info@suwar-magazine.org

تخفيض سعر صرف العملة الوطنية كأداةٍ للتثبيت والاستقرار الاقتصاديَّين

تخفيض سعر صرف العملة الوطنية كأداةٍ للتثبيت والاستقرار الاقتصاديَّين
Whatsapp
Facebook Share

 أحمد إلياس

 

تحتلّ سياسة تخفيض سعر صرف العملة الوطنية حيّزاً كبيراً من المناقشات والجدل عند تطبيق برامج الإصلاح الاقتصاديّ في البلدان النامية. إذ تأتي هذه السياسة كإجراءٍ له الأولوية على جميع السياسات الأخرى، لما لها من آثارٍ مباشرةٍ في تثبيت الوضع الاقتصاديّ ودفعه نحو الاستقرار، تمهيداً لمرحلةٍ قادمةٍ من النموّ الاقتصاديّ. وغالباً ما توازي سياسة التخفيض سياساتٌ أخرى كتحرير سعر الصرف، وترك تحديد قيمته لعوامل العرض والطلب، والتخلي عن سياسة تعدّد أسعار الصرف. وهي سياساتٌ كانت وما زالت تؤيّدها المنظمات الاقتصادية الدولية، وفي مقدّمتها صندوق النقد الدوليّ.

إن الهدف المعلن من تخفيض سعر الصرف هو تشجيع الصادرات والحدّ من الواردات، بما يؤدّي في النتيجة إلى إعادة التوازن إلى ميزان المدفوعات. وهو هدفٌ يرتبط أساساً بماهية تفسير طبيعة العجز في ميزان المدفوعات، والعجز في الموازنة العامة، كنتيجةٍ منطقيةٍ للسياسات غير السليمة في القطاعين النقديّ والماليّ، مع التقليل من أهمية العوامل الأخرى وعدِّها ثانوية. إذ يفترض أن تتمّ العملية وفق الآلية الآتية:

فتخفيض سعر صرف العملة الوطنية بالنسبة إلى العملات الأجنبية من شأنه أن يؤدّي إلى انخفاض مستوى أسعار السلع في البلد المخفِّض بالنسبة إلى المقيمين في الخارج، إذ يمكن للمقيمين في البلدان الأخرى استبدال كميةٍ أكبر من عملة البلد المخفِّض بالكمية ذاتها من عملاتهم. ومن ثمّ -وعلى افتراض بقاء الأسعار ثابتة- فإن غير المقيمين يمكنهم شراء منتجات البلد المخفِّض بسعرٍ أقلّ، وهو ما من شأنه زيادة الصادرات. وفي المقابل، فإن المقيمين في البلد المخفِّض سيضطرّون إلى دفع كميةٍ أكبر من العملة الوطنية مقابل الحصول على الكمية ذاتها من عملات البلدان الأخرى. وهو ما يحدّ من قدرتهم على الاستيراد، نظراً لارتفاع أسعار الواردات إليهم.

 

وفي المحصلة -وعلى المدى القصير- فإن تغيير سعر صرف العملة الوطنية بالتخفيض من شأنه أن يساعد على إعادة التوازن إلى ميزان المدفوعات، بانعكاس التخفيض المباشر على أسعار السلع المحلية والأجنبية، والتأثير في هيكل الصادرات والواردات. أما في المديَيْن المتوسط والطويل، فإن تخفيض سعر الصرف يمهّد لتطبيق سياسات جانب العرض وإنجاحها، لما لها من آثارٍ على تنافسية المنتجات والسلع الوطنية، وتحويل الموارد باتجاه القطاعات الأكثر ربحيةً، ولا سيما تلك المعدّة للتصدير.

وفي معرض التقييم، يتصدّى علماء الاقتصاد لنقد سياسة تخفيض سعر صرف العملة الوطنية من عدّة أوجه، منتقدين قدرتها على تحقيق أهدافها المعلنة، لطبيعة الخلل الهيكليّ في اقتصاديات البلدان النامية. فالتخفيض بحدّ ذاته غير كافٍ لضمان زيادة الصادرات والحدّ من الواردات، وإنما يشترط بموازاته توافر عددٍ من العوامل الأخرى. والتي تتجلى فيما يلي:

*تمتّع صادرات البلد المخفِّض لسعر صرف عملته بدرجةٍ كافيةٍ من المرونة. والمقصود بذلك عدم ارتفاع أسعار الصادرات أو انخفاضها بنسبةٍ أكبر من نسبة التخفيض المطبَّق.

إذ إن ارتفاع أسعار صادرات البلد المخفِّض لعملته من شأنه أن يزيد كمية العملة الأجنبية التي يدفعها المقيمون في الخارج لاستيرادها، وهو ما يفقد السلع الوطنية مزايا التخفيض. كما أن انخفاض أسعار الصادرات بنسبةٍ أكبر من نسبة التخفيض لن يحدث فرقاً ملموساً في حصيلة النقد الأجنبيّ وفي وضع ميزان المدفوعات، على الرغم من تخصيص قدرٍ أكبر من الموارد لأجل التصدير.

*عدم انخفاض أسعار الواردات بنسبةٍ أكبر من نسبة تخفيض سعر صرف العملة الوطنية. وبمعنى آخر أن يكون الطلب على الواردات مرناً؛ لأن انخفاض أسعار الواردات بالصورة السابقة من شأنه أن يحافظ على مقدار الطلب المحليّ على السلع الأجنبية، واستمرار العجز في ميزان المدفوعات في جانب الاستيراد.

*أن يكون البلد المعنيّ قادراً على زيادة قدرته الإنتاجية لتوفير فائضٍ من السلع الوطنية القابلة للتصدير. وبعبارةٍ أخرى، إن نجاح سياسة التخفيض مرتبطٌ بحالة الهيكل الاقتصاديّ للبلد المخفِّض، فإذا كان من شأن التخفيض الحدّ من الاستيراد، فإنه لا يعني بالمقابل زيادة القدرة التصديرية؛ لأن هذه الأخيرة تعتمد على هيكل القدرات الإنتاجية وإمكان زيادتها.

 

*عدم اتباع البلدان المتقدّمة، التي تشكّل السوق الأساسية لتصريف المواد الأولية، لسياساتٍ حمائيةٍ من شأنها إعاقة زيادة صادرات البلدان النامية.

ويضاف إلى ما سبق تأثير سياسة تخفيض سعر صرف العملة الوطنية في الأسعار المحلية، التي لن تبقى ثابتةً -في الغالب- مقارنةً بالفترة السابقة للتخفيض، لعوامل متعدّدةٍ، من أبرزها:

*ارتفاع تكلفة المواد الخام والوسيطة المستوردة التي تدخل في إنتاج السلع المنتجة والمستهلكة محلياً.

*تحوّل قسمٍ من الطلب المحليّ إلى السلع الوطنية بعد ارتفاع أسعار نظائرها من السلع المستوردة، ومن ثمّ ارتفاع الأسعار في حال عدم مجاراة جانب العرض للزيادة في جانب الطلب.

*قيام وحدات الإنتاج برفع أسعار منتجاتها، وجنوحُ الأفراد الطبيعيّ إلى شراء كميةٍ أكبر من السلع المحلية التي يتوقع ارتفاع أسعارها، وهو ما قد يؤدّي إلى ارتفاعاتٍ متتاليةٍ للأسعار.

*في حال حقّق تخفيض سعر الصرف نتائجه على صعيد زيادة الصادرات، ووصول الاقتصاد الوطنيّ إلى درجة التوظف الكاملة، فإن من شأن هذه الزيادة رفع الناتج القوميّ في البلد المخفِّض وتوليد دخلٍ إضافيٍ للأفراد، وسيؤدّي إنفاق هذا الدخل، مع محدودية العرض- لانتقال جانبٍ كبيرٍ منه نحو التصدير- إلى ارتفاع الأسعار.

وبالمقابل، فإن انخفاض صادرات البلدان الأخرى إلى البلد المخفِّض لسعر صرف عملته سيؤدّي إلى تراجع الناتج القوميّ للمجموعة الأولى وانخفاض دخل أفراده، وهو ما سينعكس على قدرتها على الاستيراد من البلد المخفِّض.

 ومن الآثار الإضافية التي تترتب على تخفيض سعر صرف العملة الوطنية:

*ارتفاع فاتورة القروض الخارجية، وتخصيص كميةٍ أكبر من موارد القطع الأجنبيّ لخدمتها في حال كان القرض بعملةٍ أجنبيةٍ، بموازاة انخفاض قيمة القروض الجديدة مقوَّمةً بالعملة الوطنية، وهو واقع الحال في معظم قروض البلدان النامية.

*غالباً ما يؤدّي التخفيض إلى هروب رؤوس الأموال الوطنية إلى الخارج تفادياً لنقص قيمتها، إلى جانب مشكلة المضاربة. ولا سيما في حال توقع الأفراد والوحدات العاملة حدوث التخفيض، وهو ما يؤذن بسلسلةٍ متواليةٍ من التخفيضات.

*وأخيراً، سيؤدّي التخفيض إلى بيع الوحدات المزمع خصخصتها بأقلّ من قيمتها الحقيقية في حال تقويمها بالعملات الأجنبية.

وفي النتيجة، فإن سياسة تخفيض سعر الصرف، وإن كانت لها نتائجها الإيجابية على صعيد معالجة عجز ميزان المدفوعات، بيد أن نجاحها قاصرٌ على المدى القصير وبشكلٍ مؤقت، مع وجوب توافر عوامل معينةٍ. وبالمقابل، فإن سياسة التخفيض تؤدّي إلى نتائج سلبيةٍ واضحةٍ على عملية التنمية في البلد المخفِّض على المدى الطويل، ولاسيما في البلدان النامية؛ لأن العجز فيها هو عجزٌ هيكليٌّ وبنيويّ.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard