هناء: حكاية شغف وتحدي لـسفيرة الأشخاص ذوي الإعاقة
هناء أحمد ذات ال 42عاماً امرأة شغوفة بالحياة رغم حالتها الصحية المستدامة، تحدت المجتمع وجعلت حياتها كما تريد رغم قيام الكثيرين بإبعادها عن المجتمع ووصمها كما يريدون.
ولدت هناء مصابة بخلل ولادي وبعد عدة عمليات جراحية تقلص حجم الأمل طبياً بعدم قدرتها على المشي بشكل طبيعي وأصبحت إعاقتها مستدامة لكنها اندمجت مع إعاقتها بحب وكلما كبرت كبر معها عشقها للحياة.
كانت حالة هناء كحال المئات من الإعاقات الجسدية غير قادرة على التعبير عن مكنوناتها وعن ذواتها بسبب ما يتعرضون له من تنميط مجتمعي مؤطر بعدم قدرتهم على تحقيق ذواتهم، بسبب حالتهم الصحية المستدامة، مما خلقت لديها فوبيا من التفكير بالذات وتطويره وإثباته لدرجة باتت تخشى إبداء رأيها بأي أمرٍ كان تحسباً للتنمر من قبل النفوس المريضة التي تتماشى مع المعايير الموضوعة من قبل بعض الفئات المجتمعية المنتهِكة لحقوق الإنسان دون أدنى مراعاةٍ لمشاعر هذه الفئة المهمّشة والتي وإلى الآن لم تحصل على أدنى استحقاقاتها.
لكن هناء استطاعت أن تتغلب على الصعاب وتتحدى المجتمع ولم تسمح لاحد أن يمس خصوصيتها وحالتها الصحية، الأمر الذي خلق منها شخصية آخرى غير التي كانت عليها وأثبتت أن الإعاقة ليست بالجسد بل بالفكر، وباتت هذه الشخصية هي مَنْ تقتحم عقول من حولها وقلوبهم بما تحققه من إنجازات وإبداعات على المستويين الشخصي و المهني.
التحقت هناء بالمدرسة ومارست كافة أنواع الأنشطة بصورة جماعية مع أقرانها من الأسوياء واستكملت تعليمها الجامعي بتخصص علم الاجتماع متمكنةً بذلك وخلال مراحل حياتها التعليمية من تعلم الكثير من المهارات الشخصية والتعليمية وكسر الصورة النمطية والتصورات السلبية عن الفئة تلك، وهنا برز دورها في الحد أو التخفيف من النظرة الدونية لذوي الإعاقة وتغيير النظرة المجتمعية لهم من خلال تفاعلها بسياق أكثر إيجابيةً وبذلك تكون قد فرضت على المجتمع إعادة النظر بنظرتهم عن هذه الفئة التي بإمكانها القيام بأشياء لا يمكن للأشخاص الطبيعيين فعله.
اقرأ أيضاً:
من الإعاقة إلى الانجاز
عام 2023م أسست هناء مع مجموعة من صديقاتها وأصدقائها جمعية خاصة لمناصرة ذوي الإعاقات المختلفة ومن مناطق ومكونات مختلفة أيضاً باسم "جمعية السفراء للأشخاص ذوي الإعاقة" والآن تستعد للقيام بمبادرة تتضمن خارطة خدمات وجلسات توعوية ومنتدى ختامي ووقفة تضامنية بالإضافة الى مشاركتها في بعض المؤتمرات الدولية تخص ذوي الإعاقة، و بعدها تمكنت من القيام بورشة تدريبية تحت عنوان "الإعاقة والعمر" بحضور الإعلاميين و نشطاء المجتمع المدني والفاعلي، بالإضافة إلى تأهيل حديقة للأشخاص ذوي الإعاقة حسب المعايير الدولية وذلك بعد حضورها ورشة تدريبية عن المواطنة الفاعلة.
عملت هناء في مجال تمكين المرأة وتعزيز قدرات الشباب كما أنها باتت خلال السنوات السابقة منسقة لإحدى المشاريع ضمن مهرجان السلام، بالإضافة إلى حضورها المنتديات و النشاطات في المنطقة كمتحدثة باسم الأشخاص ذوي الإعاقة للمطالبة بحقوق هذه الفئة ومناصرتهم من خلال إصدار قوانين خاصة بهم وأن يمثلوا أنفسهم ضمن المجلس التشريعي كونها السلطة التي تصدر القوانين بالإضافة إلى تهيئة المراكز الثقافية والخدمية لهم كما أنشأت ورشة للأعمال اليدوية في الفترة السابقة. فازت هناء بجوائز عدة مع منظمات دولية ومحلية كـ منظمة (Orange) ومركز مالفا للثقافة والفنون.
تقول جوزفين إحدى الصديقات المقربات من هناء معبرةً عن سعادتها بشخصيتها القوية "لطالما اعتبرنا الإعاقة الجسدية إعاقة ولم ندرك أن الإعاقة هي إعاقة عقلية ولكن كان هذا الشيء مخالف ومناقض تماماً لشخصية هناء، الشخصية المناضلة و صاحبة الكفاح والروح الجميلة رغم نظرة الناس لها بالنقيض، كما أنها تملك حس الفكاهة وقوة الشخصية التي تجعلها تستمر وتحقق الكثير الكثير."
شعرها البني المنسدل على كتفيها وبابتسامة ترسم شفتيها الممزوجتين باللون الوردي تقول مستهزئةً من هذا الواقع:" إنني أصارع هذه الحياة مذ خلقت، كنت أتساءل دائما، لماذا هذا الوجود غير العادل، لماذا لا أكون كما غيري بكامل صحتي الجسدية دون إعاقة؟ "
معظم من حولها بسطاء ويسكنهم الحب والكثير من الأشياء الأخرى الجميلة التي يرددونها على مسامعها لكن قلة قليلة جداً من يفعلها لها بشكل حقيقي، تقول هناء بأسفٍ والحزن يخيِّم على وجنتيها الورديتين ويجعلها في حالة ترقب دائمة لتصرفات من حولها: "طالما تعوَّدت أن أمارس حياتي المعقدة بالطريقة التي أريدها وبحب"
هناء من الشخصيات التي تتمسك الحياة ومن أجل ذلك تخوض صراع دائم مع الذات ومع المحيط وتمتلك عزيمة وإصرار بلا حدود لتحقيق ذاتها، وانخراطها بمجالات عدة بالمجتمع ودعمها للمشاريع التي تسلط الضوء على أصحاب ذوي الإعاقة والهمم في المنطقة والمساهمة في دفعهم للمشاركة في الزوايا التي تدعمهم معنويا حتى ولو كلفهم ذلك جهداً بدنياً يعيد طاقاتهم ليثبتوا للعالم أنهم أشخاص أسوياء كما غيرهم وأنها الطريقة الوحيدة بل وتعتبر طوق نجاة لكل أمر سيء مر ويمر بهم.
تتذكر هناء أيام طفولتها القاسية التي حرمتها من ممارسة أبسط حقوقها الطبيعية بقولها " تعرضت للكثير من التنمر من مجتمعي وصديقاتي وأصدقائي، كلّ شيء وراء الكواليس صعب للغاية ولا يدركه أحد وحياتي كانت صعبة عندما بدأت أدرك كل شيء من حولي ، ولكنني كنت أحاول الخروج بصورة طبيعية وأن لا أعير أي اهتمام لما يقولونه ويفعلونه، وأن هناك أشياء في الخفايا تجعل حياتي ألطف وأجمل فلماذا أجعلهم ينالون مني ومن طموحاتي"
شغف هناء وحبها للحياة تجعل نظرتها مختلفة إلى الإعاقة فهي لا تعتبره كعامل سلبي يحد من همتها بل حافزاً للنجاح وأنّها ما دامت تتنفس فهي ستنجز الكثير ولن تسمح للكلمات السلبية أن توقعها في فخ التراجع أو الهزيمة.
تقول هناء مشيرةً بيدها اليمنى على نفسها: ""لم أعد أهاب الخوف الذي ظلّ يسكنني لفتراتٍ طويلة، وأتصدى له بكل ما أملك من قوة. لست مضطرةً لأن أكون دائمة الدفاع عن كل ما أفعله لإرضاء الآخرين، كما أنني غير مجبرةٍ على الانخراط معهم أو الاندماج في أفكارهم وتخيلاتهم الوهمية عن عالمي (الإعاقة) الصغير."
تجلس هناء بجانب زوجها هلبست مع ولديها دريا وبري تنظر إليه خلسةً باعثةً إليه نظرات مليئة بالحب كونه الشخص الأكثر إلهاماً لها في حياتها، وتحرص هناء الحفاظ على بيتها المتواضع وكيفية القيام بمهامها الأسرية والمهنية وتنظيمها لوقتها قائلةً: "رسالتي في هذه الحياة ليست فقط تحقيق ذاتي وإنّما أيضاً السعي لتحقيق التوازن المتكامل بين عملي وواجباتي تجاه عائلتي كأم وزوجة، عائلتي هي من تمدني بالقوة والأمل في هذه الحياة وهي مَن أوصلتني إلى الأماكن التي كنت أريد الوصول إليها سابقاً.
متابعةً الحديث " جميلةٌ هي الحياة عندما نفهمها بالطريقة التي نريد العيش بها ونواجه ما تعترضنا من صعوبات ومشاكل بالإرادة القوية، وأقولها وبفخر وأعاهد نفسي أنّني لن أستسلم وسأواصل مسير حياتي بالعزيمة التي أنا عليها الآن لأصبح مثلاً لأولادي ولهذه الفئة المهمّشة ".