24 ساعة في مؤسّسة التيار

ملاذ الزعبي

أنهى الدكتور لؤي تجهيز حقيبته، وضع بدلتين رماديتين، ثلاث ربطات عنق، معطفاً ثقيلاً، بوكسر، جوز جرابات أسود وشاحن اللابتوب. اتصل بالدكتورة منى ليطمئن إلى أن كلّ شيءٍ على ما يرام وأن أحداً لن يرسله إلى عدرا مجدّداً من على الحدود، أكدت منى للؤي أنها تكلمت مع ثلاثة إلى أربعة ضباط أمنٍ للتأكد من أن كله تمام.

اطّلع الدكتور لؤي، عبر اتصالٍ مطوّلٍ عبر الخليويّ، على تقريرٍ من الدكتور نائل عن كافة الحجج السخيفة التي يسوّقها معارضون لعدم المشاركة في مؤتمر موسكو للحوار بين النظام والمعارضة، شرح د. نائل بلهجة الواثق من تفاهة الحجج آخر الاعتراضات على مشاركة التيار في المؤتمر: "يقولون إن روسيا وسيطٌ غير حياديٍّ يا دكتور"، ردّ د. لؤي بثقة: "يعني قطر أحسن!".

قهقه نائل ثم أضاف: "هناك من يلمّح إلى أن النظام لم يقم بأيّ إجراءٍ لبناء الثقة"، أجابه صوت الدكتور لؤي الرصين: "ما هي الإجراءات التي يريدها هؤلاء؟". أوضح نائل: "إطلاق سراح معتقلين، إيقاف القصف، تجديد جوازات السفر.."، فعاد الصوت الرصين مجدّداً: "هذه الاعتراضات والأسباب غير مقنعةٍ وغير كافيةٍ كي نقاطع المؤتمر". زاد نائل: "هناك من يرى أن وفد النظام يدلّ على عدم جديته واستخفافه بالمؤتمر"، وبالرصانة ذاتها شرح د. لؤي: "هل يتوقع هؤلاء أن يترك العميد ماهر إدارة المعارك ويشلح البدلة مجدّداً ليجلس إلى طاولة مفاوضات. المؤتمر سياسيّ، فأكيد من سيمثل النظام شخصية سياسية".

واصل نائل تعداد اعتراضات المعترضين: "ثمة من يقول إننا لا نمثل أياً من القوى العسكرية على الأرض"، جاءه الصوت العميق: "نحن تيارٌ سلميٌّ أساساً، ونمثل المتظاهرين السلميين"، فأردف نائل بعبارةٍ بدت أشبه بتساؤل: "ولكننا لم ننظم أيّة مظاهرةٍ يا دكتور".

انقطع الاتصال بشكلٍ مفاجئٍ بُعيد ردّ د. نائل، وعاد الدكتور لؤي يتابع بقية التقارير والمهمات التي تنتظره شخصياً وتنتظر التيار بشكلٍ عامٍّ، أو بالعكس، ومنها: إطلالةٌ على شاشة الميادين، تعرية النظام أخلاقياً، إحراج النظام معنوياً، كشف أساليب النظام أدبياً، تكليف الدكتورة منى بتقديم واجب العزاء في رحيل المحامي الدكتور فواز الأسد، التحضير لحملة لمقاطعة الانتخابات الرئاسية عام 2021، التنسيق مع الأستاذة مجد نيازي بخصوص آليات العمل الوطنيّ المشترك، وغيرها..

وبعد يومٍ طويلٍ من العمل الوطنيّ المجهد، حطّ الدكتور لؤي رأسه ونام بعمقٍ دون أن تزعجه أصوات القصف المتواتر على جوبر، بانتظار أن يمرّ عليه الأستاذ أنس صباحاً ليصطحبا منى وينطلقوا ثلاثتهم إلى موسكو. وفي مؤسّسة مطار دمشق الدوليّ، ولدى وصول وفد مؤسّسة التيار إلى موظفي مؤسّسة الهجرة والجوازات؛ تفاجأ د. لؤي أن قرار منعه من السفر، الصادر عن مؤسّسة القضاء، ما زال سارياً. اقترح أنس أن يذهب مع الدكتورة منى لتمثيل مؤسّسة التيار في موسكو، على أمل الوصول إلى حلٍّ سياسيٍّ لإدارة مؤسّسات الدولة السورية بطريقةٍ مغايرة، لكن الدكتور لؤي زَوَرَه برصانةٍ ففهم أنس على الفور خطأ اقتراحه، وعاد الثلاثة أدراجهم خائبين. وما هي إلا سويعاتٌ حتى كان التيار يعلن مقاطعته لمؤتمر موسكو، واستحالة الوصول إلى حلٍّ سياسيٍّ. لكن نضال مؤسّسة التيار، وهو الأهم، لم يتوقف..