info@suwar-magazine.org

في الوطنية العابرة للحدود

في الوطنية العابرة للحدود
Whatsapp
Facebook Share

 

تفاعلُ السوريات والسوريين مع أي حراكٍ خارج حدود الجغرافية السورية حالةٌ طبيعيةٌ، ونتيجةٌ لتوغل وسائل التواصل الاجتماعي في حياتنا اليومية، وهي حالةٌ نابعةٌ من الميل الطبيعي لدى البشر لاتّخاذ مواقفٍ حيال كل شيءٍ قد يمسّهم بشكلٍ أو بآخرٍ، والأهم من ذلك هو الامتداد الطبيعي للانتماءات القومية والدينية، التي تربط الشعب السوري بالشعوب المجاورة لحدودهم.

 

نجد ذلك بقوةٍ في تفاعل المكون العربي السوري مع أي حراكٍ عربيٍ يحدث سواءً في فلسطين أو لبنان أو مصر أو الجزائر أو العراق، كما نجد ذلك جلياً وبقوةٍ في تفاعل المكون الكردي السوري حيال أي حراكٍ سياسيٍ أو اجتماعيٍ في الأجزاء الأخرى من كوردستان، وبالمسطرة ذاتها يمكن قياس تفاعل الإسلاميين السوريين مع أي حراكٍ إسلاميٍ أخرٍ في العالمين العربي والإسلامي، وهذا الحال ينطبق على باقي المكونات السورية، وبالتأكيد لهذه التفاعلات أسبابٌ اجتماعيةٌ واقتصاديةٌ وسياسيةٌ لا مجال لشرحها في هذا المقال، ولكن ما هو مؤكدٌ وغير قابلٍ للجدال أن هذه الانتماءات القومية والدينية في سوريا وغيرها من دول الشرق هي أقوى بكثيرٍ من الانتماءات الوطنية، وهي نتيجةٌ طبيعيةٌ لغياب الدولة الوطنية وغياب العدالة والمساواة.

 

اقرأ أيضاً:

 

مراجعات لمفهوم الوطن

 

إن طرق المعالجة التي يتمّ طرحها عبر بعض المشاريع لإيجاد حلٍ لهذه المعادلة والتي يرى أصحابها وجوب التنازل عن هذه الانتماءات لصالح الانتماء الوطني، مضحكةٌ وغير مجديةٍ وفي غالبيتها نابعةٌ من عدم الاعتراف بالآخر المختلف، ناهيك عما يحمله من رفضٍ وعنصريةٍ مبطنةٍ ورفضٍ لمبدأ الشراكة.

 

 وأثبتتِ العقود الماضية فشل جميع التجارب القائمة على وطنية أُحادية الجانب مثل الانتماء الوطني الذي فرضه حزب البعث سابقاً في العديد من دول المنطقة العربية، فهو لم يفلح في سوريا ولا في غيرها من الدول العربية، لأنه لم يعالج الانتماءات القائمة على أساس العرق أو الدين بل حاول طمس هذه الانتماءات ومحوها في بوتقتها الأحادية، ونتيجةٌ لذلك نجد اليوم شعوب هذه الدول تعاني من التناحر وعدم الانتماء، والأمثلة كثيرةٌ لا داعي لذكرها.

 

 وبعد كل هذه التجارب الفاشلة التي قادت شعوب المنطقة إلى الحروب والدمار، آن الأون أن ندرك جميعاً أن الحل لن يكون بإلغاء الآخر المختلف في انتماءاته ومعتقداته، إنما يكمن في تعزيز هذه الانتماءات بشكلٍ إيجابيٍ لتشكيل هويةٍ وطنيةٍ جديدةٍ قائمةٍ على أسس التعددية والشراكة تعبّر عن الجميع دون هيمنةٍ أو إقصاءٍ وبغير ذلك سيكون مصير هذه الدول التفكك.

 

وأخيراً، إذا كنّا نطلق عادةً مصطلح إعادة الهيكلة على المؤسسات، أعتقد أننا اليوم وفي ظل الصراعات العنيفة والدموية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، بتنا أمام حاجةٍ ملحةٍ لإعادة هيكلية دول الشرق الأوسط بشكلٍ كاملٍ على المستويات السياسية والاقتصادية، ولكن لا يمكن أن تكون هذه الهيكلة فعّالة دون حل المعضلات الرئيسة الثلاث التي تقف سداً منيعاً أمام الانتقال الديمقراطي وهي "تداولٌ سلميٌ للسلطة"، و"تفكيك المنظومات الأمنية"، و"بناء مؤسسات دولةٍ حياديةٍ تجاه مواطنيها".

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard