info@suwar-magazine.org

"مئة خطوةٍ" في عاصمة المافيا

"مئة خطوةٍ" في عاصمة المافيا
Whatsapp
Facebook Share

 

*يوسف شيخو

 

في ظلّ موجة العنف السياسيّ والمافيوزيّ التي كانت تشهدها إيطاليا في نهاية سبعينات القرن الفائت، وتحديداً في أيار 1978، اغتيل الناشط الإيطاليّ جوزيبي ايمباستاتو (بيبينو) في بلدية تشينيزي بمقاطعة باليرمو، من قبل العصابة الصقلية "كوزا نوسترا" التي ترددت كثيراً قبل أن تغتاله، وذلك بسبب انتماء عائلته إلى المافيا ذاتها، إذ كانت لوالده علاقةٌ قويةٌ مع أفراد هذه العصابة. اغتيل جوزيبي بسبب ثورته على المافيا وعلى واقع الصمت الذي كان مفروضاً آنذاك من قبل "كوزا نوسترا". وبالرغم من توجه والده إلى الولايات المتحدة لطلب المغفرة لابنه المتحدّر من رأس إحدى العوائل المافيوزية الشهيرة، إلا أن قرار قتل جوزيبي صدر في النهاية، وبعد عامٍ واحدٍ قُتل الأب في حادث اصطدامٍ افتعلته المافيا.

 

 

قُتل الناشط الشيوعيّ بطريقةٍ وحشية، وفي ظروفٍ غامضة، لأنه فضح الكثير من الأسماء التي كانت تحت مظلة المافيا وتمارس أعمالاً وظيفيةً رفيعةً في باليرمو. لكن جريمة اغتياله، التي سُجّلت في المحكمة كحادث "انتحارٍ" آنذاك، مرّت دون أثرٍ كبيرٍ بسبب تزامنها مع قضية اغتيال رئيس الوزراء، الدو مورو، من قبل منظمة الألوية الحمراء. لكن ملف اختفاء جوزيبي أعيد فتحه، بعد حوالي عشرين عاماً من وقوع الحادثة، في ضوء اعترافات أحد أعضاء "كوزا نوسترا" التائبين؛ ليكشف عن الحادث الذي كانت العصابة وراءه.

 

قضى المخرج الإيطاليّ ماركو توليو جوردانا أكثر من سنةٍ في أحياء جزيرة صقلية قبل أن يدير كاميرته لإخراج فيلمه "مئة خطوة" (I cento passi) الذي يسلط الضوء على قضية جوزيبي (يؤدي دوره لويجي لوكاشيو). وهنا من المفيد الإشارة إلى أن عنوان العمل اقتُبس من موقع إقامة الضحية على بعد "مئة خطوةٍ" فقط من منزل زعيم المافيا المحلي تانو بادالامنتي في بلدية تشينيزي. علماً أنه سبق لمخرج العمل أن تناول قضية اغتيال الشاعر والمخرج السينمائيّ بيار باولو بازوليني، كما أن والد كاتب سيناريو "مئة خطوة"، كلوديو فافا، والذي يتناول الفساد المحليّ والعلاقة بين الأب والابن والمد الشيوعيّ والثقافة المضادة، راح ضحيةً للمافيا عام 1984.

 

في تعليقه على شخصية جوزيبي يقول جوردانا إنه "كان رجلاً يتمتع بذكاءٍ كبير، وكانت له مكانةٌ اجتماعيةٌ باعتباره ابن واحدٍ من المتعاونين مع المافيا. لكن هذا الشاب، الذي كان عمره لا يتجاوز العشرين خلال انتفاضة أيار 1968 الطالبية، اكتشف أن الشبيبة يومذاك كانت قادرةً على تغيير العالم، فما كان منه، وهو القريب من العائلة الكبيرة للمافيا، إلا أن استخدم نفوذه وغضبه الثائر على الأقربين إليه، فتقدم بشكوى إلى السلطات القضائية تحمل اسمه الصريح ضدها، وهو أمرٌ نادرٌ في تاريخ المافيا الذي يمتد عشرات السنين".

 

ويصور الفيلم عزم جوزيبي وحماسته في حملته المعلنة ضد "كوزا نوسترا" في باليرمو، عاصمة المافيا، حيث أسّس تجمّعاً ثقافياً موسيقياً للشبيبة المناهضة للعصابات الإجرامية، وقاد تظاهرةً لعشرات الفلاحين الذين سرقت المافيا أراضيهم، لمطالبة السلطات باسترجاعها. ولم يكتف بذلك، بل أسّس جريدةً يوميةً ضد المافيا، وأصدر الكثير من الكتب التي تستعرض تاريخها، ونظم الكثير من الاحتفالات والنشاطات المسرحية الجماهيرية في الساحات والشوارع من خلال معرفته بمحبة مواطنيه للمسرح، وأسّس محطة إذاعةٍ أطلق عليها اسم Radio Aut)) "راديو الخارج"، حققت نجاحاً كبيراً في المنطقة، وهو ما زاد حقد قادة المافيا عليه.

 

 

فاز فيلم "مئة خطوة" بجائزة أفضل نصٍّ سينمائيٍّ في مهرجان البندقية الإيطاليّ، واختارته إيطاليا ليمثِّلها في مسابقة جائزة أوسكار أفضل فيلمٍ أجنبيّ.

 

***

مشاهد من الفيلم؛

 

.

.

اقرأ المزيد للكتاتب .. 

 

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard