info@suwar-magazine.org

تشيرنوبل "كورونا".. أوروبا NO FUTURE

تشيرنوبل "كورونا".. أوروبا NO FUTURE
Whatsapp
Facebook Share

 

أقرأ على جدار في برلين NO FUTURE وبمزيج من الألوان، وكأنما ثمة ألماني ينذر بتخلّي الألماني عن تفوقه، تفوّقه الراهن المتصل بالحديد.. حديد مرسيدس/ أودي / فولسفاكن، إلكترونيات سيمنس، وعالم الأحذية، والمنتجات الخاصة بالبشرة، وقد تكون "نيفيا" أكثرها تتبعاً من نساء ينشغلن بالحفاظ على بشرتهن، دون نسيان أن الألمانيات هن نساء الورشة، ولسن نساء قاعات الزجاج.

 

هي "الصدمة" التي ستعيد إحياء سؤال ميت، أو سؤال لم يولد بعد.. ولسنا بحاجة في توصيف الصدمة إلى أن نعود إلى ما كتبته الكندية نعومي كلاين، فها هي أوروبا اليوم أمام معادلة جديدة أكثر تعقيداً، هي لا تتعلق بالعقل ومعتقداته بل بالحياة نفسها.. وبمواجهة حرب، يظهر العدو على سطح الأيدي، وأسطح طاولات المقاهي، كما يتناثر في الهواء ليطاول الجميع من المهاجرين إلى الرؤساء، ومن مشردي الأنفاق إلى بوريس جونسون.

 

هي حرب أكثر تعقيداً من حرب، وإن حملت الكثير من ملامح الحرب:

 

ـ إعلان حال الطوارئ، شوارع فارغة، عزلة سكانية، طب على الطريقة الحربية خصوصاً في إيطاليا وإسبانيا.

 

ولن يكون من اليسير على الاسبان أبداً نسيان تحويل حلبة التزلج في بالاسيو دي هييلو (قصر الثلج) إلى مدفن لضحايا الفايروس.

 

أوروبا اليوم تغرق في الأسئلة، بل في الحيرة، وبطبيعة الحال لن تظهر الحيرة على الزعماء الأوروبيين، ولا على سواهم من السياسيين، أولئك الآتون بوجوه مشوية في أفران السيراميك، لا من الخلايا الحيّة التي تشير إلى طبيعة النوع.. النوع الآدمي، الذي يموت ويحزن وينهمر بالدموع. أما الأسئلة فلابد أن تتجاوز نشاطات المخبريين في البحث عن عقار مضاد يطفئ الفايروس.

 

ـ لا.

 

لقد اتخذت الأسئلة شكلاً جديداً.

 

روحاً جديدة مفعمة بالحياة في هذا الموت الذي يطال البشرية، فعندما تكون على الحافة، في المنعطف.. على المنحدر، معلّقاً ما بين الموت والحياة، سيكون للأسئلة مجالاً آخر ليس في أنابيب المختبرات.. سيكون سؤالاً هو سؤال المنعطف، ذاك الذي يدركه متهورو سباق السيارات الذين (تتشقلب) فيهم سياراتهم، وهم يتأرجحون في أقفاصها وسط ارتجاج عميق في الأضلاع.

 

ـ هي الحرب؟!!

 

هي كذلك، حرب الحياة العارية وفق وصف الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامين، وهي حرب مرفقة بـ : "التضحية بكل مكاسب المدنية الحديثة من حقوق سياسية واقتصادية"، بما يعني أن الحالة الاستثنائية أصبحت الأفق الطبيعي للسياسات العمومية حتى في الديمقراطيات العريقة.

 

ـ أي تحوّل أحدثه كل هذا الفايروس، وقد ساق دول أوربية ومن بينها إيطاليا إلى رفع العلم الصيني بدلاً من علم الاتحاد الأوروبي، بعد أن عجز النظام الصحي في إيطاليا مواجهة الفايروس المستجد.

 

اقرأ أيضاً:

 

من وصيّة حيوان

 

 

ـ أوروبا أضحت: العالم الثالث.

 

يا لفظاعة هذا الكلام، خصوصاً حين يصدر عن الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفراي،  وهو يندد بـ "انعدام كفاءة القادة الأوروبيين واستهتارهم في مواجهة التفشي الخطير لوباء كورونا؛ فيعتبر أن أزمة كورونا تندرج ضمن مسألة انهيار الحضارة التي تطرق إليها في كتابه "الانحطاط". فأيديولوجية أوروبا "الماستريشية" (نسبةً إلى اتفاقية ماستريش) التي ضُربت بهراوة منذ عقود سقطت كالفاكهة المتعفنة... نتيجة السياسة الليبرالية الأوروبية!

 

لقد قفز الحوار فوق الفايروس.. بات الفايروس في مكان آخر، لم يتبق منه سوى الضحايا ونشرات الأخبار.

 

ذاك ماحدث، فعلى الطرف الآخر من العالم، وخارج مدافن الأحياء في الحجر الصحي، يتجدد ملعب الفلاسفة، وتزدهر الرؤى ومعها تتساقط الأوهام.

 

هي بيروستريكا جديدة، فكما أظهر سقوط الاتحاد السوفياتي أن العالم عاش في الوهم لأكثر من نصف قرن من الزمان في ما يتعلق بالإمبراطورية الماركسية-اللينينية، فإن "وباء كورونا يظهر بقسوة أن أوروبا الماستريشية التي قُدمت على مدار ربع قرن على أنها وحش اقتصادي من المحتمل أن يتصدى للإمبراطوريات الكبرى في العالم، ها هي اليوم تسقط في هذا الأمر: عاجزة عن صنع وتوفير الكمامات للأطباء والممرضين"، وما بين قوسين هو كلام لميشال أنوفراي، وقد لا يخلو من التوتر إن لم يصنّف على المفرقعات.

 

هو كلام، ينعي أوروبا، وها نحن نتابع وبالكثير من الحرص، وبالقلب البارد، تلك التداعيات التي تتناثر في أوراق فلاسفة أوروبيون، ونقرأ مقتطفات من حوار ما بين مارسيل غوشيه الذي سأله محاوره مارتن لوغرو، عن البعد السياسي لكورونا خارج نطاقها الصحي والاقتصادي؟ أجاب: "هذا مرتبط بكيفية إدارته؛ إن الدعاية التي أصبحت تفرض علينا في هذه المسألة تتعلق بكون النموذج السياسي الصيني، الاستبدادي أو ما بعد الشمولي، أكثر فعالية من نموذجنا". و"بكين التي تجرؤ على التأكيد على أن "العالم يمكن أن يشكر الصين"، لا تنتبه إلى أن العيوب المتأصلة في النموذج السياسي الصيني وغموضه.. هي تشيرنوبيل صحي. في هذا النظام حيث يحتكر الحزب وقائده عملية صنع القرار السياسي، بُدِئ منذ أكثر من شهر، في "التستر على القضية بمحاكمة حتى أولئك الذين دقوا ناقوس الخطر، ثم عندما أظهر رد الفعل هذا آثاره الكارثية، تم التعامل مع المشكلة بطريقة قاسية واستبدادية من خلال فرض قواعد ذات ضراوة على المجتمع الصيني لن نكون قادرين على فرضها نحن، لكن كان الأوان قد فات بالفعل".

 

ـ أيّ نموذج ستذهب  أوروبا إليه؟

 

بات سؤالًا مرتبطًا بـ "كورونا".

 

بالفايروس الذي غيّر اتجاهات التفكير، حتى بات العالم يتأرجح اليوم ما بين:

 

ـ النموذج الصيني، حيث الحزب الواحد، والقائد الواحد، والثورة الثقافية التي أطاحت برؤوس مئات آلاف المثقفين الصينيين، وسجنتهم وراء سورها (العظيم)، وبين النموذج النيوليبرالي، حيث ملائكة السوق، و"دعه يعمل، دعه يمر"، وها هو في الحجر الصحي "لا يعمل ولا يمرّ".

 

ويترافق ذلك، كل ذلك، مع ارتدادات للدولة القومية.. دولة ما قبل العولمة، دولة تلك البنت الطليانية التي بعثت برسالة بالغة التأثير، وهي تخاطب فيها الأوروبيين الذين تخلّو عن بلادها تاركين إيطاليا لمجزرة الفايروس التنين:

 

ـ نحن الإيطاليون، اخترعنا البنوك / الجامعات / الاحتمالات / المعمار / الهندسة / الفلك/ الروزنامة/ الموسيقى .. كانوا إيطاليين مثلنا: كريستوف كولومبوس / ماركو بولو / ليونارد دافنشي/ مايكل آنجلو / بيرنيني / تيتزيانو / رافاييلو / بروفيليسكي / غاليلو / القيصر / أوكتافيانو/ فيسيازيانو/ أوريلو ودانتي.

 

ـ ثم؟

 

ـ ثم تصرخ في وجوههم:

 

اسمعوا يا أعزائي، حين نذكر اسم إيطاليا، يجب عليك أن تقف على قدميك وتطأطئ رأسك، وأن تدرك أن أصل الحضارة الغربية هنا.

حين طالبتكم إيطاليا بشيء اليوم، كان عليكم أن تركضوا لنجدتها، لأنكم إذا فقدتم إيطاليا اليوم، سيعود العالم الغربي مجدداً إلى العصور الوسطى، ولا أعتتقد أنها ستعيد نهضتكم مجددًا. وبعد هذا إذا لم يعنيكم الأمر إذن احتفظوا بما لديكم، حاولوا الاستمتاع بأطنان الحديد التي تكبل مدنكم، وحين تزورون متاحفكم أرجوكم لاتقفوا عند التحف الإيطالية أبداً.. هكذا ستنتهي زيارتكم بسرعة كبيرة، ربما بإمكانكم أن تزوروا مصانع السيارات الجميلة، ديزل ربما، اذهبوا لزيارة ما تسمونه أنتم قصوراً، وبالنسبة لنا هي مجرد مدن شعبية متواضعة، أو اذهبوا الى العواصم التي تحاول تقليد فيسنيسا / فلوريسا / وروما.. حاولوا أن لا تأتوا لزيارة أجمل بلد في العالم، بما أنكم طعنتموها في الظهر.

 

لن نستقبل بأذرع مفتوحة إلا من ساعدنا وقت حاجتنا.. سنفتح لهم مدننا التي لا مثيل لها في العالم، بإمكانهم زيارة فينسيا /روما/ فلورينسا/ جنوى / نابولي/ بولونيا/ بيزا/ سيزي / سيينا/ تورينو/ باليرمو/ أقريجنتو / ميلانو / كريمونا / مانتوفا / فيرارا/ توسكانا / مونت فيراتو/ دولوميتي / لابوليا/ صقلية /سردينيا.

 

لقد دمرتم اليونان بسياساتكم الاقتصادية، وقد حاولتم نفس الأمر مع إيطاليا، إلا أنكم فشلتم.

 

الآن ربما تتوقعون خبر نهايتنا، لكن في خضم أنانيتكم المفرطة نسيتم بأن الفايروس لا يعترف بالحدود الجغرافية، وأنه سيضرب مدنكم، حتى أنتم لو ساعدتمونا البارحة في محاولتنا لكبح جماح الوباء، بدل عزلنا ولومنا ربما لم تكونوا اليوم في نفس الموقف تبكون أحبابكم، أنانيتكم ردت إليكم.

 

ـ الآن أدرك معنى تلك الجملة التي  كتبها ألماني عابر على جدار:

ـ No FUTURE

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard