info@suwar-magazine.org

قراءة في تقريرِ لجنةِ التّحقيق الدّوليّة المستقلّة بشأن سوريا

قراءة في تقريرِ لجنةِ التّحقيق الدّوليّة المستقلّة بشأن سوريا
Whatsapp
Facebook Share

 

أثار تقرير لجنة التّحقيق الدّوليّة المستقلّة حول انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، الذي صدر في ١٤ أيلول الفائت، نقاشاً واسعاً وجدلاً كبيراً، بين مؤيّدٍ ومعارضٍ حول ما ورد فيه من انتهاكاتٍ جسيمةٍ، ومحاولاتٍ يائسةٍ من بعض الأطراف للتنصل من المسؤوليّة وإنكار الحقائق.

 

حمل التّقرير في طياته الكثير من الألم بما آلت إليه أوضاع السّوريّين، وأشار بشكلٍ واضحٍ إلى جميع الأطراف العسكريّة دون استثناءٍ متّهمةً إيّاها بارتكاب انتهاكاتٍ مروعةٍ لحقوق الإنسان مع اختلافاتٍ طفيفةٍ في نوعها وحجمها. التّقرير تميّز بشموله لجميع الانتهاكات تقريباً التي ارتُكبت في النّصف الأوّل من عام 2020.

 

وعلى الرّغم من تراجع منسوب العنف في سوريا، بسبب جائحة كورونا، وما رافقها من تغيّراتٍ سياسيّةٍ واقتصاديّةٍ، إلّا أنّ حجم الانتهاكات في سوريا ما زالت تشكّل تحدّياً كبيراً، حيث يوضّح التّقرير أنّ سلوك الحكومة السّوريّة هو ذاته لم يتغيّر، إنّما تغيّرت قواعد الاشتباك بسبب الفاعلين الدّوليّين، ونفس الحال ينطبق على جبهة النّصرة، أما قسد؛ وعلى الرّغم أنّ التّقرير أشاد  مرتين بتعاونها مع لجنة التّحقيق إلّا أنّه لم يخلِ مسؤوليّتها عن  ارتكاب انتهاكاتٍ مثل تجنيد الأطفال، بينما حظي الجيش الوطنيّ بالنّصيب الأكبر من التّقرير ليس لأن الأمم المتّحدة لم تكن حياديةً، كما يدعي داعميه المتمثّلين في" تركيا والائتلاف والحكومة المؤقّتة"،  بل لأنّ الجيش الوطنيّ السّوريّ تفوّق في سلوكه الإجراميّ على "نظام البراميل المتفجّرة " الحكومة السّوريّة من حيث حجم ونوع الانتهاكات.

 

يُعدّ هذا التّقرير الأوّل من نوعه، الذي يطال الفصائل السّوريّة التي تدعمها تركيا تحت مسمّى "الجيش الوطنيّ "، والذي يمكن أن يترتّب عليه نتائج سياسيّةٍ وقانونيّةٍ مستقبليّةٍ، وهو ما سوف أتطرّق إليه:

 

أوّلاً: فقدان ثقة السّوريّين والسّوريّات بعد عشر سنواتٍ من الحرب والانتهاكات الممنهجة التي ارتكبت بحقّهم، بأيّ تقارير إدانةٍ أمميّة لأيّ طرفٍ، وذلك بسبب غياب أليات المساءلة والمحاسبة، وحالة فقدان الثّقة هذه تنطبق على أبناء وبنات  وأهالي كلٍّ من عفرين وسريكانية (رأس العين)، وتلّ أبيض فمنذ اليوم الأوّل لاحتلال مدنهم كانت الأصوات المدافعة عنهم سواءً من قبل النّظام أو المعارضة خافتاً، ولم يشعروا يوماً أنهم يحظون بالدّعم والاهتمام من شركائهم في الوطن بالشّكل المطلوب، وهو ما يمكن تفهمه، لذلك فأنّ هذا التّقرير حمل في طياته نوعاً من ردّ الاعتبار للضحايا وعائلاتهم، وقد يعزّز الأمل لديهم في تحقيق العدالة إذا ما تمّ وضع آلياتٍ عمليّةٍ من أجل تطبيق التّوصيات التي خُتم بها التّقرير.

 

ثانياً: هذا التّقرير سوف يؤثّر في سلوك الدّول من حيث نظرتها النّمطية إلى ملف الانتهاكات في سوريا بناءً على مواقفها السّياسيّة، حيث يرى الكثيرون أنّ الصّراع في سوريا صراعٌ ثنائيٌّ بين طرفين "النّظام والمعارضة"، إلّا أن هذا التّقرير ومن خلال الصّفحات التي أفردها، لانتهاكات الجيش الوطنيّ من قتلٍ وخطفٍ وابتزازٍ واغتصابٍ سوف يُغيّر من هذه الصّورة النّمطيّة، وقد تؤدّي إلى وضع فصائلٍ من الجيش الوطنيّ على قوائم الإرهاب، وبالتّالي بدء الملاحقات القضائيّة ضدّهم على غرار الملاحقات السّابقة.

 

اقرأ أيضاً:

 

"غصن زيتون" تحوّل عفرين لمعتقلٍ تُمارس فيه الانتهاكات بحقّ سكّانها

 

ثالثاً: هذا التّقرير سوف يكون له تأثيرٌ بالغٌ على محاولات تدويل هذه الفصائل، ومنعهم من لعب أيّ دورٍ سياسيٍّ في مستقبل سوريا، كما قد يمتدّ أثاره إلى الأطراف السّياسيّة التي تقف خلفهم" الائتلاف، الحكومة المؤقّتة"، فتوفير الغطاء السّياسيّ وتوفير الأموال لهذه الفصائل هي مشاركةٌ في الانتهاكات بحدّ ذاتها.

 

رابعاً: التّقرير قد يحمل آثاراً اقتصاديّةً من خلال فرض عقوباتٍ اقتصاديّةٍ على بعض الأطراف وإعادة ترتيب الأولويات التّمويليّة للدول المانحة، بما يساهم في إعادة هيكليتها بشكلٍ يساعد في التّصدّي للانتهاكات المرتكبة من قبل جميع الأطراف، وخاصّةً من الجيش الوطنيّ السّوريّ.

 

خامساً: على الرّغم من أهمّيّة وشمول التّقرير إلّا أنّه يُغفل الدّور الذي تلعبه تركيا كدولة احتلالٍ في هذه الانتهاكات ومسؤولياتها عنها، كما أنه لم يتطرّق إلى عمليّة التّغيير الدّيمغرافيّة التي تمارسها تركيا عن طريق الجيش الوطنيّ.

 

سادساً: الجهود الجبارة التي بذلتها منظّمات المجتمع المدنيّ والإعلام، من أجل رصد الانتهاكات وتوثيقها رغم الإمكانيات المحدودة ومحاولات التّعتيم، أثمر  عنها هذا التّقرير، وهي دليلٌ على قدرة المنظّمات وإصرارها على إيجاد الحلول، إذا ما أرادت، حيث عملت مجموعةٌ من المنظّمات على المناصرة لقضية المعتقلين في سجن حلوى في رأس العين الذين تمّ نقلهم إلى تركيا للمحاكمة، ورغم عدم استجابة المنظّمات الدّوليّة وبعض الدّول، إلّا أنها استمرّت في طرق الأبواب، باباً تلو الآخر إلى أن تمّ سماع صوتها.

 

في النهاية يمكننا القول، رغم أهمّيّة التّقرير وشموليته، حيث يحمل في طياته مؤشّراتٍ لعدالةٍ مستقبليّةٍ، إلّا أنّه في نفس الوقت يعطي إشاراتٍ واضحةً على أنه لا يوجد اتّفاقٌ سياسيٌّ يلوح في الأفق بوجود كلّ هذه الانتهاكات، وبالتّالي سيكون من الصّعب أن نشهد عمليّة انتقالٍ ديمقراطيّةٍ دون إبعاد كلّ هؤلاء المنتهكين الذي سيقفون عقبةً أمام  عمليّات المحاسبة والمساءلة لأنهم ببساطةٍ لن يضعوا أنفسهم تحت مقصلة.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard