info@suwar-magazine.org

زوجاتٌ لمهاجرين وأخرياتٌ يُجلدن... حكايا نساء من دير الزور

زوجاتٌ لمهاجرين وأخرياتٌ يُجلدن... حكايا نساء من دير الزور
Whatsapp
Facebook Share

 

 عادل العايد

 

انتعال المرأة حذاءً ملوّناً في دير الزور كافٍ لإغضاب عناصر حسبة تنظيم الدولة "داعش"، وإنزال العقوبة بها. هذا ما حصل مع (س)، 22 عاماً، في سوق مدينة البوكمال، إذ قام عنصر الحسبة بتوبيخها وضربها، فما كان منها إلا أن ثأرت لنفسها ولكرامتها بضربه أيضاً.

 

هذا واحدٌ من أبسط الانتهاكات التي تحدث بحقّ المرأة، ضمن سلسلة الانتهاكات التي باتت بحكم الأمر الواقع الذي لا مفرّ منه. إذ لا تعدّ ظاهرة الزواج المبكّر، في الوقت الحاليّ، أو إرغام الفتيات على الزواج من مهاجرين، المشكلة الوحيدة التي تعانيها المرأة في دير الزور بعد سيطرة تنظيم الدولة "داعش". فقد لا تسلم، حتى لو ارتدت "اللباس الشرعيّ"، من الغرامات، والجلد إن لزم الأمر، إذا أخلّت قصداً أو دون قصدٍ بأحد شروط "الاحتشام" التي فرضها التنظيم. وغير ذلك من مشاكل؛ كغياب التعليم، والمنع من العمل، بعد انتهاج التنظيم سياسةً وصائيةً جعلت حركة المرأة مقيّدةً جداً.

 

 

الزوجة الطفلة

 

بسبب فقر حال أهلها، وانسداد الأفق أمامها بتوقّف التعليم منذ ثلاث سنواتٍ؛ تزوّجت شيماء (16 عاماً) اليتيمة من شخصٍ يكبرها بتسعة عشر عاماً، كزوجةٍ ثانية. تقول سمر (28 عاماً)، وهي إحدى قريباتها، عن شيماء إنها: "طفلةٌ لا تعرف شيئاً عن هذه الحياة القاسية، إلى درجة أنها بقيت لعدّة أشهرٍ تنتهز الفرصة لتلعب مع بنات الزوجة الثانية لزوجها".

 

وتضيف سمر، التي كانت تعمل مدرّسةً سابقاً: "قبل أن يوقف التنظيم العملية التعليمية نهائياً برزت ظاهرة الزواج المبكّر، منذ ثلاث سنواتٍ تقريباً. وأسبابها عدّةٌ؛ منها توقف التعليم، وفعالية التقاليد الاجتماعية التي ترسّخت من جديدٍ خلال السنوات الماضية، وعادت بقوّةٍ أفكارٌ كانت قد تلاشت في المنطقة. منها، على سبيل المثال (البنت ليس لها مكان إلا بيت زوجها)، مما يتّخذونه كمبرّرٍ لتزويج البنت في عمرٍ مبكّر".

 

وبحسب الأهالي، شهدت دير الزور تنامياً لظاهرة الزواج المبكّر خلال السنوات الأخيرة، وتتراوح أعمار المتزوّجات بين 14 إلى 17 عاماً. وعن ذلك يقول راشد (25 عاماً. من ناشطي المجالس المحلية في دير الزور): "أغلب الشباب المتزوّجين يكبرون زوجاتهم بما لا يقلّ عن 4 إلى 5 سنواتٍ. وهناك من يكبرهنّ بعشر سنواتٍ أو أكثر".

 

ويضيف: "في المجمل، تغيّرت ثقافة الزواج في دير الزور عند الشباب والبنات. إذ يأخذ معظم الشباب بمقولة (يجب أن تأخذ من هي أصغر منك سنّاً كي تستطيع تربيتها على مزاجك)، وكأنها لم تتربّ في بيت أهلها. والمؤلم أن (الطفلات المتزوجات) وذويهنّ يقبلون بهذا الطرح".

 

زوجات المهاجرين

 

وثّق مشروع صوت وصورة لتوثيق الانتهاكات أكثر من 166 حالة زواج فتياتٍ من مهاجري تنظيم الدولة، منذ بداية سيطرة الأخير على المحافظة وحتى الآن. وجاءت دير الزور في المرتبة الثانية في ذلك بعد الرقة.

 

وعن هذه الظاهرة يقول محمد حسان، أحد الناشطين في مشروع صوت وصورة: "تتنوّع الأسباب؛ بين الأسباب المادية لدى بعض أولياء الأمور الذين تغريهم الأموال التي يقدّمها المهاجر في حال الموافقة على الزواج، أو بسبب الولاء الذي يكنّه البعض الآخر للتنظيم، والذي يعبّرون عنه بتزويج بناتهم أو قريباتهم من العناصر المهاجرين".

 

 

من جهةٍ أخرى، أصبحت العديد من اللواتي تزوّجن من مهاجرين أرامل، كما يوضح أحمد من دير الزور، لأن أغلب هؤلاء يسقطون قتلى بعد مدّةٍ وجيزةٍ وهم يقاتلون على الخطوط الأولى في معارك التنظيم.

 

غراماتٌ ماليةٌ

 

بعد سيطرته على الجزء الخاضع للمعارضة المسلحة من دير الزور بحوالي ثلاثة أسابيعٍ أصدر التنظيم عدّة قراراتٍ، كان منها ما يخصّ وضع المرأة لجهة فرض النقاب عليها، وتقييد حركتها، وعدم تمكينها من التنقل إلا بصحبة محرمٍ.

 

كانت عفراء (57 عاماً) في أحد محلات الألبسة بقريتها، في ريف دير الزور الغربيّ، عندما كشفت عن وجهها لتحاول أن ترتدي حذاءً تودّ شراءه، وفي ذات الوقت كان أحد عناصر التنظيم مارّاً بالمكان، فوبّخها على مرأىً من الناس، وقام بتسجيل غرامةٍ على وليّ أمرها.

 

يقول عامر، ابنها الأكبر: "فوجئتُ بأمر الغرامة، خاصّةً أن المحلّ ذاته لم تكن فيه سوى النساء، حتى أن القائمين عليه من النساء". ويضيف: "لم يحترموا سنّها بتسجيل هذه المخالفة وتوبيخها أيضاً. وأثناء ذهابي إلى مقرّ تسديد الغرامة وجّه لي عناصر التنظيم كلاماً وكأننا عديمو شرف".

 

وتشهد المدن والبلدات الكبيرة في دير الزور تشديداً مبالغاً فيه من قبل عناصر حسبة التنظيم على اللباس الشرعيّ، فيما تتمتع القرى الصغيرة والمناطق الريفية بخروجٍ نسبيٍّ عن قبضة التنظيم من هذه الناحية. يقول عبد السلام، من مدينة البوكمال: "في يومٍ واحدٍ قامت عناصر الحسبة النسائية بمدينة البوكمال باعتقال أكثر من 50 فتاةً بسبب ارتدائهنّ عباءاتٍ ملوّنة. جُمِعْنَ في أحد مساجد المدينة حتى قام أولياء أمورهنّ بدفع غرامةٍ والتعهّد خطياً بعدم تكرار ذلك حتى أفرج عنهنّ". فيما من الصعب للغاية أن يقوم التنظيم بملاحقة كلّ مخالفةٍ في المناطق الريفية، بسبب المساحة الكبيرة للريف. مع أن ذلك يحصل، ولكن ليس بعدد المخالفات في المدن.

 

عقوبةٌ تصل إلى الجلد

 

يتألف اللباس الشرعيّ الذي يطالب به التنظيم من العباءة والنقاب، إضافةً إلى الخمار (لحجب رؤية العيون) والدرع وأكفّ قماشٍ لليدين. يؤدّي أيّ إخلالٍ بواحدٍ من هذه العناصر إلى العقاب الذي يتنوّع بين التنبيه والتعهّد والغرامة والاعتقال، وصولاً إلى احتمال تنفيذ الجلد بحقّ المرأة أو بحقّ وليّ أمرها.

 

 

ومن اللواتي التي تعرّضن لعقوبة الجلد كانت بشرى (22 عاماً)، من ريف دير الزور الغربيّ. يقول قريبها: "كان خللٌ ما كان يعتري نقابها مما أدّى إلى الكشف عن جزءٍ من وجهها ولكن للحظاتٍ فقط، عندما شاهدها أحد عناصر التنظيم. تطوّر الموقف إلى ملاسنةٍ بينها وبين العنصر، وقامت بتوبيخه بعد أن وجّه لها كلاماً غير لائقٍ، مما استدعى من التنظيم القيام بجلد أخيها، ثمّ أمر أخيها بجلدها، أمام جمعٍ من الناس، لـ"تأديبها".

 

توضح سمر أن النساء في دير الزور ينظرن إلى التنظيم كأمرٍ وافدٍ طارئٍ سوف يذهب عاجلاً أم آجلاً، مما يجعلهنّ غير حريصاتٍ على تطبيق قراراته بالشكل الأمثل.

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard