info@suwar-magazine.org

دمشق .. العاصمة التي تغيرت رأساً على عقب

دمشق .. العاصمة التي تغيرت رأساً على عقب
Whatsapp
Facebook Share

 

 

دمشق .... العاصمة التي تغيرت رأساً على عقب

ربع مليون منزل وعقار سكني مهدم بغوطتها الشرقية 

 

في دمشق -العاصمة السورية العريقة-، والتي تعتبر أقدم مدينة في العالم، يجد المواطن السوري نفسه عاجزاً عن الحياة بشكل طبيعي في مدينة استبدل عبير زهورها، وزقزقة العصافير فيها برائحة الدم، وأصوات القذائف واستجداء المتسولين في الشوارع.

 

ومن مدينة كانت مفعمة بالثقافة والفنون، أضحت اليوم أسوأ مدينة يعاش بها بسبب صعوبات الحياة اليومية التي لا تحصى من غلاء الأسعار، وإيجارات المنازل، وانتشار البطالة إلى الازدحام وصعوبة إيجاد فرصٍ للعمل، وانتهاءً بافتقارها للخدمات الأساسية من كهرباء، ومياه، وأدوية.

 

اليوم، وبعد مرور تسع سنوات عجاف من الحرب الدائرة يتحدث سكان العاصمة أن دمشق لم تعد تكتظ شوارعها وأزقتها العريقة كسوق مدحت باشا، وحي الأمين والجورة، ومنطقة السيدة زينب والسبينة بالسوريين فقط بل يشاركهم الإيرانيون واللبنانيون العيش فيها.

 

ثلاثة ملايين يعيشون بعاصمة سوريا

 

تقدِّر الأمم المتحدة عدد الذين ما زالوا يعيشون في سوريا بنحو 12 مليون شخص، وانخفاضاً من 24.5 مليون نسمة قبل اندلاع الحرب بداية 2011، ويصنَّف قرابة ستة ملايين منهم كنازحين داخل سوريا بعد اضطرارهم للفرار من ديارهم للبحث عن أماكن أكثر أمناً، وبحسب إحصائية المكتب المركزي للإحصاء بسوريا كان يعيش في دمشق وريفها قبل عام 2010 نحو 4.4 ملايين نسمة، موزعين على مركز المدينة 1.724 ألف نسمة أما في ريفها بلغوا نحو 2.791 ألف نسمة.

 

لكن اليوم اختلفت هذه الأرقام ويعيش في العاصمة لوحدها ما يزيد عن 3 ملايين بعدما أجبرت المعارك سكان غوطتها الشرقية والغربية إما للهروب إلى دمشق أو النزوح الى مدن وبلدات سورية ثانية، أو اللجوء إلى الدول المجاورة والهجرة للخارج.

 

تروي ديالا البالغة من العمر خمسة وثلاثون عاماً لمجلَّة (صُوَر) المتحدِّرة من حي مساكن برزة وسط العاصمة، كيف تغيرت مدينتها اليوم، وقالت: "لم تعدْ دمشق كما كانت، باتت غريبة بسكانها وأسواقها وحتى بشوارعها، وجوهٌ جديدة غير مألوفة بمكانٍ وُلِدنا وترعرعنا به، بيوتنا أصبحت أشباهاً للبيوت متراكمة ومتراصَّة، شوارعنا ضيقة ومخنوقة جدرانها شاحبة وباردة".

 

ديالا التي تعمل في مجال بيع الألبسة، وهي خريجة جامعية لكنها لم تحصل على عمل فرصة عمل مناسبة، تضيف إنها تسكن في بناء ذي أربعة طوابق، "سكان البناء بالكامل حلّ مكانهم أناسٌ جدد، جيراننا وأصدقاء الطفولة منهم من هاجر خارج البلد، وآخرون نزحوا لمسقط رأسهم لأسباب مختلفة، خوفاً من التفجيرات، وتوسُّع دائرة الاشتباكات، وحالات الخطف والسطو".

 

فمنذ تصاعد الأحداث الأمنية في دمشق، كان على أهالي المدينة الاعتياد على نمط حياة أشد قساوة تتحكم فيه إجراءات أمنية مشددة، حولت التنقل بين الشوارع إلى مهمة شاقة.

 

 

أما ميساء (41 سنة) المتحدرة من دمشق، وكانت مقيمة في بلدة الدرباسية الواقعة أقصى شمال شرقي سوريا، في الشمال السوري، عادت إلى مسقط رأسها بعد الهجوم التركي، والفصائل الموالية على المنطقة في شهر تشرين الأول من العام الماضي، تقول إنها تفاجأت بتغيّر معالم مدينتها، "حواجز أمنية والتحصينات الترابية على الطرقات ومدخل المدينة، واللافت للنظر الصور الثلاثية المعلقة للرئيس بشار الأسد تجمعه مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، وزعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله"، متصدرة المؤسسات العسكرية وبعض المفترقات والمداخل الرئيسية للمدينة، فيما كانت الصور المعلقة تجمُّع الأسد الأب والابن سابقاً قبل اندلاع الحرب السورية.

 

ربع مليون منزل وعقار سكني مهدم 

 

في إحصائيّةٍ نشرتها لجنة الأمم المتّحدة الاقتصاديّة، والاجتماعيّة لغرب آسيا (الأسكوا) نهاية العام الفائت، تُشير بأن عدد المنازل المهدّمة في سوريا بعد مرور 9 سنواتٍ من الحرب المستعرة، بلغ نحو ٢.٥ مليون منزلٍ، مع دمار البنيّة التّحتيّة كشبكات المياه والكهرباء والصّرف الصّحيّ، وبحسب الدّراسة تصدّرت محافظة حلب الأكثر تضرّراً من جهة دمار المنازل حيث قُصِفتْ نصف منازلها، ويُقدَّر عددها بـنحو نصف مليون منزلٍ، وعقارٍ مدمرٍ كلّيّاً أو جزئيّاً، تلتها ريف دمشق بتدمير نصف منازلها أيضاً وتُقدَّر بنحو ربع مليون منزلٍ، وعقارٍ سكنيٍّ.

 

غير أن هذه الأرقام عكست سلباً على تركيبة سكان العاصمة نفسها، وريفها المترامي، حيث عمدت الدّول والجهات الدّاعمة للنظام الحاكم إلى تغيير ديموغرافية دمشق، والكلام للتاجر الدّمشقيّ فراس (51 سنةً) ويعمل في مجال توزيع موادّ التّنظيف بالجملة ويقول: "معظم المناطق المحيطة بدمشق أصبحت مسستقراً لغير السّوريين كالميليشيات التّابعة لإيران و (حزب الله) اللّبناني، والميليشيات العراقيّة في منطقة السّيّدة زينب.

 

 

أما منطقة برزة، والّتي تضمّ برزة البلد وحيّ الزهور أو عشّ الورور، تبقى الأنظار الأمنيّة عليها إذ يقف أفرادٌ من جهاز الأمن السّياسيّ على حاجزٍ متموضعٍ على جميع مخارجها ومداخلها، يدقّقون في البطاقة الشّخصيّة للداخل والخارج من المنطقة، على اعتبارها أولى المناطق الدّاخلية بدمشق خرج أهلها بمظاهراتٍ مناهضةٍ مطالبين بالحرّية وتغيير رأس النّظام.

 

واستعادت القوات الحكوميّة بدعمٍ جويٍّ روسيٍّ وعسكريٍّ من إيران مناطق في الغوطة الشّرقيّة بريف دمشق ومحافظة درعا، ومدينتي حمص وحماة، والقسم الشّرقيّ من مدينة حلب، وباتت تحكم السّيطرة على ثلثي مساحة البلاد.

 

تقول يسرى وهي سيّدةٌ في نهاية عقدها الرّابع والمتحدّرة من مدينة حمص وسط سوريا، وتعيش في مساكن برزة: "طُردنا من منزلنا بحمص من قبل جماعاتٍ تحمل أفكاراً طائفيّةً، ألسنا كلّنا مسلمين سوريين!!"، ارتسمت علامات الاستغراب على وجهها الشّاحب لكن أسئلة طرحتها بحيرة دون ذكر أيّ أجوبةٍ، لتضيف: "لماذا لم نكن نسمع بالطائفيّة قبل الثّورة؟؟ لقد وضعنا بحال يصعب على الكافر، نعيش أياماً مريبةً رغم أنّني أعيش في دمشق لكن الطّائفيّة باتت في كلّ مكانٍ"، لم تنسَ السّنوات الّتي مرّت بها منذ خروجها وعائلتها من منزلها، وتزيد: "تسع سنواتٍ قضيناها في حالة ترحلٍ وتنقلٍ من بيتٍ لآخر، لا نملك سوى هذا العفش البسيط نحمله على أكتافنا".

 

معظم السكان يعيشون في القاع

 

يواجه غالبية من نزح لدمشق من المناطق والقرى السّوريّة الّتي دارت فيها اشتباكاتٌ عنيفةٌ، وتعرّضت للقصف العشوائيّ، صعوباتٍ في العيش داخل أسوار العاصمة نتيجة ارتفاع أسعار إيجار البيوت، والطّلب المتزايد عليها، وتواتر سعر صرف العملات الأجنبيّة سيّما الدّولار، وبالتالي ارتفاع المواد الاستهلاكيّة التي تضاعفت لنحوٍ وصل إلى عشرة أضعافٍ، دون أن تقابلها زيادةً مناسبةً في دخل الفرد ما جعلهم يواجهون الأمرّين، إذ يعيش أربعةٌ من بين خمسة أشخاصٍ من السّوريين تحت خطّ الفقر.

 

ماهر شاب في بداية عقده الرّابع نزح رفقة زوجته وأطفاله الخمسة من منزله بريف مدينة حلب ليستقرّ بهم الحال في دمشق، يشرح معاناة الحصول على مسكنٍ مناسبٍ لأسرته في ظلّ الأوضاع الّتي تعيشها دمشق، ليقول: "مكثنا في بيت أخي قرابة الشّهرين في منزلٍ عبارةٍ عن غرفةٍ، وصالونٍ مسقوفٍ بألواح التّوتياء في أطراف كليّة الزّراعة ضمن البساتين، دون أن تتمتع أيّ من العائلتين بالخصوصيّة"، ويتابع بعينين مغمورتين بالدمع متلمّساً لحيته يردّد جملةً: "لبين ما الله يفرجها" حيث دلّه أحد الأصدقاء على منازل في حيّ تشرين يقوم أصحابها بإيواء النّازحين فيها دون دفع قيمة إيجار، "قمت بالمقابل بترميم، وإصلاح ما تضرّر من المنزل جراء الاشتباكات والقصف قبل سنوات، واليوم نسكن فيه بسماح صاحبه وشهادة الجيران".

 

ويعتبر حيّ تشرين من الأحياء الشّعبيّة الفقيرة المتوضعة على الأطراف الشّرقيّة لمدينة دمشق، يتوسط حيّ القابون وبرزة، اللّذان كانا تحت سيطرة المعارضة السّوريّة قبل أن تستعيدها القوات الحكوميّة المواليّة للرئيس السّوريّ بشار الأسد، لكن معظم من يقطنه من ذوي الدّخل المحدود جلّ ما يكسبونه لا يغطي قيمة الطّعام والدّواء والتّنقلات.

 

وذكر مروان؛ الذي يعيش وأفراد عائلته في نفس الحيّ، بأنّ المشاكل الّتي تواجه النّازحين في الحيّ كثيرةٌ لا تحصى، "من تضرّر البنيّة التحتيّة، وغياب الخدمات الصّحيّة والنّظافة العامّة في الشّوارع دون أن تتحرك الجهات المعنيّة لأداء واجبها رغم الشّكاوى الكثيرة الّتي يقدمها الأهالي".

 

كما يشكو فايز صاحب محل ألبسةٍ؛ وهو من سكّان دمشق الأصليين من الصّعوبات المعيشيّة التي تعيشها العاصمة، فتوفير الغاز، ووقود التّدفئة هاجسٌ يؤرّق الجميع، "يُضاف لها تقنين الكهرباء وانقطاع المياه، وهي من الأزمات الّتي لا يمكن تجاوزها مهما كانت الظّروف الماديّة جيدةً للشخص، يُضاف لها صعوبات البطاقة الذّكيّة حيث زادت من حدّة معاناة سكّان دمشق".

 

أطفال يتحملون مسؤوليات الكبار

 

يقضي أكرم؛ وهو طالبٌ متسربٌ من المدرسة، والبالغ من العمر (12 عاماً) معظم وقته واقفاً في طابور الرّجال لاستلام كميةٍ من الخبز من الفرن الآليّ "ابن العميد" الشّهير في منطقة ركن الدّين، ليقوم فيما بعد ببيعها وكسب القليل من المال.

 

وعن تجربته يقول: "أشتري الربطة بـ 50 ليرةً من الفرن، وأبيعها بضعف ثمنها لمن يكون على عجلةٍ من أمره، وما أجمعه من مالٍ أساعد به والدي في تلبية حاجات المنزل الّتي لم يعدْ قادراً بمفرده على سدّها"، ولا يسنى هذا الطّفل أزمة غلاء الأسعار وأنّهم حُرموا من الكثير من أصناف الطّعام، وعبر عن مشاعره المختلطة بالقول: "نشتهي اللّحم الّذي نشتمّ رائحته من المطاعم المقابلة للفرن"، مشيراً بيده لمطعم شاورما قريبٍ من مكان وقوفه أمام الفرن.

 

وذكرت منظّمة اليونيسف الأمميّة، بأن أكثر من 2 مليون طفلٍ، أيّ ما يعادل ثلث الأطفال السّوريين؛ هم خارج المدرسة، من بينهم 1.3 مليون طفلٍ يواجه خطر التّسرّب.

 

اقرأ أيضاً:

 

القتل والتشويه والاغتصاب أبرز الانتهاكات ضد أطفال سوريا

 

من جانبها، أكّدت الشّابّة خديجة شيخ موسى، وهي طالبة سنة أولى في كليّة التّجارة والاقتصاد بجامعة دمشق، أنها تعمل إلى جانب دراستها بهدف سداد مصاريف الجامعة، والّتي باتت عبئاً ثقيلاً على عائلتها الّتي تنتظر منها قرار ترك الدّراسة للدخول إلى سوق العمل.

 

تقول الفتاة الّتي بدت عليها علامات التّعب: "أنا أكبر أخوتي وأخي الأصغر يعمل في محلٍ لتصليح السّيارات (ميكانيك)، ليساعد والدي في تأمين القوت اليوميّ للعائلة، والّتي لا تكتفي بالأساسيّات فقط، لذلك أنا أعمل بمجال التّسويق لمساعدة أهلي وتأمين نفقات دراستي".

 

ومن المشاهد اليوميّة الّتي يمكن أن تألفها في دمشق زيادة عمالة الأطفال، وحالات التّسول، وتناول الطّعام من القمامة، وعن ذلك تقول هبة والّتي تُصادف يوميّاً عمالة أطفالٍ ومتسولين، "مثلاً في بداية شارع الحمرا نلمح أطفالاً، وهم يترجّون المارّة من أجل شراء ما يبتاعوه من محارم وعلب العلكة".

 

مشهدٌ يختصر تشويه الحرب لبراءة الأطفال، وتحمّلهم مسؤوليّات الكبار، دون أن يعيشوا طفولتهم وسلب أولى حقوقهم "اللّعب والتّعليم".

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard