info@suwar-magazine.org

نحو مقاربة متوازنة لنزع السلاح في سوريا

نحو مقاربة متوازنة لنزع السلاح في سوريا
Whatsapp
Facebook Share

 

منذ سقوط نظام البعث في سوريا، تصاعدت الدعوات المطالبة بنزع السلاح وحصره في يد الدولة، أو بالأحرى، في يد الفصيل الذي يسيطر حاليًا على دمشق، ورغم أن هذه الدعوات تُرفع تحت شعارات مثل استعادة الاستقرار وبناء دولة مؤسسات، إلا أنها تخفي في طياتها مخاطر كبيرة قد تؤدي إلى تكريس سلطة أحادية تُعيد إنتاج الاستبداد بصيغ وأشكال جديدة. ما يعني أن الهدف من هذه العملية يجب ان يكون واضحاً، وبعيداً عن أشكال الدعوات، وخاصة تلك التي مرتبطة ببقائه في يد قوة عسكرية بعينها تتحكم بها وتستخدمها في غير محلها، لأن مجرد إطلاق شعار نزع السلاح لا بد أن يرتبط بتعزيز الأمن والسلم الأهليين قاعدته استقرار الأمن وإنهاء موجة العنف على كامل الجغرافيا السورية.

 

 

من هنا؛ فإن عملية نزع السلاح لا يمكن أن تكون خطوة معزولة عما يجري سواءً على مستوى العاصمة أو الأطراف، وبالتالي فإن أيّ تسرّع في مرحلة من مراحلها يمكن أن تحدث انتكاسة والعودة إلى نقطة الصفر، ولتجنب هذا الاحتمال لا بد من وجود مقومات وشروط موضوعية، وفي مقدمتها أن نزع السلاح المشروط في السياق السوري، هو مسار لا يمكن فصله عن عملية سياسية شاملة تتضمن إصلاحات دستورية، وتعددية سياسية، وعدالة اجتماعية، بحيث تخلوا المرحلة الانتقالية من أيّة مظاهر عسكرية، لأن منح السلاح لطرف يفتقر إلى الشرعية القانونية والسياسية كـ«هيئة تحرير الشام»، التي تملك سجلًا حافلًا بالانتهاكات في أماكن سيطرتها، يُهدد بإعادة إنتاج نظام القمع تحت مسميات جديدة، مما يُعرّض السكان للخطر.

 

 

وفي ظل غياب مؤسسات وطنية محايدة، أو مؤسسات أممية تمتلك القوة والحق في الدفاع عن الأقليات القومية والدينية، بعد أن شهدت سوريا صراعا عنيفا بين المكونات خلال العقود الماضية، فإن السلاح الحالي يُشكل أداة للحفاظ على التوازن وحماية التنوع الديمقراطي. حتى وإن كان ذلك خارج قناعاتنا، لذا، فإن أي محاولة لنزع السلاح دون تقديم ضمانات سياسية ودستورية واضحة ستفتح الباب أمام فرض واقع أحادي الجانب يُقصي الأطراف الأخرى، مُهددةً بتحويل سوريا إلى دولة ذات لون واحد تُعيد إنتاج التسلط بكل تشعباته فساداً واستبداداً، بدلًا من القضاء عليه، أو تحقيق الحد المأمول منه وفق الأهداف التي قامت عليها الاحتجاجات، قوامها بناء جيش وطني قائم على التنوع والحيادية أساسه الدفاع عن الوطن وحماية المواطن، عبر رؤية سياسية متكاملة تُحقق العدالة والمساواة، وتُبعد المؤسسات العسكرية عن الاستغلال السياسي، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو القومية، وأن يخضع لرقابة مدنية، مثل البرلمان، لضمان الشفافية والمساءلة.

 

اقرأ أيضاً:

 

الكرد والمشهد السياسي الجديد في سوريا.. قراءة في تعقيدات الموقف

 

 

إن كل ما تم ذكره، يتطلب الالتزام بالرموز الوطنية المتفق عليها دستوريًا، بعيدًا عن رفع أعلام أو شعارات حزبية أو فئوية، كما يجب التخلص من مظاهر التسلط، مثل وجود ملثمين وجهادين أجانب أو رموز توحي بالخوف وعدم الثقة، فالمؤسسات العسكرية والأمنية يُفترض أن تعمل تحت سقف القانون، وبشكل شفاف لكسب ثقة الناس، لا أن تثير الرعب في نفوسهم، لأن الواقع الحالي يعكس انتشار فصائل ذات مظهر ديني متشدّد، تحمل شعارات مرتبطة بالقاعدة والجماعات المتطرّفة، ما يُدخل الرعب في قلوب السوريين الذين يختلفون معهم فكريًا أو عقائديًا نظراً لتاريخها الحافل بالانتهاكات.

 

 

ومن أجل تلافي أو تجاوز هذا الخوف؛ فإن إصلاح المؤسسات الأمنية يُعد حجر الأساس لبناء جيش وطني قوي ومحايد، فلا يمكن تحقيق ذلك في ظل استمرار شخصيات متورطة بانتهاكات أو جرائم في مناصب قيادية، سواء ممن تورطوا بعمليات القتل والتعذيب الوحشي في السجون؛ أو مسؤولين في أجهزة المخابرات القمعية سيئة السمعة، وينطبق هذا أيضًا على الأطراف الأخرى، حيث لن يشعر السوريون بالأمان مع شخصيات مثل أبو حدود على رأس المخابرات العامة، وهو الذي ارتكب أفظع الانتهاكات حين كان أميراً لدى جبهة النصرة. لذلك فإن الإصلاح الحقيقي يبدأ من المحاسبة واستبعاد الشخصيات المتورطة ليس في الجرائم فقط؛ وإنما في التجاوزات أيضاً، مع استبدالها بعناصر مهنية تخضع لرقابة مدنية وقانونية. هذه الإجراءات ليست مجرد خطوات تنظيمية، بل ضمانات جوهرية لاستعادة ثقة المواطنين وتعزيز شرعية المؤسسات الأمنية، وذلك بتأسيس جيش وطني محايد، خالٍ من النزعات الأيديولوجية والارتباطات الحزبية، كضرورة أساسية لتحقيق استقرار دائم ومستدام بتضييق نطاق القمع ومن تكريس التمييز.

 

 

في السياق ذاته، فإن أولوية الحل السياسي والدستوري تُعد الركيزة الأساسية لتحقيق استقرار طويل الأمد في سوريا، فلا يمكن الاعتماد على الحلول الأمنية أو العسكرية وحدها أن تُثمر عن نتائج مستدامة ما لم تُبنَ المؤسسات الوطنية على أسس دستورية متينة تضمن العدالة والمساواة، وتخضع الجيش والأجهزة الأمنية لرقابة مدنية وبرلمانية شفافة، بحيث نضع لبنات سوريا الخالية من موروث الاستبداد نحو مستقبل أكثر عدالةً واستقراراً، هذه الخطوات ضرورية لقطع الطريق أمام عودة الأنظمة القمعية تحت مسميات جديدة، ولتعزيز الثقة بين المواطنين والدولة.

 

 

إن الحذر من الحملات الإعلامية الموجهة، يُعد أمرًا ضروريًا للحفاظ على التماسك المجتمعي في سوريا، فاستهداف مكونات بعينها، مثل العلويين والكُرد أو أي فئة أخرى، يُهدد الوحدة الوطنية ويخدم أجندات خارجية (تركيا، وإيران) تسعى إلى تقسيم المجتمع السوري وإضعافه، أيّ ضرورة الحذر من الحلول الجزئية، مثل نزع السلاح دون ضمانات سياسية ودستورية واضحة تشمل جميع السوريين دون استثناء بقومياتهم وأقلياتهم وأكثرياتهم وطوائفهم، لأنها لن تُفضي إلا إلى إعادة إنتاج الأزمات بدلًا من حلها مع بناء دولة قوية ومتينة تُلبي تطلعات جميع مواطنيها.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard