info@suwar-magazine.org

في دراسة الجدوى من الأحزاب السياسيّة الكرديّة في سوريا

في دراسة الجدوى من الأحزاب السياسيّة الكرديّة في سوريا
Whatsapp
Facebook Share

 

 

آلجي حسين

 

لم تمرّ الحركة السياسية الكردية بمراحل متتاليةٍ كما هي مراحل ودورة حياة الشعب الكرديّ في سوريا، في وقتٍ لم تسِر فيه التنظيمات السياسية أيضاً في تمثيل الألم الكرديّ (القوميّ) بمعناه المصيريّ، ما حدا، في النهاية، إلى تأسيس أحزابٍ كثيرةٍ دون أن تكون المعبّر الوحيد عن تطلعات شعوبها وحتى منتسبيها.

 

ويبدو أن لملمة الصفّ الكرديّ تحتاج إلى دراسةٍ متأنيةٍ للوعي الكرديّ. وقبل ذلك يجب فهم معنى أن يتشتت الكرد في سوريا إلى أحزابٍ كثيرةٍ رغم عددهم الذي لا يتجاوز الثلاثة ملايين نسمة.

ولعله من المفيد تذكّر ما قاله السياسيّ الكرديّ الراحل مشعل التمّو: "إن جلّ الأحزاب الكردية الموجودة في سوريا، بشكلٍ أو بآخر، يشكّل كلٌّ منها عبارة عن غيتو منفصلٍ له نظامه الفكريّ المقفل وغير القابل للنقاش، وإلا فالجدل في هذه الحالة يصطدم بالرئيس!".[1]

 

تاريخياً، يعدّ تنظيم خويبون القوميّ (1927م) بمثابة انطلاقةٍ أولى لبدء الحركة الكردية بمعناها السياسيّ. فقد "شكّل المنظمة السياسية الأمّ للحياة السياسية في (كوردستان – سوريا)، والمصدر الذي جسّد الفكر القوميّ بجانبه السياسيّ والثقافيّ..".[2] ثم تلا هذا التنظيم تأسيس حزب الديمقراطيّ الكرديّ في سوريا عام (1957)، الذي أسهم في تأسيسه عددٌ من رجالات الكرد السياسيين كــ عبد الحميد درويش وعثمان صبري وحمزة نويران، بدعمٍ من الدكتور نور الدين ظاظا، دون تجاهل انتشار فكر حزب العمال الكردستانيّ PKK بشكلٍ كبيرٍ بين كرد سوريا، وكثرة المؤمنين به بعد هذه الفترة.

 

من الصعوبة بمكانٍ حصر أسماء الأحزاب الكردية في سوريا، إلا أن القائمة تصل إلى الأربعين حزباً سياسياً، باستثناء المنظمات الحقوقية والجمعيات الأهلية والتنسيقيات والحركات وغيرها من الهيئات.

 

وبعمليةٍ حسابيةٍ بسيطةٍ، نلحظ أن لكلّ مائة ألف كرديٍّ حزبٌ يمثلهم، إذا سلمنا بالمعادلة الرياضية البسيطة. لكن الأمور ليست بهذه البساطة، ولا تعتمد على الكمّ؛ فنسبةٌ كبيرةٌ من الكرد مستقلون لا ينتمون إلى أيّ حزب، كما أن نسبة 90% من الأحزاب الأخرى لا تمثل إلا فئةً قليلةً جداً من الشعب. فالهيئة الكردية العليا قالت، في وقتٍ سابقٍ، إنها تمثل أغلبية الشعب الكرديّ، وكذلك حزب الاتحاد الديموقراطيّ PYD، في وقتٍ أعلن فيه الائتلاف الوطنيّ السوريّ لقوى الثورة والمعارضة هذا الحزب تنظيماً معادياً للثورة السورية، في بيانٍ أصدره عقب الإعلان عن إدارةٍ مرحليةٍ انتقاليةٍ مؤقتةٍ في المناطق الكردية، من جهة.[3]

 

 

ومن جهةٍ أخرى، يعتبر المجلس الوطنيّ الكرديّ، بأحزابه، نفسه ممثلاً عن الشريحة الكردية. بل ويحسّن من علاقاته مع المعارضة السورية (العربية)، ولا سيما وهو منضمٌّ إلى الائتلاف الوطنيّ. ما خلق، في نظر البعض، نوعاً من التوازن. لكن عن أيّ توازنٍ نتحدّث ولا استقرار سياسياً إلى الآن في تلك المناطق؟ بالإضافة إلى هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطيّ في الداخل وفي المهجر، التي ينضمّ إليها الاتحاد الديمقراطيّ؛ الحزب الأكثر تنظيماً وحشداً ونضالاً ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".

 

وفي أجواءٍ سياسيةٍ تحرّريةٍ يعيشها نسبياً الشعب الكرديّ، يبدو أن للحرّية ثمناً آخر يدفعه من يمتلك بيديه فاتورة الدفع فقط، الأمر الذي يتمثل في أن لكلّ تجربة حرّيةٍ ضريبةً يدفعها الضحايا "الشهداء".

وفي المقابل هناك من يحبّ التسلل والتسلق على أكتاف الضحايا، والهروب خلف كراسٍ يتصوّر أنها ستكون له ولأبنائه وأقربائه. وبصراحةٍ أكثر، كشفت الثورة السورية ميول الكثيرين من الكرد في أن همّهم الأساسيّ هو "التمظهر" أمام الكاميرات.

 

والسؤال: هل يحتمل الكرد كلّ هذه الأحزاب والتيارات؟

ينقسم النشاط السياسيّ في المناطق الكردية عموماً إلى أحزابٍ قديمةٍ وأخرى مستحدثة، الأمر الذي مسّ من صدقية الكثير منها ومدى ارتباطه بالفعل بهموم الشعب الكرديّ، فما يشفع لها أنها تتخذ من الحقوق الكردية سبيلاً لها.

ولعلّ الارتياح دخل إلى قلوب الجميع حين بدأت بوادر الوحدة السياسية الكردية في تشكيل الهيئة الكردية العليا، ثم الإدارة الذاتية الديمقراطية، من خلال حركة المجتمع الديمقراطيّ Tev Dem التي بدأ بعض الأحزاب السياسية يتذمّر منها أيضاً، لتبقى الأمور محسومةً نوعاً ما بين الاتحاد الديمقراطيّ والأحزاب الأخرى القديمة، التي جاهدت كثيراً في خلق تأثيرها على الشعب الكرديّ.

 

هناك مقولةٌ تشير إلى أن ثلاثة رعاةٍ اجتمعوا وشكّلوا أربعة أحزاب. وهذا الكلام يدلّ، بشكلٍ أو بآخر، على حرص الكثيرين على خلق أحزابٍ سياسيةٍ افتراضيةٍ، دون أن تحتمل التركيبة الكردية في قامشلو وعموم المناطق الكردية الأخرى هذا الحجم من الأحزاب، كما أسلفت. ما يحتّم ضرورة انضواء الكرد الآن تحت راية حزبٍ يطالب بحقوقٍ كرديةٍ واضحةٍ بالنسبة إلى الآخرين، فحتى الآن لا نعرف ماذا نريد... على الأقلّ، هذا ما يقوله العرب!

 

 

وهناك أكثر من اسم أربعين حزباً كردياً تزخر بها المناطق الكردية في سوريا، وهي معروفة كالتالي:

 

1- حزب الاتحاد الديمقراطيّ. 2- حزب الديمقراطيّ الكرديّ (الجناح 1). 3- حزب الديمقراطيّ الكرديّ (الجناح 2). 4- حزب البارتي الديمقراطيّ الكرديّ. 5- حزب البارتي الديمقراطيّ الكردستانيّ. 6- حزب الديمقراطيّ الوطنيّ الكرديّ. 7- حزب الديمقراطيّ الكرديّ. 8- الحزب الديمقراطيّ التقدميّ الكرديّ. 9- حزب الوحدة الديمقراطيّ الكرديّ (يكيتي). 10- حزب يكيتي الكرديّ. 11- حزب يكيتي الكردستانيّ. 12- حزب آزادي الكرديّ (الجناح 1). 13- حزب آزادي الكرديّ (الجناح 2). 14- الحزب اليساريّ الكرديّ. 15- حزب اليسار الديمقراطيّ الكرديّ. 16- حزب اليسار الكرديّ (تيار الإصلاح). 17- حركة الإصلاح والتغيير. 18- حزب المساواة الكرديّ. 19- حزب الوفاق الكرديّ السوريّ. 20- حزب الوفاق الكردستانيّ. 21- تيار المستقبل الكرديّ. 22- المبادرة الوطنية للأكراد السوريين. 23- حزب التجمع الديمقراطيّ الوطنيّ الكرديّ. 24- حزب الليبراليّ الكردستانيّ. 25- حزب الديمقراطيّ الكردستانيّ. 26- حركة كردستان سوريا. 27- لجان المجتمع المدنيّ. 28- المؤتمر الوطنيّ الكردستانيّ. 29- حركة الشعب الكرديّ. 30- حزب الاتحاد الشعبيّ الكرديّ. 31- حزب السلام الكرديّ. 32- التيار الوطنيّ الكرديّ. 33- حركة النهضة الإسلامية. 34- حركة التغيير الديمقراطيّ الكرديّ. 35- حزب الطليعة الكردستانيّ. 36 حزب الوفاق الكرديّ. 37- الحزب الشيوعيّ الكردستانيّ. 38- حركة الشباب الكرد. 39- تجمع الشباب الكرد.. وغيرها من التنسيقيات والاتحادات والهيئات والمنظمات.

 

والآن يأتي السؤال الآخر واضحاً: هل احتضنت الأحزاب الكردية الشارع الكرديّ منذ أوّل يومٍ؟ وكيف شكّل هذا درساً للسوريين؟

 

 

كثر الهرج والمرج في الفترة الأخيرة بشأن الوحدة الحزبية الكردية المنشودة ومدى ضرورتها. لكنها، في نفس الوقت، غير مجديةٍ في شيء، حتى أن الكثيرين ممن ينادون بالقومية الكردية وقعوا في صراعٍ مستميتٍ مع من ينادي بالحقوق الثقافية للشعب الكرديّ والانصهار في وحدة السوريين الوطنية، لتتجاذب هذه الأطراف وتتنافر، من جهةٍ، ويتجسّد هذا الشحن في التظاهرات، من جهةٍ أخرى.

 

فأنا أذكر جيداً الشحن الحزبيّ حين كنا صغاراً، وكيف بدأت الثقافة والأيديولوجيا السياسية تتشكّل في عقول الصغار، فهذا يسألك: هل أنت آبوجي أم مسعودي؟ ولعلّ أكثر المفارقات إضحاكاً كان السؤال الغبيّ الذي يطرحه عليك أحدهم: هل أنت مسعودي أم برزاني؟

 

وفي تلك الحالات كان الإنسان يحسم مصيره في قامشلي/ قامشلو، وكافة المناطق الكردية، بتعليق صورة الزعيم الذي يحبّ في صدر غرفة الضيوف. لكن الكثير من المعايير استبدلت بسواها، ربما لأن الألم المشترك يخلق حلولاً مشتركةً، أو لأن المصير المشترك يحتّم الحلّ الأوحد، في وقتٍ يرى فيه الكثير من السياسيين أن فرصة الكرد الآن ذهبيةٌ ولا يمكن تعويضها حتى بعد عشرات السنين.

 

ولعلّ هذه الفرصة بقدر ما فرّقت بين كردٍ كثيرين بقدر ما وحّدتهم، وجعلت تشبثهم بآرائهم أقوى من أيّ وقتٍ مضى، ليس خوفاً من حياتهم، لكن فلسفة الحياة تحتم على الإنسان العيش في وطنه في النهاية. وكانت أوجه هذا التشبث كثيرةٌ، سواءٌ في عودة الأسر التي كانت تعيش في محافظاتٍ أخرى، ولاسيما حلب ودمشق، أو توجّه الكثيرين إلى عدم بيع ممتلكاتهم، وغيرها من الإجراءات التي أظهرت التمسك بالجغرافيا، رغم مآخذ كثيرةٍ على الهجرة الكثيفة للعائلات من سوريا إلى إقليم كردستان العراق.

 

 

ولم يكتفِ الكرد بهذه الأشياء الاحترازية فقط، بل أعادوا إلى الاعتبار قضية اللغة الكردية، لأنها المكوّن الأساس للأرض، التي لن يستطيعوا استرجاعها، أو تحريرها بمعنىً أدقّ، دون غطاءٍ فكريٍّ لغويٍّ ثقافيٍّ. وكان ذلك بافتتاح المدارس الكردية، وصار PYD يتجوّل بكلّ حريةٍ في مناطق كانت محرّمةً عليه، بل ونشر لجان الحماية الشعبية في كلّ مكان، في مسعىً رأى الكثيرون أنه حمى المناطق الكردية من ويلات الدمار الذي خلّفه النظام في المناطق الأخرى، دون نسيان بعض أخطائه التي عجّت صفحات الإنترنت بها، مع تخوّفاتٍ واضحةٍ من دخول الجيش الحرّ إلى المناطق الكردية، لأن قوّات النظام وقتذاك لن تفرّق بين الصغير والكبير.

 

المرحلة إذاً مغايرةٌ لما سبقها من مراحل للكرد في مناطقهم. والجغرافيا السياسية تشهد أن شعوب هذه المناطق عانت ويلات نظام حكم حزب البعث على مدى عقودٍ من الزمن كانت السياسة فيها بيد سلطةٍ واحدةٍ فقط، لتأتي معها الحواضن الثقافية وتفرض على الوحدة الحزبية الكردية الكثير من الخيارات التي لا تنتهي عند الهدف النهائيّ المتمثل في إحقاق حقوق الشعب في سوريا المعروفة، والحفاظ على لغته وخصوصيته كمكوّنٍ ثقافيٍّ وقوميٍّ ثانٍ مع الشعب العربيّ.




صورة اجتماع المرجعية السياسية الكردية
صورة مظاهرة من مظاهرات المناطق الكردية
صورة لقوات ypk  او الاسايش

 

[1] مشعل التمّو. رؤى نقدية في ظاهرة التخلف السياسيّ الكرديّ في سوريا. قامشلو: مركز جلادت بدرخان الثقافيّ، 2002. ص 31.

[2] صلاح بدر الدين. الحركة القومية الكردية في سوريا: رؤية نقدية من الداخل. بيروت: منشورات رابطة كاوا، 2003. الجزء الأول، ص 24.

[3] بيانٌ صادرٌ عن الائتلاف الوطنيّ السوريّ لقوى الثورة والمعارضة. تقريرٌ صحفيٌّ بتاريخ 13/11/2013. الموقع الإلكتروني لقناة فرانس 24: http://www.mc-doualiya.com/articles/

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard