العرف أقوى من القانون (2)
"بعد وفاة أبي انشغل أخوتي بتقسيم الميراث وكأنني غير موجودة، وعند مطالبتي بحصتي من الميراث جنّ جنون أمي وعماتي، واتهمت بالطمع، ووبخت من قِبل أخوتي وزوجاتهنّ، كأنني ارتكبت جريمة، بعدها صمت ولم أعد أطالبهم بشيء، لكن صفة الطمع التصقت بي، وتغيّرت معاملة أخوتي لي بعدها" هكذا تصف شرهان من ريف مدينة القامشلو/القامشلي معاملة اسرتها لها بعد مطالبتها بحقها في الميراث.
الميراث
يعطي قانون الأحوال الشخصية الخاص بالمسلمين للذَّكر ضعف حصة الأنثى، مع وجود قانون الميراث الأميري الذي يعطيها الحقّ مناصفة. ويرتكز القانون على الشرع الإسلامي، مع تجاهل الكفالة المالية التي يفرضها الشرع من قِبل الأخ أو الزوج في الصرف على الإناث حتى لو طُبّق عُرفيّاً. لكن لا توجد لوائح تنفيذية تضمنه، كما يعطي القانون الحقّ بالميراث للأعمام والأخوال في حال عدم وجود ذكور في العائلة. وتغيب تماماً قوانين التخالص بين الأزواج في الأملاك في حال الوفاة أو الطلاق، ولا يقدّر جهد ومساهمة وشراكة المرأة أو الرجل في بناء العائلة والمنزل والأملاك. بينما نص قانون الأحوال الشخصية الخاص بالطوائف المسيحية على المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة.
أمّا في العادات والتقاليد، فهناك انتشار واسع لحرمان النساء من الميراث بشكل كامل بغض النظر عن التبعية الدينية أو الطائفية، وخصوصاً في الأرياف والعادات العشائرية، فتعتبر المرأة المطالبة بميراثها منبوذة من عائلتها ومجتمعها، وهنا نشير إلى قصور في القانون الذي لا يمنح المرأة حماية من الحرمان من الميراث، أو عقوبة لمَن يمارس الحرمان، ممّا أثّر على التمكين الاقتصادي للنساء على مرّ السنين، وباتت الملكيّات بشكل عام بيد الذكور، وحتى إن وجدت بيد الإناث قانونياً، فإدارتها تعود للرجال في العائلة.
الإرث: جاء قانون الأحوال الشخصية ناظماً” لأحكام المواريث العامة في المواد من ( 260 إلى 304) ، وجعل الميراث في دائرة الأسرة وفق درجة القرابة، تكون أنصبة الذكور أكثر، ويحصل الابن على ضعف ما تحصل عليه الابنة، إذا كان المتوفى هو الأب وفق المادة (277) قانون التأمينات الاجتماعية الناظم لموضوع إرث الراتب التقاعدي، حيث نصّت هذه الفقرة أنه يحقّ للأرملة أن ترِث راتب زوجها مدى حياتها، أو لحين زواجها أو التحاقها بعمل أو مهنة، في حين أن الرجل يستمرّ في استلام راتب زوجته التقاعدي بعد وفاتها، حتى ولو تزوّج مرة أخرى.
أمّ خالد سيدة ريفية لديها أربعة أخوة وأربع أخوات " لم أكن أسمع عنها إلا أنها سيدة قوية (فاجرة *بالمعنى العامّ)، ولفضول يغزو أغلبنا، كنت أحاول مراراً وتكراراً أن أفهم لِمَ يقال ذلك عنها؟، بعدها علمت أن السبب مطالبة أخوتها بحقّها في الميراث (آخر زمن نسوان تطالب بورثة وتروح لأحد الغريب)، ذلك لم يقتصر على أفراد عائلتها أبداً، فجميع مَن حولها في الحيّ والمدينة انهال عليها بالشتائم"
اقرأ المزيد:
العرف أقوى من القانون (1)
حرّية الحركة والتعليم والعمل واختيار مكان العيش
لا يحرم القانون السوري المرأة من التعليم والعمل ويعطيها فرصاً متساوية مع الرجل مع دعم في التعليم المهني والفنّي، ويتضح التمييز بإنعدام وجود التمييز الإيجابي لصالح المرأة حيث لا يراع وضع النساء والفتيات خاصة، ففي العادات والتقاليد تعطي للأهل أحقّية منع الفتاة من التعليم أو التعليم العالي، وعليه تُحرَم الكثير من الفتيات من إكمال الدراسة، أو تحدّد مجالات معيّنة للفتاة، وتمنع عن بعض المجالات المنمّطة للرجل فقط، وعادة ما تحدّد قطاع التعليم أو الدراسة التي تؤول إلى وظيفة ثابتة. ويحجب المجتمع عادة الثقة عن النساء الطبيبات أو المهندسات أو مجال المحاماة ومجال الاقتصاد اللواتي يمارسن العمل الحرّ، ويفضّلون الرجال عليها؛ لهذا تختار عادة النساء مجال الوظيفة الثابتة دون الخوض بسوق العمل.
وممّا يزيد الضغط على النساء، عدم حرّية الحركة واختيار مكان العيش، فيعتبر من المعيب أن تعيش الفتاة لوحدها في مجتمع مختلف، ممّا يتسبّب في تقليل فرص العمل والتعليم العالي للفتيات. وهذا أيضاً يتسبّب في إضعاف النساء اقتصادياً ومهنياً، مع كل الظروف الأخرى المذكورة في التقرير.
تقول رانية من ريف دمشق " كنت وأخي نتقدّم لامتحانات الثانوية العامة التي تفوّقت فيها، ونجح أخي بعلامات أقلّ منّي بكثير، وفي مفاضلات القبول للجامعة كان معدّلي يخوّلني دخول كلية الطب، وهو الفرع الذي كنت أتمنّاه منذ صغري في حلب، والذي رفضوه أهلي رفضاً تاماً، فلا يجوز لفتاة أن تعيش لوحدها في مدينة بعيدة، أمّا أخي الذي لم يحصل معدّل الهندسة، التي كان يريدها، فتكفّل أهلي بتسجيله بجامعة خاصة في درعا، رغم كلفتها العالية جداً، وبُعدها عن مدينتنا، لاحقاً تمّ إقناعي بالتسجيل في الإرشاد النفسي؛ كونه أفضل للفتيات،ويسهّل الحياة العملية فيما بعد"
- يُنشر هذا البحث بالتعاون بين مجلّة صُوَر وشبكة أنا هي