info@suwar-magazine.org

مخيّم اليرموك.. من الموت جوعاً إلى داعش

مخيّم اليرموك.. من الموت جوعاً إلى داعش
Whatsapp
Facebook Share

مخيّم اليرموك.. من الموت جوعاً إلى داعش

 

(1)

جورج.ك.ميالة

 

في مثلثٍ تقارب مساحته حوالي 3 كم مربع، جنوبيّ العاصمة دمشق، يعيش حوالي 16 ألف مدنيٍّ في مخيّم اليرموك حياةً ملخّصها الموت بأشكاله المتنوّعة، والتي اعتاد الكثير من السوريين عليها منذ أربع سنوات. تحاصر المخيّم من جهة حيّ الميدان قوّات النظام السوريّ، وميليشيا الجبهة الشعبية (القيادة العامة) ومنظمة فتح الانتفاضة الفلسطينيتين المواليتين للنظام، ومن الجهة الجنوبية له يخضع الحجر الأسود لسيطرة عدّة فصائل أبرزها تنظيم داعش، الذي يقدَّر عدد عناصره هنا بحوالي 1500 مقاتل. وفي شرقه وغربه تسيطر عدّة كتائب من قوّات المعارضة، كجيش الإسلام وأبابيل حوران وغيرهما.

قصة دخول داعش إلى المخيّم وانسحابها منه

 نجح تنظيم داعش في السيطرة على أجزاء واسعةٍ من مخيّم اليرموك. وتصاعدت الأحداث بعد اغتيال ناشطين إغاثيين من أبناء المخيّم، ووجّهت أصابع الاتهام إلى مجموعةٍ من التنظيم، تتمركز في منطقة الحجر الأسود، بالمسؤولية عن الحادثة وتصعيد الموقف.

وأكد نشطاء من قلب المخيّم لمجلة "صوَر" أن عناصر من التنظيم دخلوا إليه من طرقٍ مجاورةٍ لمشفى فلسطين، كشارعي 15 و30، مروراً بحواجز تسيطر عليها جبهة النصرة.

تلت ذلك التصعيد اشتباكاتٌ بين التنظيم وحركة أكناف بيت المقدس المقرّبة من حركة حماس، وغالبيتها من الضباط وضباط الصفّ الفلسطينيين المنشقين عن الجيش السوريّ وجيش التحرير الفلسطينيّ.

استغلّ النظام السوريّ الوضع، وبدأ بقصف المخيّم بالبراميل المتفجرة والهاون الثقيل، ما أدّى إلى تعقيد المشهد العسكريّ، فأصبح معارك بين داعش والمدافعين عن المخيّم الذين يقصف النظام مقرّاتهم بالبراميل.

تزامناً مع ذلك تداعى كلٌّ من جيش الإسلام وكتائب شام الرسول وأبابيل حوران لتشكيل غرفة عملياتٍ حملت اسم "نصرة المخيّم"، وفتحت معارك في حيّ التضامن مع بعض الكتائب المقرّبة من داعش للوصول إلى المخيّم وطرد داعش منه. كما قامت غرفة العمليات هذه بمهاجمة عدّة نقاطٍ لداعش على حدود حيّ الحجر الأسود، ما أسفر عن انسحاب التنظيم من المخيّم وسيطرة الفصائل المقاتلة على معظم أرجائه.

بالتوازي مع تصاعد الأحداث، ظهرت مناشداتٌ سياسيةٌ لحلّ الأزمة؛ فأرسلت السلطة الفلسطينية وفداً لنظام الأسد للمطالبة بإخراج المخيّم مما يجري في سوريا، كما جاء موفدٌ من الأمم المتحدة لنفس الغرض. وتجري مفاوضاتٌ بين كلّ الفاعلين في المشهد لحلّ أزمة المدنيين العالقين ضمن الصراع، دون بوادر إيجابيةٍ حتى الآن.

يقول غسان الأحمد، وهو ناشطٌ ميدانيٌّ من قلب دمشق (الاسم مستعارٌ للضرورة الأمنية)، لمجلة "صوَر": "منذ أكثر من شهرٍ حاول النظام وميليشياته اقتحام المخيّم وفشلوا في ذلك. بعد ذلك عمد إلى الانتقام من أهالي المخيّم عن طريق دخول عناصر داعش إليه."

ويصف الأحمد المشهد بـ"السرياليّ"، قائلاً: "في حيّ الميدان الدمشقيّ، الواقع تحت سيطرة النظام، تسمع أصوات الاشتباكات بين حركة أكناف بيت المقدس وداعش، وحوّامات النظام تلقي البراميل المتفجرة على المخيّم."

ويضيف الأحمد: "الموقف الأكثر قسوةً أنك تعيش في منطقةٍ ملاصقةٍ للمخيّم، الحياة فيها شبه طبيعيةٍ، وتدرك أنه على بعد مئات الأمتار يلاقي بشرٌ من أبناء بلدك الموت بكلّ أشكاله، بدءاً بالموت البطيء جوعاً، وصولاً إلى القنص وقطع الرؤوس، وسط إحساسٍ بالعجز التامّ".

الموت جوعاً

يعيش اليوم حوالي 16 ألف مدنيٍّ في المخيّم، في ظروفٍ أقلّ ما يقال عنها إنها مأساوية، يزيدها عجز المنظمات الإنسانية عن سداد حاجات الآلاف من السكان. فقد صرّحت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أنّها لم تتمكن من تنفيذ مهامها الإنسانية داخل المخيّم طيلة الفترة الماضية، بسبب العملية العسكرية الأخيرة من قبل داعش والنظام، في حين دعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدوليّ إلى السماح لفرقها بالدخول إلى المخيّم الذي لم تستطع الدخول إليه منذ تشرين الأول 2014.

وأدّى قصف طيران النظام لمشفى فلسطين في المخيّم، والتابع للهلال الأحمر، إلى إصابة الطواقم الطبية العاملة فيه، وإلى دمار أجزاءٍ منه.

يتحدّث صلاح عكاوي لمجلة "صوَر": "استهدف الطيران الحربيّ المشفى، رغم رفع أعلام الهلال والصليب الأحمر عليه. ونجا المرضى والطواقم الطبية بأعجوبة."

ويضيف: "سارعت كوادر المشفى، وعددٌ من النشطاء والعسكريين، إلى إصلاح الأضرار من أجل إعادة تشغيله، فهو النقطة الطبية الوحيدة في المنطقة."

كلّ ذلك يأتي في ظلّ نقصٍ كبيرٍ في الأدوية والمواد الإسعافية، وقلّةٍ في الكوادر الطبية ذات الاختصاصات الدقيقة.

يقول عكاوي: "أدوية الأمراض المزمنة قليلة. هناك الكثير من مرضى السرطان، ليس لهم أيّ دواءٍ أو علاج، وفوق ذلك يعانون من نقص التغذية والجوع."

ولا يستطيع أحدٌ أن يحصي عدد حالات سوء التغذية وفقر الدم الناتجين عن قلّة الطعام، إذ تقدّر أرقامٌ غير رسميةٍ أنّ ما لا يقلّ عن 176 شخصاً قتلوا نتيجة سوء التغذية، معظمهم من الرضّع وكبار السن.

يصف مسؤول الهلال الأحمر الفلسطينيّ، جمال حماد، حال السكان بـ"المأساوي"، قائلاً: "غالبية السكان لديهم شحوبٌ في الوجه، وليست لديهم القدرة على العمل لوقتٍ طويلٍ، فمعظمهم منهكون من قلّة الطعام. منذ أكثر من عامين لا توجد محلات ألبسةٍ وألعاب أطفالٍ، ولا توجد خضارٌ ولا فواكهٌ ولا لحوم. كلّ ذلك ينعكس على نفسيتهم. مرّت أعيادٌ عديدةٌ كأيّ يومٍ من الأيام الاعتيادية".

ويضيف: "نتيجة الظروف غير الإنسانية، انتشرت حالات العنف الشديد. هناك عنفٌ من الرجل ضدّ المرأة، ومن المرأة ضدّ أطفالها، كما انتشرت حالة العنف بين الفصائل المقاتلة".

وعن حال المدنيين يشرح صلاح عكاوي قائلاً: "خفّض المدنيون وجباتهم اليومية من ثلاث وجباتٍ إلى واحدةٍ لعدم توافر الطعام. ولجأوا إلى صنع خبزهم من العدس والشعير والذرة والأرز، بعدما نفد طحين القمح وأصبح من الذكريات والأحلام."

ويضيف: "يستغرق تأمين بضع أرغفةٍ من هذا النوع الرديء من الخبز ساعاتٍ طويلةً وجهداً ليس بقليل، فالوقود والغاز معدومان. يجمع الناس ما تبقّى من أخشابٍ أحرقوها في شتائين قارسين مرّا عليهم، كما يستخدمون النفايات البلاستيكية والتوالف القماشية لإشعال النار من أجل خبز الخبز."

في حين تصف إحدى السيّدات المقيمات بمخيّم "أطمه" على الحدود السورية التركية، والتي عاشت تجربة الجوع في اليرموك قبل نزوحها: "مذاق هذا الخبز لا يشبه الخبز في شيء، هو مزيجٌ من طعم القماش والبلاستيك المحترق. كنا نريد أن نبقى على قيد الحياة، ونسدّ جوع بطوننا الخاوية."

وبالتزامن مع التصعيد العسكريّ الخطير، نجح عددٌ من العائلات في الوصول إلى منطقتي يلدا وببيلا، رغم اشتداد المعارك في المخيّم وخطورة التجوال في الشوارع.

واستطاع مكتب الأونروا في حيّ ببيلا توزيع حصصٍ غذائيةٍ لهذه العائلات النازحة، وتأمين مراكز وبيوتٍ للإيواء بالتعاون مع أهالي المنطقة. ويعلّق عكاوي على الموضوع قائلاً: "لقد هربوا من جحيم الموت جوعاً. مؤكدٌ أنهم اليوم أفضل حالاً، ولكنهم ليسوا في أمانٍ كاملٍ، فالنظام يستهدف كلّ المناطق السكنية".

حملاتٌ تضامنية

شهدت دولٌ عربيةٌ وأوروبيةٌ، ومدنٌ تركيةٌ كمرسين وإسطنبول، وقفاتٍ تضامنيةً عديدةً مع مخيّم اليرموك. كما أقام الطلاب في جامعاتٍ فلسطينيةٍ وجزائريةٍ ومغربيةٍ وأردنيةٍ مظاهراتٍ طالبت بانسحاب داعش من المخيّم، وضرورة سماح النظام بدخول المساعدات الإنسانية، وإيقاف مسلسل القصف اليوميّ.

يقول سامي حمد الله، من جامعة اليرموك، لمجلة "صوَر": "أستغرب كيف أن العالم صامتٌ عن مذابح النظام وداعش في المخيّم، في حين أنّه شكّل تحالفاً دولياً خلال أيامٍ، وأجبر داعش على الانسحاب من مدينة عين العرب. صمتُ العالم، وسياساته غير المتوازنة في سوريا، سوف يدفعان الشباب إلى مزيدٍ من التطرّف."

كما أصدرت الشبكة الأورو متوسطية لحقوق الإنسان، بالتنسيق مع أكثر من 10 منظماتٍ حقوقيةٍ سوريةٍ، بياناً طالبت فيه العالم بضرورة تطبيق قرارَي مجلس الأمن 2139 لعام 2013 و2165 لعام 2014، اللذين يقرّان بضرورة إخلاء المدنيين الراغبين في الخروج من مناطق النزاع، وتسهيل دخول قوافل الإغاثة إلى المناطق المحاصرة، وضرورة التزام النظام السوريّ بتطبيق معايير القانون الدوليّ الإنسانيّ ووقف القصف العشوائيّ.

أصل الحكاية

إثر مقتل عشرات الفلسطينيين برصاص حرس الحدود الإسرائيليّ، في الخامس من حزيران عام 2011، وقيام عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة) بقيادة أحمد جبريل بفتح النار مباشرةً على التشييع، فقتل وقتها حوالي عشرين شخصاً، حسب أرقامٍ صادرةٍ عن مركز توثيق الانتهاكات، في مجزرةٍ عرفت بمجزرة "الخالصة"؛ عمّت المخيّمَ المظاهراتُ المضادّة للنظام السوريّ وللفصائل الفلسطينية المؤيّدة له.

وبعد ذلك بدأ النظام بالاعتقالات والتصفيات والمضايقات للناشطين السلميين، فتوجّه الكثير من سكان المخيّم إلى حمل السلاح في وجه النظام، وتتالت الأحداث العسكرية حتى وصلنا إلى الوضع الحاليّ.

ومع نهاية 2012، استهدف طيران النظام المخيّم بغاراتٍ مكثفةٍ على عدّة مناطق مأهولةٍ، ما أدّى إلى مقتل العشرات وجرح المئات، أبرزها قصف جامع عبد القادر الحسينيّ ومدرسة الفلوجة في شارع المدارس، وكان أغلب ضحايا المجزرتين من النازحين الفارّين من قصف النظام من حيّي الحجر الأسود والتضامن المجاورين. تلا هذه الحوادث نزوح أكثر من 400 ألف شخصٍ من المخيّم، من أصل حوالي 800 ألفٍ هم سكانه الأصليون. وظلت حركة النزوح مستمرّةً حتى بقي فيه 16 ألف إنسانٍ، يبقى مصيرهم ورقة ضغطٍ بيد الأطراف المتصارعة، ومفتوحاً على كلّ الاحتمالات.

***

(2)

 

الفلسطينيون السوريون في تركيا: بين مخيّمات اللجوء وغياب الأونروا

نبال أحمد

 

يمرّ الفلسطينيّ اللاجئ من سوريا إلى تركيا بمشاكل عديدةٍ، تبدأ بصعوبة الوصول بشكلٍ نظاميٍّ أسوةً بالسوريين الذين يمتلكون جوازاتٍ للسفر، وصولاً إلى مشاكل اللغة وقلة فرص العمل.

يقول الناشط الإغاثيّ سومر أحمد لمجلة "صوَر": "قانونياً، يستطيع الفلسطينيّ المقيم في سوريا أن يطلب الفيزا من أية سفارةٍ تركيةٍ في العالم، وفي الواقع لا يستطيع الحصول عليها لأسبابٍ مجهولة. طلب الكثير من الفلسطينيين الفيزا من السفارة التركية في بيروت أو عمّان ولم تتمّ الموافقة. كما أنّ غالبية الفلسطينيين هم من اللاجئين المتضرّرين من الصراع في سوريا، ولا يمتلكون في غالبيتهم جوازاتٍ للسفر، ولا يستطيعون حتى الوصول إلى هذه السفارات في دول الجوار كلبنان والأردن، فأغلبهم فرّ من مخيّمي النيرب وجندرات بحلب خلال ساعات."

وبعد أن يصل الفلسطينيّ إلى تركيا يمرّ بما يمرّ به أيّ سوريٍّ لاجئ، فقد نجح الكثير منهم في التأقلم مع الحياة في تركيا، وتأمين مصدرٍ للعيش، وبعضهم الآخر لم يوفّق في إيجاد عملٍ فلجأ إلى السكن في المخيّمات الحدودية.

يقول محمد رشدوني، اللاجئ من مخيّم النيرب بحلب: "أقيم في غازي عينتاب منذ 3 سنوات. ونجحت في إيجاد فرصة عملٍ في مشغل خياطةٍ تركيّ."

ويضيف: "مع بداية القصف على المخيم، سافرتُ إلى تركيا بعد أن توقّف عملي. أقيم في سكنٍ شبابيٍّ. أدفع مئةً وخمسين ليرةً تركيةً لقاء المنامة وفواتير الكهرباء والمياه والإنترنت. وأعمل لمدّة 10 ساعاتٍ يومياً، لقاء 1200 ليرةٍ تركية، أرسل قسماً منها لأهلي النازحين إلى مناطق سيطرة النظام بحلب."

ويقيم في تركيا حوالي عشرة آلاف فلسطينيٍّ، حسب أرقامٍ تقديريةٍ صرّح بها أيمن أبو هاشم، مدير الهيئة العامة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين في الحكومة المؤقتة، لمجلة "صوَر".

ويقول أبو هاشم: "افتتحنا، بالتعاون مع الحكومة التركية، مركز إيواءٍ مؤقتٍ للاجئين الفلسطينيين، تمّ إيقافه منذ حوالي الشهر، ونُقلت نحو 50 عائلةً إلى مخيّم مادرين. كانت غاية المركز تأمين العائلات الفارّة من القصف في سوريا، بشكلٍ مؤقتٍ، ريثما يتدبّرون أمورهم أو يسكنون في المخيّمات النظامية."

ولا تقدّم الأمم المتحدة أية مساعداتٍ خاصّةٍ للفلسطينيين، بل يحصلون على ما يحصل عليه أيّ لاجئٍ من سوريا.

ويؤكّد أبو هاشم أنّ "كلّ الخدمات المقدّمة للفلسطينيين هي من الحكومة التركية فقط، لأن الأونروا لها 5 نقاط عملياتٍ في العالم، هي الضفة الغربية وقطاع غزة وسوريا والأردن ولبنان."

فيما يقول الناشط سومر: "تأتي بعض المساعدات غير المنتظمة للفلسطينيين. فمثلاً تقدّم حركة حماس حوالي 50 دولاراً للشخص الواحد شهرياً إن أراد الشخص ذلك، إضافةً إلى مساعداتٍ، هي في الغالب حصصٌ غذائيةٌ ومساعداتٌ فرديةٌ للفئات الأشدّ تضرراً، تأتي من الهيئة العامة لشؤون اللاجئين في الحكومة المؤقتة."

ويحاول الكثير من اللاجئين في تركيا جلب المساعدات المخصّصة لهم من مدينة حلب. تقول أم يوسف، من سكان حيّ صلاح الدين سابقاً، والمقيمة في إسطنبول: "يحاول الكثير من الفلسطينيين جلب المساعدات المخصّصة لهم في سوريا إلى تركيا. ففي حلب توزّع الأونروا على كلّ شخصٍ مبلغ 3500 ليرةٍ سوريةٍ، أي ما يعادل 35 ليرةً تركيةً تقريباً. لديّ أربعة أولادٍ وزوجي، أي شهرياً حوالي 200 ليرةٍ تركية. وكّلت جيراني باستلام المبلغ وإرساله لنا كلّ ثلاثة شهور."

وتضيف: "قيمة المساعدة قليلة، وخصوصاً أنها بالليرة السورية، ولكنها ليست سيئة، فهي تعيننا على سداد ربع أجرة بيتنا في القسم الآسيويّ من مدينة إسطنبول".

***

(3)

 

الفلسطينيّون اللاجئون من سوريا إلى لبنان والأردن: قراراتٌ سياسيةٌ ظالمةٌ وعجزٌ لدى المنظمات الدولية

 

أحمد العلي

 

يعاني الفلسطينيون اللاجئون إلى لبنان والأردن من مشاكل متنوّعةٍ، تبدأ بالقرارات الحكومية التي تمنعهم من الدخول إلى هذين البلدين بشكلٍ قانونيٍّ، وصولاً إلى الظروف المعاشية المعقّدة، أسوةً بكلّ السوريين اللاجئين، وقلّة فرص العمل، والممارسات العنصرية التي تفرضها بعض القوى السياسية اللبنانية المعادية للاجئين.

يروي محمد حمود، النازح من مخيم خان الشيح: "أسكن في بيروت في غرفةٍ غير مكتملة البناء، مع 5 أطفالٍ وزوجتي. نتعرّض في أية لحظةٍ لخطر الإخلاء، فالبناية تعود ملكيتها لتاجرٍ لبنانيٍّ أشفق علينا وسمح لنا بالإقامة فيها. ولا نملك أيّ بديلٍ آخر للسكن".

وتقدّم وكالة تشغيل وغوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عادةً مبلغ 100 دولارٍ كبدل سكنٍ للعائلة الواحدة، إضافةً إلى حوالي 27 دولاراً لكلّ شخصٍ من العائلة شهرياً، كما أن الدراسة في مدارس الوكالة مجانيةٌ للفلسطينيين اللاجئين من سوريا.

لكن علي الشيخلي، الناشط الإغاثيّ في بيروت، يقول لمجلة "صوَر": "منذ أيامٍ ألغت الأونروا بدل السكن، بسبب نقص التمويل. فالوكالة تساعد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والقادمين من سوريا، وليست لها القدرة على سداد التزاماتها تجاه الجميع".

ويضيف الشيخلي: "رغم صغر المبلغ المقدّم كبدل سكنٍ فقد كان يساعد على المعيشة، على مبدأ (بحصة بتسند جرّة)".

ولا يستفيد من هذه المساعدات سوى من يمتلك دفتراً للعائلة، ويُحرم منها بالتالي الكثير من الشابات والشبّان الفلسطينيين الذين تقطّعت بهم الأسباب وهربوا من بطش النظام إلى لبنان.

إضافةً إلى ذلك، تقوم الكثير من الجمعيات الإغاثية السورية واللبنانية والفلسطينية بمساعدة السوريين والفلسطينيين بشكلٍ متساوٍ، كلٌّ حسب استطاعته ومجال عمله، فمنها ما يقدّم الرعاية الطبية الأولية، ومنها ما يقدّم السلل الغذائية، بقيمةٍ تتراوح بين 50-100 دولار، بشكلٍ غير دوريّ.

ويعاني الفلسطينيون اللاجئون من العنصرية بدرجةٍ أعلى من السوريين، نتيجة الميراث الثقيل للصراعات السياسية والعسكرية التي دارت بين منظمة التحرير الفلسطينية وبعض الأطراف اللبنانية في سبعينات وثمانينات القرن العشرين، ما يجعل هؤلاء المدنيين عرضةً للانتهاكات دون أيّ غطاءٍ حقوقيٍّ أو قانونيٍّ يكفلهم.

ورغم كلّ المضايقات الأمنية على الحدود السورية اللبنانية، تستمرّ حالة النزوح إلى لبنان عبر المعابر غير النظامية. يقول أحد العسكريين المنشقين عن منظمة التحرير الفلسطينية: "لم أعد أحتمل الحياة في سوريا، وأصبحتُ في خطر. اشتريت هويةً مزوّرةً وعبرت بها إلى لبنان. دفعت مبلغ 350 دولاراً لمعبر المصنع، من الطرف اللبنانيّ، لقاء السماح بدخولي كفلسطينيّ. اليوم أعمل مع خالي في إصلاح السيارات، وأعيش في مخيم عين الحلوة، دون أية وثيقةٍ أو مساعداتٍ تذكر، فأغلب المساعدات توزّع على العائلات".

أما في الأردن، فيعاني اللاجئون من نفس الصعوبات ولو اختلفت الأشكال، وتبدأ بالقرار الحكوميّ الذي يمنعهم من الدخول منذ كانون الثاني 2013. وقد اتهم نائب المدير التنفيذيّ لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمنظمة هيومان رايتس ووتش، نديم حوري، الحكومة الأردنية بالتقصير الكبير في قضية الفلسطينيين القادمين إلى الأردن من سوريا، وقال بأنهم "غير مرحّبٍ بهم".

 

تقدّر الأونروا أعداد الفلسطينيين اللاجئين من سوريا إلى الأردن بحوالي خمسة عشر ألف شخصٍ، يسكن غالبيتهم مع عائلاتٍ مضيفةٍ أو في بيوتٍ مستأجرةٍ على أطراف المدن أو في مخيمات اللجوء، كمخيّمي الزعتري والزرقا، في ظلّ فقرٍ مدقعٍ، وفي حالة انسحابٍ مستمرٍّ للأونروا من سداد التزاماتها تجاه اللاجئين. فما يزال المجتمع الدوليّ، حتى اللحظة، عاجزاً عن تأمين مبلغ 16,5 مليون دولار، كانت الوكالة قد طالبت بها من أجل تأمين متطلباتٍ أساسيةٍ للاجئين في الأردن خلال العام 2015.

يقول محمد حمد الله، الناشط في المجتمع المدنيّ، لمجلة "صوَر": "الفلسطينيون من مخيّمٍ إلى مخيّم. أجبروا على ترك أراضيهم في عامي 1948 و1967، وذهبوا إلى مخيّماتٍ في سوريا وعاشوا مع أهلها الذين رحّبوا بهم وفتحوا لهم أبوابهم. واليوم، في العام 2015، يخرجون منها ولكن إلى المجهول، فلا مخيمات حقيقيةً تستقبلهم، ولا منظمات دوليةً قادرةٌ على مساعدتهم بشكلٍ يؤمّن متطلبات حياتهم الأساسية ومستقبل أبنائهم. هذا هو ملخّص حياة الشعب الفلسطينيّ أينما كان".

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard