info@suwar-magazine.org

قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار

قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار
Whatsapp
Facebook Share

 

هذه المقولة التي يرددها الإسلاميون في كل صراع عسكري يفجرونه داخل مجتمعاتهم على شكل حروب أهلية بين مؤمنين وكفار، أو خارجها بينها وبين آخرين "كفار" مختلفين عنهم في الدين أو الطائفة أو في مجرد وجهة نظر. وهي في الحقيقة ترجمة فجة ومباشرة وغبية أيضاً للممارسات التي يرتكبها بعض "الآخر" غرباً وشرقاً، لكن دون جعجعة ودون تبريرات دينية، بل يغلفها بشعارات الديمقراطية والتمدن وحقوق الإنسان.

هناك حدث مشتعل الآن في فلسطين، هو مشتعل منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948، لكنه يمرّ الآن بلحظة من لحظات الانفجار القصوى العديدة خلال تاريخه.

 

التكرار الذي لم يتعلم منه أحد

السيناريو المعاد ذاته منذ أن أنشبت إيران مخالبها في دول المنطقة (لبنان، سورية، العراق، اليمن، فلسطين. . . ..): التنظيمات الجهادية، الممولة من إيران وقطر بشكل رئيسي، في قطاع الذي احتلته حماس عام 2007 وطردت قوات السلطة الفلسطينية وفصائل منظمة التحرير، إذ كانت تديره السلطة الفلسطينية منذ اتفاق أوسلو عام 1993.

 

تقوم هذه الفصائل، بهجوم مباغت في السابع من تشرين الأول 2023  على مستوطنات غلاف غزة ومواقع عسكرية إسرائيلية محاذية تقتل وتخطف المئات من المدنيين والعسكريين الإسرائيليين بما شكل صدمة مروعة في الكيان والمجتمع الإسرائيلي، وتحتفل بـ"نصرها المؤزر" مع الملايين الذين ينتظرون بارقة أمل في انتصار مهما بدا هزيلاً، ليحتفلوا ويُخرِسوا كل صوت عاقل ينبِّه إلى خطورة هذه المغامرة ،والعلقم الذي سيذيقه المحتل الإسرائيلي لشعب غزة وأطفالها ونسائها ما بعد "النصر" العابر، فيما سيختبئ المقاتلون في أنفاقهم، والقيادات في فنادقها، ويكَفِّروا كل من ينبه إلى وهم هذا "النصر" وتداعياته.

 

الهجوم المباغت، أو الذي بدا مباغتاً، يذكِّر بحرب تشرين "التحريرية" التي لم تحرِّر شيئاً في الواقع، بل خسرت الدولتان اللتان ما زالتا تحتفلان بذلك "النصر"، مصر وسورية، أراضٍ جديدة في النتيجة النهائية للحرب التي دامت أياماً كما كل حروب إسرائيل مع الأنظمة العربية.

 

"نصر" غزة لم يدم يومين أو ثلاثة، ثم راحت السكرة وظهرت الفكرة، إذ استعادت إسرائيل أنفاسها سريعا وسلَّطت على أهل غزة المدنيين كل ترسانتها التدميرية وما زالت المذبحة مستمرة، ما زالت محرقة "طوفان الأقصى"، وهو الاسم الذي أطلقته حماس على العملية، مستمرة في الإجهاز على آخر معالم الحياة في قطاع غزة، فيما قادة حماس والجهاد في فنادقهم الفخمة في قطر وإيران، أو داخل حصونهم تحت الأرض. بانتظار انتهاء هذه الجولة من الدم والخسائر الفادحة، ليخرجوا إلى الضوء معلنين انتصارهم مهما كانت النتائج، وليحتفلوا مع محورهم المسمى محور الممانعة أو المقاومة بـ"النصر الإلهي" مقدمين أنواعاً جديدة من المخدرات لشعوب أدمنت العيش على وهم انتصار لم يأت.

  

اقرأ أيضاً:

 

        العشوائيات... مصانع العنف الراكدة

 

ما زال إعلام محور الممانعة، والبروباغاندا الإسلامية، يلوك مقولة: قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، ويجري تزيين الموت بما فيه جثث الأطفال الممزقة، والاحتفال به بطريقة بشعة ومقيتة وبدائية تعيد إلى الأذهان ممارسات الهنود الحمر في آخر معاركهم مع الغزو الأوربي لبلادهم، ذك الغزو الذي أبادهم وحوّل السكان الأصليين إلى "كائنات متحفية" يعيش الناجون منهم في معازل كشهود على أشنع مذبحة ارتكبت في التاريخ الإنساني.

يحتفل الأولاد باستشهاد أبيهم، ويوزعون الحلوى احتفالا بدخوله الجنة، بل يجري توديع آلاف الأطفال الضحايا بالمقولة ذاتها: عصافير الجنة!!!

 

الغرب وصناعة العدو

فيما الإعلام الغربي يعيد ويكرر المقولة التي يحفظها جيداً: الحرب على الإرهاب، الكليشة التي بررّ بها الغرب تدمير بلدان بكاملها وإعادتها إلى كهوف التاريخ، لننظر إلى أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا، حيث استوطن وحش الإرهاب الإسلامي وجرى استثماره جيداً في تدمير هذه البلدان والمجتمعات عن بكرة أبيها دون أن يرف لقادة الغرب الذين يرددون ليل نهار مقولات الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني.

 

ويجري تبرير هذه المحارق والمجازر بأنها من أجل إرساء الديمقراطية في هذه المجتمعات المبتلاة  بالفقر الموَلِّد للتطرف والتخلف والإرهاب الديني المنفلت من عقاله، انظروا إلى أفغانستان بعد كل هذه الدماء، من يحكمها الآن بالتوافق مع أمريكا والغرب؟؟

 

إنها طالبان وقادتها الإرهابيون فعلاً الذين يُستقبلون في العواصم الغربية كقادة وزعماء سياسيين ومسؤولين رسميين، بعد أن شيطنهم الغرب، وصبّ حمم طائراته على أفغانستان لعقود وقتل مئات الآلاف من الأبرياء، ودمّر البنية التحتية الهشة أساساً، فيما خرج الوحش الطالباني ليجلس على كرسي الحكم في كابول.

 

أما بالنسبة لمئات آلاف الضحايا فإنهم ضريبة إقامة الجنة الديمقراطية على الأرض في البروباغندا الغربية، بينما تعيد الأيدولوجيا الإسلامية مقولتها البائسة "قتلانا في الجنة".

إنها الترجمة العربية الإسلامية لمقولة صراع الحضارات التي نظّر لها فوكوياما، نحن أو هم، نحن إن متنا فشهداء إلى الجنة، وان عشنا فسنكون رعايا للخلافة الإسلامية الموعودة.

 

بالإنكليزية تصبح الحالة ذاتها لكن بمنطق آخر، هؤلاء الناس ميتون في الحياة في ظل طغيان الإرهاب الديني على مجتمعاتهم، وحرمانها من التعليم والمجتمع المدني والصحة والخدمات، وكل مقوّمات الحياة العصرية، فليموتوا إذن من أجل أن تتحرر مجتمعاتهم من سيطرة الإرهابيين الذين يتم إعادة تدويرهم دورياً، وتسليمهم السلطة بانتخابات ديمقراطية طبعاً.

وهذه الفكرة تشبه إلى حد بعيد ما يطرحه الإسلاميون عبر مقولة إنَّ الحكّام الظُلّام يحتمون بمن يسمون بالأغلبية الصامتة التي تعيش حياتها اليومية في ظل الحاكم الضال الكافر الطاغية دون أن تنخرط في "الجهاد" الذي هو "فرض عين" في نظرهم، يجب أن يمارسه كل أفراد المجتمع، لذلك فإنّ أي عملٍ عنفي يؤدي إلى قتل هؤلاء المدنيين مبرر شرعاً لأنهم يشكلون دريئة يحتمي بها الحاكم وجنده من "المجاهدين".

 

 تجارب أفغانستان والعراق وليبيا ماثلة أمامنا، فمن يحكم العراق الآن ليسوا أولئك الحالمين ببلد ديمقراطي متحرر من الدكتاتورية والخرافات والطائفية، بل هم ذاتهم ميليشيات العنف الديني والحقد الطائفي والموالون للعدو الافتراضي لأمريكا التي غزت العراق واستنزفته لتسلمه إلى رجال الولي الفقيه!!، حتى بات العراقيون يتحسرون على أيام حكم الدكتاتور المخلوع صدام حسين! كما يتحسر الليبيون على الدكتاتور المهووس بالسلطة والمريض بجنون العظمة الذي حكمهم بمزاجه أربعة عقود، معمر القذافي.

 

الثنائيات القاتلة

الفكرة أساساً هي في استثمار مقولات حقوق الإنسان من قبل الساسة لتحقيق ما يريدونه، فلا توجد منظومة حقوقية أو إنسانية تبرر القتل كائنا من كانت الضحية، والنفس البشرية أثمن ما في الوجود، وحياة الإنسان هي أقدس الحقوق التي لا يجوز الاعتداء عليها وإنهاؤها تحت أي مبرر أو شعار.

 

هذه الفكرة الصحيحة منذ بداية وجود البشرية يجري الالتفاف عليها، ليصبح هناك قتل جيد وقتل سيء، قتيل يجري تسليط الضوء عليه وعلى إجرام القتلة، وآخر يجري التعتيم عليه وتبرير قتله.

 

إنها الثنائيات القاتلة التي تميز بين ضحية وأخرى حسب لونها أو جنسيتها أو معتقدها، تصنف الضحية حسب المجتمع الذي تنتمي إليه ولادةً لا اختياراً، حسب البيئة التي خلق وعاش فيها وتشرّب ثقافتها ورؤاها للحياة والكون.

 

إنها فكرة واحدة  في الحقيقة تصاغ بمقولات تبدو متناقضة في الظاهر، لكنها تلتقي في البؤرة ذاتها: تشريع القتل، بل وتمجيده لدى الأيديولوجيات الدينية الغارقة في التطرف والظلام، تؤازرها وتعاضدها حكومات غربية أعمت بصيرتها المصالح وعقد الذنب التاريخية والخشية من عودة النازية والفاشية وإن بتسميات جديدة وأزياء جديدة، خصوصاً مع تدفق ملايين اللاجئين إلى أوربا، وشكّلوا جاليات مغلقة على نفسها وعاداتها وخرافاتها، بل إنّ كثيراً من الإسلاميين يرون في هذا التدفق المليوني للهاربين من الموت والخراب الذي أنتجوه في مجتمعاتهم "فتحاً" إسلامياً جديداً أين منه "فتح" الأندلس.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard