info@suwar-magazine.org

في يوم الصحافة العالمي: الصحافة السورية بين التطبيع والنقد

في يوم الصحافة العالمي: الصحافة السورية بين التطبيع والنقد
Whatsapp
Facebook Share

 

لا يزال الواقع الصحفي والإعلامي، بعد أربعة عشر عامًا من الحرب السورية، وعلى امتداد عقود من حكم المنظومة الأسدية وحزب البعث الذي حوّل الصحافة إلى أداة لخدمة السلطة الحاكمة القامعة لكل الحريات، يعيش حالة من التخبط، ممزوجة بالمزيد من التساؤلات حول مستقبل المشهد الصحفي والإعلامي الجديد.
فهل سيظهر بحلّة جديدة تلتزم بالمعايير المهنية والأخلاقية؟ أم أنه سينتهج المسار ذاته، مكرّسًا لتلميع صورة السلطات، غير آبهٍ بالآخرين، مكمّمًا للأفواه، ومُصرًّا على الاستمرار في النهج القديم؟

 

مشهد بين التضييق والتنفس
يشرح الكاتب والمحلل السياسي عمار ديوب واقع الصحافة الجديد في سوريا لمجلة صور، قائلًا: أولًا، لم نكن بحاجة إلى وزارة الإعلام، بل كان يكفي إنشاء هيئة لتنظيم شؤون الإعلام. ثانيًا، لا توجد لدينا، وللأسف، حتى الآن أية جهات إعلامية موثوقة، وبالتالي يحاول الإعلاميون والصحفيون والكتّاب الحصول على الأخبار والمعلومات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أو من خلال علاقات شخصية، أو عن طريق وكالات أجنبية، وهذا أمر مؤسف للغاية. ثالثًا، هناك تضييق على الحريات الإعلامية، وقد تجلى ذلك أثناء أحداث الساحل السوري، حيث مُنع الإعلاميون والصحفيون من دخول المنطقة وتغطية ما يجري. كما تم التضييق على بعضهم بعدم السماح لهم بالظهور على القنوات التلفزيونية أو إبداء آرائهم حول مختلف الأحداث، وذلك من قبل وزارة الإعلام والدوائر الإعلامية التي تحاول الحد من النقد أو توجيه رسائل للكتّاب والمتحدثين تطالبهم بتخفيف حدة انتقاداتهم. وهذا يدل بوضوح على وجود إشكال كبير يتعلق بالتضييق على الصحافة".

 

ويتابع ديوب حديثه لمجلة صور مؤكدًا أن الإدارة لم تُرسّخ سلطاتها بشكل كامل بعد، مشيرًا إلى أن الإعلاميين والصحفيين الموجودين في المناطق التي تخلو نسبيًا من الإشكالات الأمنية يمكنهم العمل بحرية نسبية، وقد يكون سقف النقد فيها مرتفعًا.
لكن، في المقابل، هناك محاولات غير مباشرة من قبل شخصيات محسوبة على الإدارة الحالية، تعمل في المجال الإعلامي أو في الرقابة الإعلامية لصالح الإدارة، وهذا ما نعتبره شكلًا من أشكال التضييق وتقييد الحرية الصحفية.

 

اقرأ أيضاً:

 

                        الصحافة الكردية وتحديات الصحفيين الشباب

 

"كما هو معروف للجميع، فقد تغيّر المشهد كليًا، ولا وجه للمقارنة بين النظام المخلوع والإدارة الانتقالية الجديدة. فمناطق سيطرة الحكومة اليوم مفتوحة لجميع وسائل الإعلام. أنا سافرت إلى حمص وريف حماة، وأعمل من دمشق وريفها، وعلى الرغم من وجود ثغرات أمنية في مناطق التوتر مثل الساحل السوري ومدينتي حمص وحماة، إلا أن تيسير المهام الصحفية والحصول على التصاريح من وزارة الإعلام يشهد تعاونًا مع جميع الجهات، وبكل أمانة"، حسب ما أفاد الصحفي كمال شيخو، مراسل جريدة الشرق الأوسط العربية.

 

ويشير شيخو إلى مساحة الحرية الممنوحة اليوم في العاصمة دمشق بشكل خاص، حيث تعمل قنوات كردية، وجهات إعلامية عربية وغربية، بالإضافة إلى وسائل إعلام سورية كانت في السابق محرومة من العمل داخل البلاد.

ويُوضح شيخو واقع الحريات الصحفية العامة في ظل الإدارة السورية الجديدة، قائلًا:
"إنها حرية نسبية؛ فقد مُنعت الصحافة، ولا سيما العربية والغربية، في البداية من تغطية الأحداث في الساحل السوري، أما في باقي المناطق، فهناك تعاون من قبل السلطات الجديدة، ويُسمح بمزاولة العمل شريطة وجود مهمات صحفية وإذن عمل".

 

 

التقييدات
يقول شيخو مبرزًا التحديات التي تواجه الصحافة والإعلام حاليًا: "تتمثّل أبرز هذه التحديات في العامل الأمني وتوتر الأوضاع الميدانية على الأرض، إضافة إلى فوضى السلاح وعدم حصره في يد الدولة، وتُعدّ هذه من أبرز الهواجس والمخاوف التي تؤرق أي صحفي. ناهيك عن غياب الاتحادات والنقابات الصحفية في مناطق الإدارة الانتقالية، وحداثة وزارة الإعلام والتأخر في تفعيل مؤسساتها ومكاتبها، بالإضافة إلى غياب الشفافية واحتكار التغطيات من قِبل جهات ووسائل محسوبة على الحكومة".

 

في حين تقول الصحفية عائشة صبري: "ما تزال حرية الصحافة في سوريا تواجه تحديات كبيرة ومعقّدة، وما تزال مشكلة التسييس قائمة حتى بعد تحرير سوريا من نظام الأسد، إذ تقوم كل جهة بتوجيه الخطاب الإعلامي بما يخدم أجنداتها الخاصة، على حساب المهنية والموضوعية. وللأسف، من أبرز المشكلات الإعلامية انتشار الأخبار الكاذبة وسرعة تداولها والانجرار وراءها. وقد قمتُ بنفسي بمعاينة عدد من هذه الأخبار، خصوصًا تلك الصادرة عن (توثيق انتهاكات حقوق الأقليات في سوريا)".

 

"وأيضًا، فإن تصدير ما يُسمّى بالمؤثرين يُعدّ مشكلة كبيرة، فهؤلاء لا يفقهون شيئًا من معايير الصحافة، ويجيدون فقط جذب المتابعين دون أدنى التزام بمعايير الموضوعية، التي تُعدّ أساس العمل الصحفي. ولا يزال الإعلام الرسمي للدولة غائبًا عن الساحة رغم مرور خمسة أشهر على رحيل بشار الأسد، إضافة إلى ضعف البنية التحتية للمؤسسات الإعلامية المستقلة، وقلة التمويل، مما يحدّ من قدرتها على الاستمرار والتأثير"، حسب ما أدلت به صبري لمجلة صور.

 

ومن جانب آخر، تشير صبري إلى القيود الحكومية، قائلةً: " أعتقد أن عراقيل الحصول على إذن رسمي من أي مؤسسة حكومية تُتعب الصحفي في إعداد تقريره. كمثال شخصي، حاولت في شهر شباط الماضي الحصول على تصريح من مديرية التربية والتعليم في محافظة حمص، وبعد تواصلي مع أكثر من معنيّ بالأمر، جاء الجواب بالاعتذار عن الإدلاء بتصريح، بينما طلب مني مدير المكتب الإعلامي في التربية موافقة وزارية، موضحًا أن أي تصريح أو معلومة للإعلام تحتاج إلى موافقة وزارة التربية. بالتالي، نشرت التقرير دون تصريح رسمي عن التعليم، بينما تصدر مديرية الإعلام في حمص تصاريح أسبوعية للمراسلين والصحفيين تمكنهم من العمل. وهنا أشير إلى أن هذه العراقيل أمام العمل الصحفي لا فائدة منها سوى زيادة التعب والتضييق على الصحفي، رغم حمله بطاقة صحفية صادرة عن جهة تُعنى بشؤون الصحفيين، وهي بطاقة من المفترض أن تضمن له ممارسة عمله دون مخاوف من الجهات الحكومية".

 

كما تؤكد صبري: " نعاني من غياب التشريعات التي تحمي الصحفيين من الملاحقة القانونية والأمنية؛ فالصحفي معرّض أكثر من غيره للملاحقة. وقد شهدنا صدور شكاوى كيدية ضد ناشطين، وعلى سبيل المثال شكوى محمد حمشو ضد عبد الحميد عساف".

مضيفةً: " كما تُشكّل الرقابة أحد أبرز العقبات، إلى جانب الخوف من الاعتقال أو التضييق بسبب التعبير عن الرأي أو تناول قضايا حساسة. وهروب الأسد لا يعني توقّف الانتهاكات بحق الصحفيين، خاصةً مع تساهل الحكومة في المحاسبة وتطبيق العدالة الانتقالية".

 

 

القوانين الإعلامية الناظمة
ويعلّق ديوب على إمكانية تقديم حلول للوصول إلى حالة صحية من الحرية الصحفية بقوله: "نريد قانونًا للحريات الصحفية والسياسية يكون بمنأى عن أي شكل من أشكال القيود، وبالتحديد لا نريد استمرار الأمانة العامة للشؤون السياسية، ونطالب بتفكيكها نهائيًا، فهي الآن بمثابة حزب البعث السابق، وقد استولت على أماكنه ومقراته في مختلف المدن، وتحاول مراقبة المشهد الإعلامي والسياسي، وهذا ما لا نريده إطلاقًا. فمن يخطئ في التعبير من السياسيين أو الإعلاميين أو الكُتاب، أو من أصحاب الرأي عمومًا، تُرفَع عليه دعاوى ويُحال إلى القضاء".


 مضيفًا: "نحن نريد قانونًا ينظّم عمل الإعلاميين والصحفيين، ويتيح لهم أوسع أشكال الحريات الصحفية والإعلامية. وإذا كان لا بد من وجود تقييد، فيجب أن يكون بنص قانوني واضح يحدد ما هي التجاوزات أو الأخطاء التي قد تقع فيها الصحافة والإعلام. وهذا ما لم يظهر حتى الآن. وبالتالي، فإن الفسحة التي يشعر بها البعض ويظنون أنها حريات صحفية، تعود في الواقع إلى أمرين: أولًا، عدم تمكن السلطة الجديدة بعد من فرض سيطرتها الكاملة؛ وثانيًا، لأنها لا تزال هشّة في عموم سوريا، في الوقت الذي تتابع فيه وتدقّق وتُضيّق بشكل غير مباشر".

ومن جانب آخر، يشيد ديوب بالواقع الحالي، قائلًا: "إنه لم يُعتقل حتى الآن أي صحفي، ولم يُحال أحد إلى المحاكم، وهذا أمر جيد، ونرغب في استمراريته وتشريعه عبر قانون يبتعد عن تقييد الحريات الصحفية".

 

 

تعزيز حرية الصحافة
تقول صبري: "إن تعزيز حرية الصحافة في سوريا يتطلب إرادة سياسية حقيقية لإصلاح البيئة الإعلامية، بدءًا من تعديل القوانين ذات الصلة لضمان حرية التعبير، وتوفير الحماية القانونية للصحفيين. كما يجب دعم استقلالية المؤسسات الإعلامية، وتوفير مساحة آمنة للعمل الصحفي بعيدًا عن الرقابة والضغوط الأمنية، وإعطاء الصحفيين أولوية في شؤون الدولة، فهم السلطة الرابعة".

 

"من الضروري أيضًا تشجيع التنوع الإعلامي، وفتح المجال أمام وسائل إعلام مستقلة ومحايدة، إضافة إلى دعم التدريب المهني للصحفيين بهدف رفع مستوى الكفاءة وتعزيز ثقافة الصحافة الاستقصائية. ويمكن أن تلعب منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية دورًا فاعلًا في الدفع نحو إصلاح إعلامي شامل ومستدام"، حسب ما صرحت به صبري لمجلة صور.

 

ورغم تعهد سلطة الأمر الواقع في سوريا بتعزيز حرية الصحافة مؤخرًا، خلال شهر يناير الماضي، فإن الواقع يشير إلى خلاف ذلك في العديد من الجوانب والمناطق. الأمر الذي يعيد بوصلة الصحافة الحالية باتجاه القمع الممارس ضدها، والمشابه لما كان عليه الحال في عهد المنظومة الأسدية، وهو ما يرفضه الوسط الصحفي والإعلامي. ومن الواضح أنه يسعى إلى مباشرة عمله وفقًا لمعاييره المهنية والأخلاقية المتفق عليها عالميًا، والشروع في مرحلة تعزيز حرية الصحافة، التي لا بدّ منها لإيصال الحقيقة كما هي

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard