إغراء الكرسي -التأسيس (1)
من كتاب بوصلة الصراع في سوريا (السلطة- الشارع- المعارضة)
هل كان يدرك البائع المتجوّل محمد بوعزيزي بأنّ إقدامه على إحراق نفسه، في السابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر 2010، سينتقل أتونه إلى سوريا (على افتراض ضعيف بأنّه يدرك أوضاع سوريا)!؟ أو أنّه سيكون كالنار في الهشيم!؟
وهل كان يدرك أصحاب القرار في سوريا، بأنّه سيتحول إلى محرقة لن تبقي على شيء؟
وبأنّ جدار (الخوف) الذي كان جاثماً على أفق الشعب السوري منذ ما يزيد على أربعين سنة سينهار، كجدار برلين!؟
وبأنّ المواطن السوري، سيحطّم القمقم، قمقم (سيف بن ذي يزن الأسطوري)!؟
وبأنّ النور سيتغلغل من خلال الصدوع التي أحدثها تسارع الأحداث في العديد من الدول العربيّة!؟
وبأنّ الإعصار سيكتسح كلّ التابوهات!؟
وبأنّ السيل سيجرف كلّ ما يصادفه في مساره!؟
وهل كانت المعارضة مهيّأة لاستلام دفّة القيادة؟
وهل كان لديها برامج وخطط "أ" و"ب"!؟
وهل كان الشارع يعي ما سيؤول إليه الوضع؟
ومن هو اللاعب الأكثر تمرّساً، وقدرة على الصراع؟
طبعاً هذه التساؤلات، والكثير من الهواجس التي كانت تنتاب الشارع السوري بالمعنى العام لهذه العبارة، وعبر سيرورة زمنيّة لا يستهان بها من فقدان الحرية والشعور بالأمان، وجدار خوف يحجب الأفق، والتي كانت تشكّل خلفيّة لواجهة (وادعة)، صبّ النظام كلّ طاقاته في سبيل صهرها وإعادة تشكيلها على ما هي عليه، وأمل مُشظّى بالقهر والقمع، مغلّف ببراثن اليأس من ليلٍ حالك، والتي شلَّت طاقات الشعب السوري.
إغراء الكرسي -التأسيس
وضع انقلاب 16 تشرين الثاني 1970، خاتمةً للانقلابات العسكريّة في البلاد. كما حُسمت ازدواجيّة إدارة سلطة حزب "البعث" ما بين القيادة العسكريّة والقيادة المدنيّة السياسيّة الحزبيّة، لصالح العسكريّة، والتي سبقها وترافق معها التخلص من الخصوم السياسيّين والعسكريّين على السواء[1]، كإعدام سليم حاطوم[2]، وانتحار عبد الكريم الجندي في 2/3/1969/، واعتقال صلاح جديد[3] (توفي في السجن 19آب/ أغسطس 1993)، ونور الدين الأتاسي[4]، ويوسف زعين[5]، وزجّهم في سجن المزّة العسكري، واغتيال محمد عمران في لبنان في 14/ آذار – مارس 1972، إضافة إلى اعتقال العديد من أنصار صلاح جديد بتهمة التآمر على النظام، وصلاح الدين البيطار الذي اغتيل بمسدس كاتم للصوت في فرنسا عام 1980، على باب الصحيفة التي أسسها "الإحياء العربي"[6]. وهو ما أسس لمرحلة اتسمت بما يلي:
- اختزال العمل السياسي في سوريا بـ "حزب البعث".
- اختزال "حزب البعث" في قيادة موالية لأمينه العام.
- تضخيم الأجهزة الأمنيّة، وتسرطنها، وهيمنتها على كافة مناحي الحياة المؤسسيّة والاجتماعيّة في سوريا.
- فقدان الحزب لوظيفته السياسيّة وتحوله لهيكليّة تنظيميّة بحتة.
- استنقاع المجتمع السوري، وتحويل مؤسسات "الدولة" إلى دكاكين لتأمين متطلبات معيشة الحدّ الأدنى لجهازها الحزبي المدني ومحيطه، ومستودعات لاستيعاب الفائض من العمالة، ولمطابخ إعادة إنتاج الفساد في البنيّة التحتيّة للسلطة الحاكمة ضماناً لديمومتها واستمراريّتها.
- قوننة آليّات السيطرة، بما يساهم في تهميش وإقصاء كلّ الفعاليّات الاجتماعيّة عن مجالها الحيوي.
وعلى هذا الأساس، وسعياً لاحتكار السلطة ومصادرها، أُخضعت كافة المؤسسات في المجتمع لخدمة السلطة الجديدة التي أتى بها الانقلاب، إذ إنّها من أجل ذلك، عملت على تفريغ مؤسسات المجتمع المدني الحديثة من محتواها الحقيقي (المادي)، وعَبّدت طريقاً للمجتمع السوري للانكفاء والعودة (التقوقع) إلى الحالة العشائرية والقبلية[7]، وهو ما نلتمسه بكلّ فجاجة في انتخابات ما يسمّى (مجلس الشعب) من محاصصات، على مرّ العقود في تاريخ سوريا منذ نشوء هذا المجلس عام 1971، كـ "مؤسسّة" تمثّل السلطة التشريعيّة (شكليّاً) في البلاد حتى الآن.
وكرّس الدستور السوري لعام 1973، نظاماً رئاسيّاً استثنائيّاً، بحيث تكون صلاحيات رئيس الجمهوريّة شبه مطلقة، إن لم نقل مطلقة. فعلى سبيل المثال لا الحصر نلاحظ:
في المادة الثامنة من دستور 1973، نجد بأنّ:" حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة، ويقود جبهة وطنيّة تقدميّة تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب، ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربيّة".
حيث قوننت هذه المادة تفرد حزب البعث في قيادة "الدولة والمجتمع و"الجبهة الوطنيّة التقدميّة". هذا من جهة، ومن جهة أخرى فرئيس الدولة هو الأمين العام لحزب البعث،
وفي المادة المئة: "يعلن رئيس الجمهوريّة الحرب والتعبئة العامة..".
وفي المادة مئة وواحد: "يعلن رئيس الجمهوريّة حالة الطوارئ، ويلغيها على الوجه المُبيّن في القانون".
وفي المادة مئة وثلاثة: "رئيس الجمهوريّة هو القائد الأعلى للجيش، والقوّات المسلّحة ويصدر جميع القرارات، والأوامر اللازمة لممارسة هذه السلطة، وله حقّ التفويض ببعض هذه السلطات".
وفي المادة مئة وسبعة: "لرئيس الجمهوريّة أن يحلّ مجلس الشعب بقرار معلّل يصدر عنه".
وفي المادة مئة وإحدى عشر:"
1- يتولّى رئيس الجمهوريّة سلطة التشريع خارج انعقاد دورات مجلس الشعب....
2 - يتولّى رئيس الجمهوريّة سلطة التشريع أثناء انعقاد دورات المجلس إذا استدعت ذلك الضرورة القصوى المتعلّقة بمصالح البلاد القوميّة أو بمقتضيات الأمن القومي...
4- يتولّى رئيس الجمهوريّة سلطة التشريع في المدّة الفاصلة بين ولايتيّ مجلِسَين ولا تعرض هذه التشريعات على مجلس الشعب، ويكون حكمها في التعديل، أو الإلغاء حكم القوانين النافذة.".
وفي المادة المئة والثانية والثلاثون." يرأس رئيس الجمهوريّة مجلس القضاء الأعلى ويبيّن القانون طريقة تشكيله واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه." [8].
إضافة إلى كونه رئيس "الجبهة الوطنيّة التقدميّة" التي تضم الأحزاب السياسيّة المنضويّة تحت سقفها، و(منظّمات المجتمع المدني، من نقابات وجمعيّات)[9]. فماذا تبقّى..؟
[1] - راجع كتاب :بشير زين الدين ، الجيش والسياسة في سورية ، 1918 – 2000، دار الجابية – الطبعة الأولى 2008.
[2] - راجع موقع المعرفة / سليم حاطوم، بقلم مروان حبش/ على الرابط التالي:
https://www.marefa.org/%D8%B3%D9%84%D9%8A%D9%85_%D8%AD%D8%A7%D8%B7%D9%88%D9%85
[3] - راجع: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD_%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF
[4] - راجع: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D9%88%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AA%D8%A7%D8%B3%D9%8A
[5] - راجع: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%8A%D9%88%D8%B3%D9%81_%D8%B2%D8%B9%D9%8A%D9%86
[6] - راجع: https://www.marefa.org/%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D8%B1
[7] - راجع كتاب: خلدون حسن النقيب، الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت- لبنان، الطبعة الثانية 1996.
[8] - راجع دستور سورية لعام 1973.
[9] - راجع الجبهة الوطنية التقدمية (سورية) على الرابط التالي:
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A8%D9%87%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%AF%D9%85%D9%8A%D8%A9_(%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7)