السوري، خاصة أثناء إعداد وثيقة العهد الوطني، عندما رفضت المعارضة تضمين أي بنود تعترف بخصوصية الكُرد القومية، كما قُدّمت من الكتلة الكُردية آنذاك. وقد أثار هذا الموقف استياءً واسعًا في المناطق الكُردية، وخرجت مظاهرات تنديدية بهذا الرفض.

 

تبع ذلك أحداث أكثر تأثيرًا على العلاقة، كان أبرزها احتلال مدينة سري كانيه (رأس العين) عام 2012 على يد فصائل المعارضة المسلحة، التي أقدمت على نهب وسرقة ممتلكات المدنيين. هذا الصدام العسكري الأول كشف حجم التناقض في خطاب المعارضة السورية تجاه الكُرد. وجاءت أحداث أخرى أكثر إيلامًا، مثل احتلال عفرين وتل أبيض وسري كانيه، ولكن هذه المرة على ظهور الدبابات والمدرعات التركية. فضّلت الفصائل حماية المصالح الإقليمية التركية على حساب أبناء بلدها من الكُرد وهويتهم الوطنية، وارتكبت انتهاكات جسيمة، منها تهجير أهلها قسرًا واستبدال سكانها الأصليين بنازحين من مناطق أخرى مثل الغوطة وحمص. هذه الممارسات وُصفت على نطاق واسع بأنها تغييرات ديموغرافية تستهدف طمس الهوية الكُردية في تلك المناطق.

 

وعلى الصعيد السياسي، ساهمت التصريحات العدائية لبعض رموز المعارضة، مثل برهان غليون وعبد الرزاق عيد والعقيد أسعد الزعبي، في تعميق الفجوة بين الطرفين. كانت هذه التصريحات تُعبّر عن رؤى ضيقة لا تراعي التنوع السوري ولا تعترف بحقوق الكُرد كشريك أساسي في الوطن.

 

ورغم أن المعارضة السورية ليست كيانًا واحدًا، فإن محاولة رصد الآراء القائمة، بما في ذلك الفصائل المسلحة مثل الجيش الحر سابقاً، والجيش الوطني السوري، والمؤسسات السياسية كالحكومة المؤقتة والائتلاف الوطني، تكشف عن نمط مشابه. حتى المنظمات المدنية والنشطاء، ساهموا في تعزيز الانقسامات السياسية والمجتمعية.

 

إن تراكم هذه المواقف والأحداث جعل العلاقة بين الكُرد والمعارضة السورية متوترة بشكل لا يمكن إنكاره، مما يستدعي إعادة النظر في طبيعة هذه العلاقة وآليات تصحيحها، إذا كانت المعارضة جادة في تحقيق رؤية وطنية شاملة لسوريا المستقبل.

 

 

اقرأ أيضاً:

 

السيناريوهات المحتملة لتراجع النفوذ الإيراني على القضية الكردية في سوريا والعراق

 

التصنيفات المتناقضة: إرهابيون أم وطنيون؟

 

هناك من يبرر العداء للكُرد بحجة أن الحرب موجهة ضد حزب العمال الكردستاني (PKK)، لكن هذا التبرير يغفل البُعد الوطني المختلف للكُرد أنفسهم. فالتصنيفات التي تُطلق على القوى السياسية والعسكرية ليست مجرد انعكاس للواقع، بل تعكس الانقسامات العميقة في المنظور الوطني السوري. فما يعتبره طرف ما " إرهاباً " قد ينظر إليه الآخر على أنه "نضال تحرري"، والعكس صحيح.

 

قسد هي تحالف عسكري يضم مكونات سورية متنوعة من عرب وكرد وسريان، وهي شريك للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. كما تضم مقاتلين من باقي أجزاء كردستان، وتعمل داخل سوريا لمحاربة الإرهاب وحماية المناطق التي تديرها. ومع ذلك، تصنفها تركيا كقوة إرهابية بسبب ارتباطها بحزب العمال الكردستاني (PKK).

 

الجيش الوطني السوري، وهو تحالف يضم فصائل عربية وتركمانية مدعومة من تركيا، يعمل في الغالب وفق الأجندة التركية، وقد سُجل تورطه كمرتزقة في صراعات خارج سوريا. كما أنه متهم بارتكاب جرائم حرب داخل سوريا.

 

هيئة تحرير الشام، المصنفة كمنظمة إرهابية دوليًا، تضم مقاتلين أجانب من الإيغور والشيشان وغيرهم، وتُعتبر امتدادًا لتنظيم القاعدة.

 

السؤال: لماذا التركيز على قسد؟ ولماذا تُعتبر الأطراف الأخرى "سوريين" بينما تُتهم قسد بأنها غير سورية؟

هذا التناقض في الخطاب السياسي والإعلامي يعكس ازدواجية المعايير والتوظيف السياسي الذي يخدم أجندات إقليمية ودولية، بينما يتم تجاهل المصلحة الوطنية السورية.

 

مع غياب الخيار الوطني يجد الكرد أنفسهم أمام خيارات معقدة بين تيارات دينية وأخرى شوفينية متحالفة مع تركيا، والتي تسعى بشكل مباشر إلى إقصائهم وتغيير هويتهم. هذا التعقيد في الخيارات السياسية يعكس تحديات الكرد في تحديد مسارهم السياسي الجديد، ويفسر ترددهم في الانضمام إلى البدائل التي تبدو أكثر خطورة على استقرارهم وهويتهم ومستقبلهم اليومي.

 

خلال حكم النظام السابق ورغم استبداده السياسي، كان الكرد يُعتبرون جزءاً من منظومة الدولة، ما منحهم شكلاً من الاستقرار النسبي مقارنة بالتهديدات التي تمثلها التيارات الأخرى، هذه التيارات غالباً ما تتعامل معهم من منظور أيديولوجي يهدف إلى التهميش والاضطهاد.

 

 

 

أهمية الحوار والتفاهم رغم الاختلافات

 

لبناء سوريا ديمقراطية تتسع لجميع أبنائها، يصبح من الضروري فهم المزاج العام للسوريين والعمل على تطوير آليات ومشاريع وطنية تُزيل المخاوف المتبادلة. ينبغي أن يقوم هذا العمل على أساس التفريق بين المدنيين والخصوم السياسيين، وهو جوهر العملية السياسية السليمة.

 

لكن الواقع الحالي يشير إلى أن تصاعد الانقسامات والاستقطابات السياسية يجعل تحقيق هذا الهدف أكثر صعوبة. فبدلًا من التقارب وبناء جسور الثقة، تعمل هذه الانقسامات على تعميق فجوة الثقة بين الأطراف المختلفة. ونتيجة لذلك، تتضاءل فرص الوصول إلى تفاهمات سياسية شاملة يمكن أن تؤسس لبيئة وطنية جامعة تُسهم في تحقيق الاستقرار والتقدم المنشود.

 

 

المطلوب من المعارضة: موقف إنساني يرسخ العدالة

 

في نهاية المطاف، تقع على عاتق المعارضة السورية مسؤولية أخلاقية وسياسية لتبني موقف حيادي يُعبّر عن التزامها تجاه جميع المدنيين، بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية. هذا الموقف لا يعني بالضرورة التوافق مع الخصوم السياسيين، ولكنه يستوجب احترام حقوق جميع السوريين كأفراد متساوين في الحقوق، سواء كانوا في مناطق المعارضة، أو المناطق الكردية، أو الخاضعة لسيطرة النظام.

 

يتطلب هذا التوجه اتخاذ خطوات جادة، منها إزالة المظالم التي تسببت بها المعارضة، ورد الحقوق والممتلكات إلى أصحابها، وتعويض المدنيين المتضررين عن الأضرار التي لحقت بهم. كما ينبغي على المعارضة الانسحاب من المناطق التي سيطرت عليها قسرًا، مما يتيح لسكانها الأصليين العودة وإدارة شؤونهم بحرية.

 

إلى جانب ذلك، يجب أن تتحمل المعارضة مسؤوليتها في محاسبة الأفراد والجماعات الذين تورطوا في انتهاكات ضد المدنيين، وإظهار الالتزام بمبادئ العدالة والمساءلة. وعلى الأطراف الأخرى اتخاذ خطوات مشابهة لضمان تحقيق العدالة الشاملة.

 

إن نجاح أي مشروع وطني مرهون بقدرته على احترام التعددية والانفتاح على الآخر، مع ترسيخ ثقافة الحقوق والمواطنة. بدون هذه المبادئ، ستظل أي رؤية وطنية ناقصة وعاجزة عن تحقيق الاستقرار والتنمية لسوريا المستقبل.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard