الدّورُ السّياسي للشبابِ السّوري شبه معدوم داخل سوريا وخارجها
الدّورُ السّياسيُّ للشبابِ السّوريِّ شبهُ معدومٍ داخلَ سوريا وخارجها
جيلٌ مُنهمِكٌ بالبحثِ عن رغيفِ الخبزِ.. بعدَ تحوّلِ الأساسيّاتِ إلى كماليّاتٍ
القادةُ يعتقدونَ أنّهم السّياسيّونَ، وأصحابُ القرارِ، والخبراءُ الوحيدونَ
احتلالُ جيلٍ أو أكثرَ للعملِ السّياسيِّ والحزبيِّ ساهمَ بتغيّبِ الشّبابِ
زعماءُ المعارضةِ يُقصونَ الجميعَ، وليسَ فقط الشّبابُ، ويصادرونَ الآراءَ
التّهميشُ السّياسيُّ أطالَ أمدَ الصّراعِ، وشجّع الانضمامَ إلى الفصائلِ العسكريّةِ
لا يوجد في سورية مشاركةٌ سياسيّةٌ بالمعنى السّياسيّ الحقيقيّ؛ لا من الشّباب، ولا من غيرهم، فالأحزاب في معظمها مُلحقةٌ بالحزب الحاكم، حتّى وإن تمايزت عنه قليلاً بالفكر والتّوجّهات، كما أنّ معظمها يفتَقِد القاعدة الحزبيّة العريضة، وأيضاً القاعدة الشّعبيّة، لهذا يمكن القول: إنّه لا يوجد في سورية حياةٌ حزبيّةٌ حقيقيّةٌ ناضجةٌ وفاعلةٌ، سواءً لفئة الشّباب أم غيرهم. هكذا يصف واقعَ العمل الحزبيّ الصّحفيُّ أسامة يونس، وهو أحد المعتقلين السّابقين بتهمة الانتماء لحزب العمل الشّيوعيّ.
يُضيف يونس: إنّ المشاركة السّياسية بمعناها الحزبيّ التّنظيميّ، والتي تُعدّ من أكثر أنواع الممارسة السّياسيّة جدوىً وفائدةً؛ تكاد تكون شبهَ معدومةٍ في سورية طوال عقودٍ ماضيّةٍ، وأنّ التّجارب التي كانت بعيدةً عن المباركة السّلطويّة حملت مساوئ العمل خارج الضّوء، ومن أهمّها التّطرّف، وزيادة سيطرة رأي الفرد في الحزب، والانغلاق على الأفكار، وربّما يكون تنظيم الإخوان المسلمين هو أبرز مثالٍ على ذلك، رغم أنه كان الأكثر تنظيماً.
في هذا الملف نستعرض آراءً متباينةً من داخل سورية وخارجها؛ حول مشاركة الشّباب في الحياة السّياسيّة، وكان اللافت تشابه الحال في تهميش وتراجع دور الشّباب السّياسيّ سواءً داخل سورية، أو من قادة المعارضة في الخارج.
الصّفّ الثّاني
يقول الصّحفيُّ يونس: إنّ كلّ الأحزاب تعتمد بالدّرجة الأولى على الشّباب، ففي هذا العمر يكون لدى الإنسان طاقاتٍ كبيرةٍ وآمالٍ كبيرةٍ في التّغيير، لذا هم دائماً الصّفّ الثّاني في جيل أيّ حزبٍ، وهم حاملو فكره ومطوّروه، بسبب خصائص فئة الشّباب؛ التي غالباً لا تستقرّ على فكرٍ ناجِزٍ ودائمٍ، فهي في طور تغييرٍ دائمٍ، إضافةً لطاقة العمل الكبيرة لديهم.
وبما أنّ الحياة السّياسيّة؛ لا تقتصر فقط على الممارسة الحزبيّة يمكن القول: إن ثمّة منافذ عدّةٍ للممارسة السّياسيّة البديلة، وأبرز تلك المنافذ هو ما أتاحه التّطوّر التّكنولوجيّ، ومواقع التّواصل الاجتماعيّ؛ والتي ورغم كلّ مساوئها هي بالنّهاية شكلٌ من أشكال التّعبير عن الموقف السّياسيّ المتمايز عن موقف السّلطة، والذي لم يكن يظهر سابقاً في سوريا.
ضعيفةٌ جداً
أمين حزب الإرادة الشّعبيّة، وعضو اللّجنة الدّستوريّة السّوريّة عن منصّة موسكو للمعارضة السّوريّة؛ الشّابّ مهند دليقان، وصف نسبة مشاركة الشّباب في المفاوضات العمليّة السّياسيّة بالضّعيفةِ جداً، وأقلّ من الآمال بكثيرٍ، وقال: إنه ليس هنالك حسابٌ دقيقٌ لها، ولكن يقدّرها بأقلّ من 10% إذا اعتمدنا تعريفاً لعمر الشّباب دون 35 عاماً، بالنّسبة لهم كجهةٍ سياسيّةٍ، فنسبة تمثيل الشّباب في الأطر السّياسيّة المختلفة للعمليّة التّفاوضيّة تتراوح بين 40 و60%.
أضاف دليقان؛ إنه في النّصف الثّاني من القرن العشرين كان يمكن الحديث عن ابتعاد الشّباب عن السّياسة، لأنّ الجدوى من العمل السّياسيّ لم تكن واضحةً، وهذا انعكاسٌ لتراجع الحركة الشّعبيّة في تلك الفترة، لكن منذ مطلع هذا القرن عادت الحركة الشّعبيّة ليس في سورية فقط، بل وفي العالم بأسره، ولذا نرى عودة الشّباب إلى الاهتمام بالعمل السّياسيّ... بالمحصلة هنالك قانونٌ واضحٌ، حين ينخرط الشّباب في العمل السّياسيّ بشكلٍ واسعٍ، فتلك إشارةٌ واضحةٌ أنّنا نعيش عصراً سِمَتُه الأساسيّة هي التّغيير والانتقال نحو فضاءٍ سياسيٍّ جديدٍ، وحين يبتعد الشّباب عن السّياسة، فالعمل السّياسيّ ككلٍّ يكون عملاً راكداً وفوقيّاً ومعزولاً عن النّاس.
اقرأ أيضاً:
المرأة السّوريّة أوّل من حصلتْ على حقّ الانتخاب.. ما زال حضورها السّياسيّ ضعيفاً
وأكّد وجود عوائق تمنع فئة الشّباب من المشاركة في السّياسة والأحزاب ذكر منها ثلاثة عوائق أساسيّةٍ: الأوّل هو بِنية الأحزاب التّقليديّة وعقليتها، والتي تتعامل مع الشّباب على أنهم قليلو خبرةٍ ومعرفةٍ، ولا يمكن الاعتماد عليهم، العائق الثّاني هو العمل الممنّهج على دفع الشّباب باتّجاه العمل المدنيّ (على أهمّيّته) وتصويره كمضادٍ للعمل السّياسيّ، وإسباغ قيمةٍ إيجابيّةٍ على العمل المدنيّ بمقابل قيمةٍ سلبيّةٍ على العمل السّياسيّ، الثّالث هو مستوى الحرّيّات السّياسيّة شبه المعدوم في الدّاخل السّوريّ، ويرى أنّ العمل السّياسيّ لا يمكن أن يكون فاعلاً دون أن يكوّن في نواته الشّباب، ليس بوصفهم أدواتٍ لترديد الهتاف، بل بوصفهم جزءاً في صُنع سياسات الأحزاب وأفكارها وتوجّهاتها، دون ذلك لا يمكن الحديث عن عملٍ سياسيٍّ ذي جدوى. ويعتقد أنه من الصّعب تحقيق نسبٍ أعلى من المحقّقة حالياً في مشاركة الشّباب في العمليّة السّياسيّة والتّفاوضيّة بسبب عقليّة وبِنية القوى المنخرطة في العمليّة التّفاوضيّة حالياً، ولكن هذا لا يمنع أنّ العمليّة السّياسيّة بامتداداتها اللاحقة، وليس التّفاوضيّة فحسب، ستفتح مجالاً أوسع للشباب الذين سيحتلون مكانهم ضمن بناء سورية المستقبل بكلّ الاتّجاهات.
تنقصهم الحُنكة والدّهاء
بعد تجربتها في العمل السّياسيّ ضمن فصيل من الحزب القوميّ السّوريّ تقدّم خريجة علم الاجتماع، رانيا قاسم، رؤيةً مختلفةً لدور الشّباب في الحياة السّياسيّة، وترى أنّ الشّباب غير قادرين على فهم الحُنكة السّياسيّة ودهائها، وبأنّ العمل السّياسيّ يحتاج إلى باعٍ طويلٍ من الخبرات المتراكمة، ولا ترى أنّ العنصر الشّبابيّ يمتلك هذه المواصفات، ويحوّل حماسهم دون فهمهم للكثير من السّلوكيّات.
وعن نسبة مشاركة الشّباب في المفاوضات والعمليّة السّياسيّة، ترى أنّها قليلةٌ جداً إذا لم تكن معدومةً، وتصف هذا الواقع بالحالة غير الصّحّيّة، لأنّ الإنسان السّياسيّ يجب أن يكون لديه خبرةٌ عميقةٌ وحنكةٌ وباعٌ طويلٌ في المجال السّياسيّ لكي يكون قادراً على الدّخول في مجال المفاوضات السّياسيّة بقدمٍ ثابتةٍ وواثقةٍ، وتعتقد أنّ ابتعاد الشّباب عن السّياسيّة يساهم فيه أمران، هو استبعادهم من جهةٍ، وابتعادهم من جهةٍ ثانيةٍ، وتؤكّد أن من عاش تجربةٍ حزبيّةٍ يكتشف أنّ الواقع يختلف كثيراً عن الطّروحات والشّعارات التي يردّدها قادة الأحزاب.
تعتقد قاسم أنه لا يوجد عوائق تعيق العمل السّياسيّ، لأنّ هنالك عدّة أحزابٍ، تتيح للشباب ممارسة دورهم الحزبيّ، وإنّ كانت مؤطّرةً، وقد يكون تأطير الأحزاب أمرٌ صحّيٌّ، لأنه لو تمّ فتح المجال أمام كلّ حزبٍ بشكلٍ كبيرٍ لأصبحنا أمام مشكلةٍ أُخرى إضافةً للطوائف، وهي التّيّارات الحزبيّة المتعدّدة التي تريد كلّاً منها تسيير رأيها كما في لبنان مثلاً، فتعدّد الأحزاب لديهم أدّى إلى نتائج عكسيّةٍ وتخبّطٍ على مستوى الدّولة.
وعن رأيها فيما إذا كان الشّباب سيحدثون فرقاً في العمل السّياسيّ إذا حصلوا على دورٍ أكبر قالت قاسم: إنّها لا ترى اختلافاً، لأنّ السّياسة تحتاج إلى عقليّةٍ مختلفةٍ تتّصف بالعمق والخبرة ومرونةٍ في التّعامل مع القيم لا يمكن للشباب استيعابها في عمرٍ محدّدٍ، وأنّ البلد تحتاج في هذه المرحلة إلى سياسيّين كبار لهم باعٌ وخبرةٌ في المجال السّياسيّ، للخروج ممّا نحن فيه، وليس هذا تقليلاً من دور الشّباب كما تقول، ولكن يحتاجون إلى التّدرّج في العمل السّياسيّ لفهمه أكثر.
الكراسي محجوزةٌ
في حين يرى عضوٌ قياديٌّ في حزب حركة الاشتراكيّين العرب، سامر العبد الله 32 عاماً، أنّ نسبة مشاركة الشّباب في العمل السّياسيّ معدومةٌ تقريباً، وأنه لا يتمّ فتح الباب للشباب، فالكراسي محجوزةٌ مسبقاً بأسماء مخصّصة لشرفية الحضور في أي شيءٍ دون أيّ اهتمام لأسباب الحضور، ممّا أدّى لعزوفهم عن أيّ واقعٍ سياسيٍّ حقيقيٍّ، ويعتقد أن من أهمّ العوائق في وجه النّشاط السّياسيّ للشباب هو غياب الأحزاب الحقيقيّة والسّياسة المتاحة للنقاش، وكلّ ما يخصّ هذا الجانب هو حكرٌ على أشخاصٍ محدّدين، وليس من المسموح الخوض أو مجرّد التّفكير بالتّواجد في هذه الرّقعة، فهم السّياسيّون وهم أصحاب القرار، وهم الوحيدون الذين يفهمون بالسّياسة، فالشّعب في نظرهم إن كان من الشّباب أو المخضرمين لا يفهم بالسّياسة. ويرى أنّ الاختلاف الذي تُحدثه مشاركة الشّباب في العمل السّياسيّ؛ هو في جعل السّياسة أكثر ملامسة للواقع السّوريّ، وليست مجرّد شعاراتٍ، فالشّباب يمكنهم أن ينقلوا بشكلٍ أو بآخر ما يعيشونه إذا فتحت لهم إمكانية التّواجد على السّاحة السّياسيّة، وغير ذلك ستبقى السّياسة بعيدةً كلّ البعد عن واقع المواطن، كما حالنا منذ سنواتٍ طويلةٍ.
ويعتقد أن تفعيل دور الشّباب يتمّ بسهولةٍ كبيرةٍ، عندما تكون هذه الفئة المسيطرة على هذا القطاع قد آمنت بأنّ هنالك مواطنين غيرهم، وأن تقرّر وقتها بأنّ الوطن للجميع، وليس "لعبقريتهم السّياسيّة" فقط، فنحن لا نملك سياسةً حيّةً، حتّى الآن إنّما منهجٌ متّبعٌ، وهو مبهمٌ، وغير نافعٍ؛ كونه لا يلامس الواقع، بل مجرّد شكلٍ دعائيٍّ، فمثلاً تمّ مسح أوروبا من الخريطة بداية الأزمة السّوريّة بالتّصاريح، بينما الواقع تمّ مسح سوريا والسّوريّين من الوجود تقريباً، ولكن يكفينا أنّنا صرّحنا تصريحاً ناريّاً "هذا برأيهم الإنجاز والسّياسة بعينها".
مشاركةٌ انتقائيّةٌ
مشرف تحريرٍ في تلفزيونٍ خاصٍّ في سورية جاد كريم ( 35) عاماً، وخريج إعلام يصف نسبة مشاركة الشّباب في العمل السّياسيّ بالضّعيفة جداً، وتكاد تكون معدومةً، وطريقة المشاركة انتقائيّةٌ وتتأثّر بالانتماء الحزبيّ وربّما بعلاقات القربى، وأنّ الشّباب السّوريّ لم يكن قريباً من الحياة السّياسيّة منذ فترةٍ طويلةٍ، وبرأيه يتمّ استبعادهم ولو بطرقٍ غير مباشرةٍ، فواقع العمل السّياسيّ في سوريا إضافةً إلى واقع الحياة اليوميّة الضّاغطة؛ تضع الشّباب في مكانٍ بعيدٍ عن المشاركة في الأحزاب سواءً كانت منخرطةً في السّلطة أو معارضةٍ لها، والنّظرة العامّة هي عدم الثّقة لدى قطاعٍ واسعٍ من الشّباب بهذه الأحزاب باعتبارها مرآةٌ للمال السّياسيّ والأيدولوجيّات الجاهزة وليست انعكاساً لتطلعات الشّباب وأحلامهم، ويرى أنّ هناك عوائق تمنع فئة الشّباب من المشاركة في السّياسة والأحزاب منها الرّيبة والخوف من العمل السّياسيّ، وعدم الثّقة بالأحزاب، وكذلك الوضع الاقتصاديّ الذي يدفع الشّباب للبحث عن لقمة العيش. أنّ الاختلاف الذي سيحصل لو كان للشباب دورٌ أكبر في العمل السّياسيّ يكمن في ترجمةٍ أوسع لمتطلبات التّنمية السّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والتّكنولوجيّة، وانعكاسٍ أكبر لحاجات المجتمع، وخلق منافسةٍ وحركة نموٍ داخل الأحزاب، وبالتّالي إنعاش الحياة السّياسيّة العامّة، وأنه يمكن تفعيل دور الشّباب في العمليّة التّفاوضيّة والسّياسيّة في سوريا من خلال إتاحة الفرصة للناشطين الحقوقيّين والإعلاميّين الشّباب المستقلين المشاركة في العمليّة السّياسيّة، وذلك بناءً على وعيهم السّياسيّ ونضجهم الفكريّ وحسّهم الوطنيّ وليس بناء على انتمائهم الحزبيّ.
طريقٌ مغلقٌ
محرّرٌ صحفيٌّ في الشّؤون السّياسيّة لوسيلة إعلامٍ محلّيّة رضوان محمد 34 (عاماً)، وصف نسبة مشاركة الشّباب في المفاوضات والعمليّة السّياسيّة بالمعدومة، وبأنّها مجرّد شعاراتٍ على وسائل الإعلام عن ضرورة مشاركتهم وفقط، وبخاصّةٍ في المناسبات الانتخابيّة، وفي الأوقات العادية هم طيّ النّسيان، وطريق العمل السّياسيّ مغلقٌ أمامهم، فلا يمكن للشباب العمل في السّياسة، ومن يظنّ أنه يمكن وصف عمل الشّباب في المنظّمات التّطوعيّة بالعمل السّياسيّ ما هو إلا غشاوةٌ سياسيّةٌ، وأستطيع وضعهم في قائمة "الصّفّيقة" أو الهتّيفة".
أضاف محمد أنّ الشّباب اليوم غير مشاركٍ في الحياة السّياسيّة بسبب احتلال جيلٍ أو أكثر للعمل السّياسيّ، وحتّى الحزبيّ سابقاً، والأسماء التي كان يسمعها في أعوامه الأوّلى هي نفسها، ومن غاب منها إما لمشيئة القدر أو انحرفٍ عن المسار، وسببٌ آخر لقناعتهم بأنّ طريق العمل السّياسيّ مغلقٌ بإحكام، وأخر حدثٍ جرى في البلد هو انتخابات مجلس الشّعب، وهو المكان الأكثر مناسبةً لممارسة العمل السّياسيّ، لكن قبل الانتخابات شيءٌ، وبعدها يتمّ الحديث عن الذين "قلوبهم شباب"! في مراوغةٍ للحقائق والشّعارات السّابقة، وعند إعداد القوائم الانتخابيّة يُستبعد الشّباب، ومن أجل التّمويه يتمّ إضافة بعض الأسماء في آخر ذيل القائمة، وأيّ شابٍّ يُرشح كمستقلٍّ من المستحيل أن يصل إلى مجلس الشّعب.
وذكر محمد أنّ هنالك عوائق تمنع فئة الشّباب من المشاركة في السّياسة والأحزاب، فالخطوط الحمراء هي أوّلها، ويكفي أن يعلم ويعتقد أيّ شخصٍ إنه سيُحاسب على كلّ كلمةٍ يقولها أو يكتبها حتّى يستبعد نفسه من طريق العمل السّياسيّ، فالخطوط الحمراء كثيرةٌ، وجيل اليوم يعلم بها قبل أن يمارس حقوقه السّياسيّة على أرض الواقع، بعد أن اطّلع عليها من وسائل الإعلام أو من الدّستور أو من مناهجه الدّراسيّة، فالخوف من الوقوع بالمحظور يُبعد الشّباب عن العمل السّياسيّ.
وثانيها: أنّ الأحزاب وهي بطبيعة الحال مرخّصةٌ، لكنّ الجديد منها نسخةٌ عن القديم، ويجامله في شعاراته القوميّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، وربّما هو مضطرّ لذلك من أجل أن يحصل على التّرخيص، والشّباب يبحثون عن الجديد وما يحقّق تطلّعاتهم التي تتغيّر من جيلٍ لآخر، وهذا الجديد غير متوافرٍ.
أما العائق الثّالث فهو العامل الاقتصاديّ الذي تحوّل إلى عبءٍ يستحيل التّخلص منه، ومن ثمّ التّفكير بالعمل السّياسيّ، فنحن جيلٌ منهمكٌ بالبحث عن رغيف الخبر، وعن مسكنٍ وعن حاجياتٍ للأسف هي أساسيّةٌ لكن تحوّلت إلى كماليّاتٍ، وفي المحصلة هذا الشّاب المنشغل سيبتعد عن العمل السّياسيّ، وما نقص قادة الرّأي في المجتمع إلا نتيجةً لمحاربة الشّباب بكلّ مرحلةٍ و"تدجينه" في آراءٍ ومواقفٍ جامدةٍ لا تلبي متطلبات المرحلة.
ويعتقد أنّ الاختلاف الذي سيحصل فيما لو كان للشباب دورٌ أكبر في العمل السّياسيّ هو طرح أفكارٍ اقتصاديّةٍ واجتماعيّةٍ جديدةٍ تناسب العصر، بدلاً من هذا الرّكود الذي نعيشه وانتظار اللاشيء، فمشاكل البلد اليوم هي مشاكل الشّباب قبل غيرهم، وهم أدرى بمعالجتها ويملكون الكثير من الحلول للمشاكل، وهي بسيطةٌ على عكس الأجيال السّابقة التي تبحث عن تعقيد الحلول وإطالة عمر المشاكل، وفي الجهة المقابلة إذا استمرّ الوضع على حاله، فإنّ الشّباب لن يتوقّفوا عن الهجرة للبحث عن حياة تليق بهم، وهذا حقّهم. وأنّ تفعيل دور الشّباب في العمليّة التّفاوضيّة والسّياسيّة غيرُ ممكنٍ قبل تطوير الدّستور ووضع جميع فئات الشّعب تحت سقفه، وكلّ منْ في هذا البلد يلتزم بعمله كما ينصّ الدّستور، فالشّباب يُعانون من الذين يتمدّدون خارج وظائفهم ويتصدّون لاختصاصات ليست لهم من خلال وظائفهم.
معارضون ومتسلّطون
لرئيسة الحزب الليبراليّ السّوريّ_ أحرار ياسمين مرعي نشاطٌ يقوم على تشكيل حزبٍ يعتمد على الشّباب، ويعمل بطريقةٍ مختلفةٍ كما تقول، وتضيف أنّ مشاركة الشّباب في المشهد السّياسيّ وضمن أحزاب المعارضة قليلةٌ، لأنه من الطّبيعيّ أن يبتعد الشّباب عن المجال السّياسيّ عندما لا يجدون لهم مساحةً أو مكاناً، ولكن من الجيّد أنه في الآونة الأخيرة أصبح هنالك عددٌ أكبر من الشّباب المنخرطين في العمل السّياسيّ، وترى مرعي أنّ المشكلة الأساسيّة تكمن في طريقة عمل زعماء المعارضة السّياسيّين الذين يُقصون الجميع، ويُصادرون وجود مكوّناتٍ أخرى بنسبٍ منصفةٍ كالنّساء مثلاً، وليس فقط الشّباب، وترى أنه من المُؤسِف أن ترى استمرار الوجوه والأسماء ذاتها وهذا أمرٌ يدفع للتساؤل عن مصير الوجوه الجديدة والدّماء الشّابّة والجديدة، والتّيّارات المختلفة من النّسيج السّوريّ المعارض.
وتعتقد مرعي أنّ العوائق التي تواجه الشّباب السّوريّ لنشاطٍ أوسعٍ في العمل السّياسيّ متعدّدةٌ، فهي في داخل سورية تنتج عن وجود سلطاتٍ مختلفةٍ على الجغرافيا السّوريّة، وتعاطيها بطرقٍ متشابهةٍ من حيث مصادرة الآراء والقمع وتهديد الحياة، أما في الخارج السّوريّ؛ فالشّباب مُجبرون على البحث عن فرصٍ لتأمين مستقبلهم، وهذا يشغلهم عن العمل السّياسيّ، كما أنّهم مضطرّون في بلدان اللّجوء للانخراط في مسار الاندماج وتعلّم اللّغة الدّراسة وغير ذلك، ممّا لا يتيح لهم التّفرّغ للعمل السّياسيّ. فضلاً عن ضعف الجهود المبذولة من المعارضة للحفاظ على ارتباط الشّباب السّوريّ في الشّتات بعملٍ سياسيٍّ.
وتحدّثت مرعي عن أهمّيّة مشاركة الشّباب في الحياة السّياسيّة؛ لأنها تعني رؤيةً سياسيّةً جديدةً، وخطاباتٍ أقلّ خشبيةً وتكراراً؛ بعدما سئمنا من الوجوه القديمة المتكرّرة باستمرار، وأكّدت أنّهم في مرحلة الإعداد لحزبٍ سياسيٍّ يضمن مشاركةً سياسيّةً فعّالةً للشباب السّوريّ، فالشّباب يحتاجون إلى امتلاك خبرات ومهارات العمل السّياسيّ للحصول على فرصٍ أكبر، فليس هنالك أيّ مؤسّسةٍ سياسيّةٍ تعمل على تدريب الشّباب الطّامح إلى العمل السّياسيّ.
لم يشاركوا أساساً
يشارك النّاشط السّياسيّ أيهم صقر أسلافه الرّأي بنقاطٍ عدّةٍ حول ضعف مشاركة الشّباب بالعمل السّياسيّ، وغياب دورهم عن الحياة السّياسيّة، وأيضاً تهميشهم في المشاركة بالعمل التّفاوضيّ على مستوى جميع الأطراف السّوريّة المتنازعة حول المكاسب والسّلطة، بغضّ النّظر عن المصلحة العامّة لعموم المجتمعات السّوريّة التي تقع تحت سيطرة تلك الأطراف المشاركة بالعمليّة التّفاوضيّة والسّياسيّة، حيث انحصر دور الشّباب في السّياق الاستشاريّ المتعلّق بمشاركة منظّمات المجتمع المدنيّ في (التّأثير) على العمليّة التّفاوضيّة ضمن المسار الأمميّ المرتبط بجنيف فقط، بعيداً عن المشاركة المباشرة والفاعلة على الطّاولات الدّوليّة وضمن الوفود التي تعمل على الحلّ السّياسيّ.
وفي المُحصِّلة يؤكّد صقر أنّ الدّور الشّبابيّ وخصوصاً النّسائيّ ضعيفٌ جداً وغير فاعلٍ أو مؤثّرٍ في المشهد العامّ للعمل السّياسيّ والتّفاوضيّ، ولا يرقى للدور المناط به كفئةٍ تمثّل شريحةً واسعةً من عموم المجتمع السّوريّ. ويرى أنّ الشّباب لم ينخرطوا بالعمل السّياسيّ الحقيقيّ، ولم يؤمنوا بجدواه أقلّها على المدى المنظور، وذلك لعدّة عوامل منها: تاريخيّةٌ تعود لسياسات العقود الخمس الماضية للسلطة الحالية، ومنها مستجدٌّ ومرتبطٌ بالظّروف الرّاهنة لسوريا غير المستقرّة، والصّراعات العنيفة التي يغيب عنها أدنى متطلبات وشروط العمل السّياسيّ والنّشاط المدنيّ. وفي النّهاية لم ينسحب الشّباب من الحياة السّياسيّة لأنهم بالأساس لم يشاركوا فيها بسبب إفلاس العمل السّياسيّ، وضعف الأحزاب الرّاديكاليّة المغلقة؛ والرّافضة لفكرة التّجديد والتّحوّل، وعدم الإيمان بفاعليّة دور الشّباب، واستحواذ فئةً قليلةٍ من الأفراد أغلبهم مستقلٌ أو منشقٌّ عن البعث والمؤسّسة العسكريّة، وتصدّرهم للمشهد السّياسيّ والعمل التّفاوضيّ، وإقصاء جميع فئات المجتمع السّوريّ وخصوصاً الشّباب وخاصّةً النّساء.
ويؤكّد أنّ هنالك مجموعةَ تحدّياتٍ تُعرقِل عمل الفئات الشّابّة، أوّلها العقل الجمعيّ السّلبيّ لدى عموم القيادات الحزبيّة، والتّجمّعات السّياسيّة، وتقليلها من قدرة الشّباب وإمكانياتهم على اعتبار أنهم يفتقرون للخبرة والحكمة السّياسيّة، ويحتاجون لسنواتٍ من العمل التّراكميّ للوصل لدرجة المشاركة الفاعلة، ممّا يُفقد الثّقة بين تلك الفئات العمريّة، وطبعاً على حساب فئة الشّباب، حيث تسبّب بالحدّ من اهتماماتهم وتفاعلهم وخلق حالةٍ من اللامبالاة في المشاركة بالعمل السّياسيّ أطالت أمد الصّراع السّوريّ، وتحوّل الشّباب للانضمام إلى الفصائل العسكريّة المتناحرة على النّفوذ والسّلطة ممّا أفقد العملين السّياسيّ والمدنيّ قيمتهما الحقيقيّة، وغيّب أهمّ شروط النّشاط السّياسيّ الاستقرار والبيئة المناسبة.
وكذلك الأحزاب الشّموليّة الإقصائيّة والذّهنيّة التّكفيريّة في بعض المناطق التي حرّمت العمل الوضعي السّياسيّ والمدنيّ، بل وحاربته عبر التّصفية والاعتقال وعدم السّماح بالانزياح عن المورث الدّينيّ السّائد.
أيضاً تركيز المجتمع الدّوليّ على دعم العمليّة التّفاوضيّة ومنظّمات المجتمع المدنيّ على حساب العمل السّياسيّ وقيام الأحزاب والتّجمّعات والتّأسيس لحياةٍ سياسيّةٍ حقيقيّةٍ عبر تقديم الدّعم الكافي الذي يوفّر الإمكانيات اللازمة للتمكين السّياسيّ.
ظروف الشّباب الاقتصاديّة الصّعبة التي لا توفّر أدنى متطلبات التّجمع والنّشاط السّياسيّ، وتحدّث صقر عن عوامل تاريخيّةٍ مرتبطةٍ بالفترة العقديّة السّابقة حول سياساتٍ السّلطة والحزب الحاكم في سوريا منذ سبعينيّات القرن الماضي المرتبطة بحزمة قوانين وإجراءاتٍ متشدّدةٍ حول العمل السّياسيّ وحالة الطّوارئ والحملة المتشدّدة على الأحزاب والمواطنين المهتمين في العمل السّياسيّ، وإغلاق أفق العمل ممّا ترك هاجساً سلبيّاً، وعدم اكتراثٍ، وخوف شديدٍ أبعد الشّباب عن الشّأن العامّ والسّياسيّ.