info@suwar-magazine.org

حكايات من تحت (جسر المعتقلين)

حكايات من تحت (جسر المعتقلين)
Whatsapp
Facebook Share

 

"جسر المعتقلين" هو الاسم الذي أطلقه ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي على جسر الرئيس، وسط العاصمة دمشق، بعد أن تحوّل في الأيام الماضية لمكان يتجمّع فيه ذوو المعتقلين، والذين روّج النظام لأخبار بالإفراج عن المعتقلين بعد قرار "العفو" عن "الجرائم الإرهابية" والذي صدر منذ أيام، هذا الانتظار هو محاولة جديدة لتعذيب المواطنين ودفعهم للتجمّع والانتظار لساعات دون جدوى.

 

هذا المشهد لن تراه سوى في سوريا، أساليب جديدة لإذلال المواطنين، حيث العشرات من السوريين متجمّعون قرب جسر الرئيس الحيوي وسط العاصمة، ومعظم المتجمّعين هناك هم أمهات ينتظرن أبنائهنّ وآباء وزوجات وأخوة؛ حالة من الانتظار لساعات طويلة لمواطنين ليس من دمشق فحسب بل إنّ بعضهم قدِم من محافظات أخرى، وسط فوضى عارمة مع غياب آلية واضحة من قبل النظام للمفرج عنهم أو صدور أي قوائم رسمية بأسمائهم، وهذا ما جعل ذوي المعتقلين يخرجون إلى الشوارع للانتظار على أمل أن يتم الإفراج عن أبنائهم.

 

حكايات تحت "جسر المعتقلين"

 

"أعلم أنّ زوجي متوفى، فلديه وضع صحيّ يجعل حياته مستحيلة في المُعتقل، لا أظن بأنّه قد يصمد لفترة طويلة منذ ثمان سنوات، حين تم اعتقاله، وقد استلمت شهادة وفاته منذ أعوام، أنا هنا انتظره لأقنع أطفالي عند عودتي بأنّه غير موجود".

 

سيّدة في الثلاثينات من عمرها تجلس منتظرة زوجاً تعرف حق اليقين أنّهم ميت، إلا أنّها تنتظر ضمن الجموع، فأبناؤها والذين لا يعرفون والدهم يصرّون عليها أن تأتي وتنتظر.

 

هذه حكاية واحدة من آلاف الحكايا التي تتشابه في كثير من تفاصيلها رغم خصوصية كلّ حكاية منها. نساء في جلهنّ في الخمسين من العمر، أمهات يجلسن لساعات دون تململ يتبادلن حكايات أبنائهن والصور، تقول سيدة خمسينية:

"لقد أعطوني شهادة وفاة ابني في العام ٢٠١٥، لكنّهم لم يعطوني هويته وأغراضه، ولا أملك دليلاً على أنّه متوفي، لذلك سأبقى هنا انتظر خروجه".

 

سيدة أخرى جاءت مساء الثلاثاء من مدينة حلب، لتنتظر مع المنتظرين في الحديقة قرب الجسر، حتى يخرج ابنها، لا مكان تأوي إليه تصر على البقاء والانتظار.

 

سيدة في الستين من العمر تتحدّث كيف أنّها استطاعت بعد عدة محاولات زيارة ابنها في السجن، لكنها لم تتعرّف عليه في البداية. تقول:

 

"لم أستطع أن أتعرّف عليه، حتى قالوا لي هذا ابنك، أعادوه لي طفلاً صغيراً، وبعدها سألت عنه عدة مرات فقالوا لي أنه توفي، ولكنّني سأنتظره، فأنا لا أصدق ذلك".

 

 تبدو الأمهات وكأنّهن لا يفكرن بالذهاب لأي مكان قبل رؤية أبنائهن، تجلس بعضهن يتجاذبن أطراف الحديث وأخريات ينتظرن بصمت. ما يدفع هذه الجموع للقدوم هنا عدة أسباب؛ فالبعض يخاف من أن يخرج ابنهم فاقداً للذاكرة ولا يتعرّف على طريق منزله، وآخرون يقولون بأنّ منازلهم دمّرت جرّاء الحرب وخرجوا منها ولن يعرف أبناؤهم مكان سكنهم الجديد لذا ينتظرونهم هنا.

 

 فتاة تسير بين الجموع وبيدها صورة لأحد المُفرج عنهم ممن فقد ذاكرته، تقول بأنه يشبه أخاها وتريد أن تراه ولا تجده، فيما تتحدّث أخرى عن تغييب أبيها وأخيها داخل معتقلات النظام، وبأنهم تلقّوا شهادة وفاة لأبيها بينما تنتظر خروج أخيها. سيدات قضين يومين في الانتظار ينمن في الحديقة هُناك مفترشات الأرض، الغالبية منهن جلبن معهن طعامه وشرابه لقضاء أكبر وقت ممكن.

 

معلومات وهمية

 

بالإضافة لعدم وجود أيّة معلومات عن المعتقلين، فإنّ الغالبية العظمى من المنتظرين/ات حصلوا على شهادات وفاة لأبنائهم أو أزواجهم في العام ٢٠١٥ تحديداً، وفي رواية أخرى فإنّ كلّ شخص كان يسأل عن معتقل في سجن صيدنايا كانوا يعطونه شهادة وفاة، مع أخبار متداولة عن خروج معتقلين كانت قد أرسلت شهادات وفاة لذويهم. تختلف الأخبار عن المعتقلين بين ساعة وأخرى، فالبعض يقول أنّهم يمثلون أمام القضاء العسكري، وآخرون يقولون بأنّهم سيتركونهم تحت الجسر عند إخراجهم، فيما يتوجه البعض إلى صيدنايا الذي يعجّ أيضاً بالمنتظرين.

 

جميع ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي عن المُفرج عنهم، والقوائم بأسمائهم هي أخبار كاذبة، فلم يصل أحد من المُفرج عنهم حتى الآن إلى مكان التجمّع هذا، أما الخبر المؤكد فهو أنّ سبعة معتقلين "حسب مقربين منهم" قد أُفرج عنهم يوم الاثنين، تم نقلهم بسيارة عسكرية من السجن ووضعهم عند "دوار صيدنايا" ومن هناك ساعدهم بعض السكان ليصلوا إلى عوائلهم، وغالبيتهم من مدينة درعا، فيما نُشرت صور لأشخاص فاقدين لذاكرة ولم يستطيعوا الوصول لذويهم.

 

وحسب أقوال بعض الموجودين في هذا التجمّع فإنّ المٌفرج عنهم لم يتعرفوا إلى أيّ اسم تم سؤالهم عنه أو صورة لمعتقلين آخرين، وما يقولونه هو أنّهم لا يعرفون أحداً ولا يتذكرون شيء.

 

بعد أيام من انتظار الأهالي في الشوارع أصدرت وزارة العدل يوم أمس بياناً تطالب فيه الأهالي بالعودة إلى منازلهم، مبيّنة أنّ عملية الإفراج تتم بعد إنهاء الإجراءات القانونية، وسيفرج عن المعتقلين على دفعات متتالية وأن المفرج عنهم لن يوضعوا في أي مكان من أماكن التجمّعات، ولم تذكر أية تفاصيل أخرى بخصوص الأسماء أو عدد المفرج عنهم، في خطوة لا تتضح درجة مصداقيتها، أو النية لفتح ملف المعتقلين بشكل جدي والإفراج عنهم بعد سنوات من التغييب القسري، ودون أية مراعاة لمشاعر الأهالي الذين انتظروا أولادهم لسنوات على أمل أن يروهم في هذا "العفو".

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard