الدروز والكرد بين نظامي الأسد والشرع

*الصورة الرئيسية من تصوير الصحفي مكسيم العيسى
لم تختلف نظرة سلطة دمشق إلى الكرد والدروز بين نظامي الأسد والشرع، التهم جاهزة: عمالة واستقواء بالخارج، وسعي للانفصال. وهي التهم نفسها التي كان يوجهها النظام البائد إلى الكرد منذ عام 2015، وإلى السويداء بين عامي 2022 و2023 خلال حراك المحافظة السلمي آنذاك.
صحيح أن بشار الأسد هرب من القصر الجمهوري مساء يوم السبت 7 كانون الثاني/ديسمبر، ودخله أحمد الشرع في اليوم التالي من دون إطلاق رصاصة واحدة في العاصمة دمشق، لكن الصحيح أيضاً أن «قاموس» ومفردات النظام البائد بقيت موجودة ولم تخرج معه.
ورحلة سلطة الأمر الواقع لم تكن سلسة أو مطمئنة لجميع السوريين، فقد بقي فكر ونهج الفصائل قائمين، بل جرى تكريسهما بفجاجة.
بالعودة إلى الوراء قليلاً، نجد أن الكرد والدروز، ومنذ وصول السلطة الجديدة إلى دمشق، أبدوا انفتاحاً بيّناً، معتبرين أن التغيير فرصة لبناء سوريا جديدة تضمن حقوق جميع السوريين. لكن حالة الانتظار لم تطل طويلاً، فقد «ذاب الثلج وبان المرج». لم يهضم الدروز والكرد إقرار الدستور والحوار الوطني ومؤتمر النصر.
ثم تلا ذلك مواجهات في الساحل مع علويين، وتفجير كنيسة للمسيحيين في دمشق، وحرب مع الدروز في السويداء، ومع «قسد» في حلب وريفها.
اقرأ أيضاً:
من "سوريا الجغرافية" إلى "الوطنية السنيّة": تحولات الهوية والدولة
الحقائق على الأرض تؤكد كل يوم وجود مخاطر حقيقية وعمليات قتل واختطاف على الهوية، في مختلف المناطق، ولا سيما تلك التي تضم عدة مكونات، إلى جانب انقسامات حادة في المجتمع لم تُعالج بعد.
- العلويون كانوا ضحية مجازر دامية في آذار 2025، قُتل فيها ما يصل إلى 1500 شخص،
- أما الدروز فقد تعرّضوا لسلسلة من الهجمات بين نيسان وتموز 2025، أسفرت عن أكثر من 3000 قتيل، وسط تقارير دولية مؤكدة عن تورط قوات الشرع من الداخلية والجيش، بالإضافة إلى تهجير أهالي 36 قرية وسرقة أثاثها وحرقها.
- المسيحيون تلقّوا وعوداً بالحماية، لكن الواقع شهد تفجيرات واعتداءات على الكنائس، ما دفع البرلمان الأوروبي إلى المطالبة بضمانات أقوى.
- الكرد يواجهون ضغوطاً مزدوجة: من تركيا، ومن فصائل متحالفة مع الشرع. ورغم التوصل إلى اتفاق مبدئي مع قوات سوريا الديمقراطية، فإن التنفيذ ما زال غامضاً.
وسط هذا كله، بقي خطاب سلطة دمشق الرسمي وسرديتها الإعلامية الديماغوجية يتهمان الكرد والدروز بالسعي إلى الانفصال والاستقواء بالخارج، علماً أن النظام يستميت في التقرب من الخارج نفسه، ومن أجل توقيع اتفاق أمني أيضاً.
الكرد لم يطالبوا بالانفصال، وإنما طالبوا بحقوقهم القومية المشروعة التي حرمهم منها نظام الأسد الأب. والدروز، إلى ما قبل هجمات الإبادة في تموز وفزعة العشائر ضدهم، لم يطالبوا أيضاً بالانفصال أو الاستقواء بالخارج، وكانت أبوابهم مفتوحة مع دمشق وممثلها في السويداء.
الدروز تعرضوا على مدى عقود طويلة، خلال فترة حكم حافظ الأسد ومن ثم ابنه الفار المخلوع بشار الأسد، لسياسات تمييزية قمعية قائمة على الاستبداد والحرمان والفقر والظلم والجور والطغيان. والكردي السوري كذلك تعرض لنفس ما تعرض له الدرزي السوري، بالإضافة إلى تمييز آخر كان أشد وقعاً وإيلاماً عليه كمكون إثني مختلف، وعانى أشد المعاناة من سياسات عنصرية شوفينية آثمة.
الدرزي السوري شارك في الثورة السورية منذ بداياتها، وخرج في مظاهرات تنادي بالحرية والكرامة وإسقاط النظام. والكردي السوري فعل الشيء نفسه، لكن بعد أسلمة الثورة السورية وعسكرتها، حينها فقط بدأت المواقف تتمايز وتظهر بوضوح بين دروز سورية وكردها.
فالدروز السوريون اتفقوا على الكلمة الواحدة، واجتمعوا تحت خيمة مرجعيتهم الدينية، مرجعية "شيوخ العقل"، والمطالبة بنظام لامركزي، بينما كرد سورية كانوا يتوزعون على أحزاب ويتفقون على نيل حقوقهم، ولا يزالون على حالهم ويتفقون مع الدروز على اللامركزية.
الدرزي السوري، منذ اندلاع الثورة السورية، انصب جل اهتمامه على المحافظة على أمن وسلامة سكان منطقته وطائفته، واتبع سياسة دفاعية محضة، بجهود ذاتية، لحماية مناطقه من إرهاب نظام الأسد من جهة، ومن المجموعات الإرهابية المتشددة من جهة أخرى، ورفض إرسال ابنه للخدمة في جيش النظام المخلوع، خوفاً على حياته.
ولأن الدرزي السوري حافظ على منطقته آمنة وسالمة قدر الإمكان، لم يهاجر الدروز السوريون، وكانوا الأقل هجرة مقارنة بباقي المكونات السورية، وكانت ضحاياهم جراء الحرب الطاحنة التي شهدتها البلاد أيضاً الأقل، مقارنة مع كل المكونات السورية الأخرى.
أما الكردي السوري الذي تصدر المشهد، فقد سيطر على المناطق الكردية السورية في بدايات الثورة السورية، بعد انسحاب قوات نظام الأسد منها، وأرسى إدارة ذاتية في مناطقه بدعم من التحالف الدولي. وعلى مقربة من حكومة إدلب بقيادة هيئة تحرير الشام، التي دانت لها السيطرة على دمشق في 7 ديسمبر.
اليوم عاد التاريخ وعادت الجغرافيا لتوسم الثقافة السياسية الجديدة للفواعل السياسية المحلية في سوريا. وعاد الصراع على جغرافية وتاريخ سوريا ليكون عاملاً أساسياً في حسابات السياسات الإقليمية والعالمية. لكن، بمواجهة هذا كله، يفترض أن يحتفظ الجميع بحق المساواة الكاملة بالمواطنة.
في هذا السياق، يميل الذهن الجمعي والسياسي الدرزي والكردي في سوريا، بجزء كبير منه، إلى حل "المسألتين الدرزية والكردية" في إطار الوطنية السورية، بالرغم من عدم تجانس مواقف المكونين سياسياً. وإن كان خيار الفيدرالية أو الانفصال يتوقف على التطورات الجيوسياسية للأزمة السورية وتفاعلات المناخ الدولي في الإقليم، بما يتعلق بإعادة رسم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ومصالح الدول الإقليمية المهيمنة، في ضوء تمدد الإسلام السياسي المسلح في المنطقة.
كان على دمشق أن تلتقي مع الكرد والدروز في منتصف الطريق، وأن تنظر إليهما بوصفهما مكونين أساسيين من المجتمع السوري. كان عليها أن تنظر إليهما كشركاء لا خصوم، وأن تتوقف عن محاولة خلق تاريخ كاذب للافتراق عن المتخيّل الوطني السوري.
ولذلك، على دمشق العمل على تاريخ الوحدة لا الافتراق، واستبدال صورة المكونين الكردي والدرزي في الماضي المتخيّل "الأنثروبولوجي" بماضي متخيل "رمزي" يجعلهم مواطنين أصليين في سوريا الحديثة.
وبالمقابل، على المطالبين بالفيدرالية أن ينطلقوا من الفكر الفيدرالي بماهيته الديمقراطية، التي لا يمكن أن ينمو جنينها إلا في رحم دولة موحدة، سليمة من التسمم الداخلي، وإلا سيكون مصيرها الإجهاض المتكرر والاعتلال الدائم.