info@suwar-magazine.org

دلفين طوبال: من مرارة النزوح إلى الريادة الثقافية في قامشلو

دلفين طوبال: من مرارة النزوح إلى الريادة الثقافية في قامشلو
Whatsapp
Facebook Share

 

"الخطوة التي تكون فيها بعيدة عن عفرين تعادل عمراً". هكذا تصف طوبال حزنها وحبها لمدينتها، حيث إن حجم الألم والخسارة هائلان. هربت طوبال مع عائلتها دون أن يعلموا إلى أين سيمضي بهم الدرب في تلك الليلة الموحشة، الباردة من يوم الجمعة في شهر آذار عام 2018، حين بدأت القوات التركية، برفقة فصائل مسلحة سورية موالية لها، باحتلال مدينة عفرين شمال غرب سوريا.

 

دلفين طوبال، ذات الـ 35 عاماً، نزحت مع عائلتها من مدينة عفرين بعد أن جمعوا ما توفر بين أيديهم من مستلزمات على عجل ورحلوا، ظنًّا منهم أنهم سيعودون بعد بضعة أيام فقط، حال انتهاء الأوضاع السيئة والاضطرابات الكارثية في عفرين.

 


في تلك الليلة، وعبر طريق محفوفة بالمخاطر، حيث مئات العائلات تهرب خوفاً من الحرب، في حيرة من أمرهم يتساءلون: إلى أين المفر؟ أُجبِروا على المبيت لساعات على جبل يسمى "جبل الأحلام"، ومروا على عدة قرى قريبة من مدينة حلب باحثين عن مأوى، حتى وصلوا إلى مدينة منبج وباتوا فيها ليلة واحدة، ثم قرروا التوجه إلى مدينة قامشلو نتيجة تقلص وضعف خيارات البقاء في مكان لم يعد آمناً على الإطلاق.

 

 

شغف النجاح رغم النزوح

 

دلفين طوبال، امرأة طموحة لا تعرف اليأس، كانت تعمل في عفرين كإدارية في مؤسسة اللغة الكردية بعد تخرجها من الأكاديمية الخاصة بتعليم اللغة. عملت على تدريس اللغة الكردية لأبناء بلدتها والقرى التابعة لها آنذاك، وبسبب شغفها واهتمامها بالكتب وحبها للغة الكردية، كتبت للأطفال كتاباً بعنوان "تعليم اللغة الكردية". بالإضافة إلى ذلك، كانت تدرس في جامعة حلب التجارة والاقتصاد، تخصص إدارة المشاريع، لكنها توقفت عن استكمال دراستها بسبب أوضاع الحرب.

 

بدأت طوبال حياة جديدة برفقة زوجها وولديها ألند وشان، وبعد شهرين من استقرارها في قامشلو، عملت على تأسيس مكتبة للكتب الورقية باسم "مكتبة أمارا"، وذلك بدعم من هيئة الثقافة التابعة للإدارة الذاتية. ولأن طموحها لا يعرف الحدود، عملت طوبال على تأسيس دار نشر باسم "ميزوبوتاميا" بعد حصولها على شهادة خبرة في إدارة المكتبات من اتحاد الناشرين السوريين عام 2020م، حيث تقوم من خلالها بطباعة ونشر كتب عن التاريخ والثقافة الكردية باللغة العربية منذ عام 2018م وحتى الآن.

 

تعتبر طوبال مشروعها أفضل ما حصل معها خلال سنوات الحرب. وعن ذلك تقول: "بالنسبة لي، أفضل مشروع تم البدء به في شمال شرق سوريا لتقديم خدمات القراءة والمطالعة وأيضاً الكتابة أحياناً".

 

اقرأ أيضاً:

 

                  هناء: حكاية شغف وتحدي لـسفيرة الأشخاص ذوي الإعاقة

 


وتوفر مكتبة أمارا العديد من الخدمات لروادها والمهتمين، بحسب طوبال، إذ توفر المكتبة لهم مكاناً خاصاً هادئاً بعيداً عن أجواء المقاهي والأماكن العامة الأخرى الصاخبة، بالإضافة إلى المساعدة في تأمين ما يحتاجونه من كتب، أو حتى الاستعانة ببعض الكتاب الرواد للمكتبة في سبيل توسيع دائرة الاطلاع والقراءة والتفاعل فيما بين الرواد، وخاصة بين الشباب، وتأمين مراجع للقراء من كافة أنحاء العالم وفي كافة المجالات والتخصصات. كما تسهم في تغيير نفسية الناس بعيداً عن أجواء الحرب والظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية السيئة التي يمرون بها.

 

هذه الخدمات جعلت مكتبة أمارا من بين أفضل المكتبات في قامشلو، والتي تضم حوالي 25 ألف عنوان للكتب باللغات الكردية، العربية، الإنجليزية، الفرنسية، والتركية. كما تنسق العديد من النشاطات والفعاليات الأدبية مثل حضور المعارض

 

تحاول طوبال أن تخلق حالة من التوازن بين عملها في الشأن الثقافي والنشر ومهامها الأسرية والاجتماعية كأم وامرأة عاملة في المجتمع الجديد المضيف، مثلها مثل العديد من النساء العفرينيات اللواتي تلتقيهن. تقول طوبال: "رغم الظروف القاسية التي مررنا ونمر بها، إلا أنني أتولى القيام بمهامي كأم وامرأة عاملة وكأنهما في إطار واحد، لأكون نموذجاً يُحتذى به لكل النساء العفرينيات، وأن نكون قادرات على تقديم الدعم لبعضنا البعض. إضافة إلى ذلك، أمارس عملي في نشر وطباعة الكتب وإدارة مكتبة أمارا في الوقت نفسه. والأمر الذي ساعدني على ذلك هو تعاون ومحبة وتعامل المجتمع المضيف في قامشلو، مما خفف عني الكثير من الأعباء النفسية والمهنية والأسرية ."

 

 

 

تجلس دلفين على طاولة مكتبتها وهي تسترق النظر إلى صور مدينتها عفرين داخل هاتفها المحمول، فتقول: "هذه الصور تعيدني إلى ذات اللحظة التي كنت أتنفسها في عفرين، فهي ليست مجرد صور فقط، بل إنها مرآة لكل ما يسكنني. ربما في يومٍ ما، عندما تتحرر عفرين وتعود كما كانت، سنكون قادرين على رؤيتها مرةً أخرى... ربما. الخيبات قتلت فينا إحساساً كان يوماً ما جميلاً، لكنني، ورغم صعوبة الموقف، لم أعرف الاستسلام هنا. فالحياة مستمرة، ويتوجب علينا أن نكون أقوياء. بدأت رحلتي الجديدة، ولحسن الحظ، التقيت بمن هم الأنقى وبجانبي دائماً."

 

زين، إحدى الصديقات المقربات من طوبال، تقول: "دلفين نموذج المرأة العملية والناجحة رغم مرارة الظروف التي واجهتها. تملك كاريزما قوية، وإيجابية، وقوة داخلية هائلة تتجاوز من خلالها المصاعب. تشق طريقها بحب وإيمان عميقين، ودائمة السعي للتطوير الذاتي. لا أرى في شخصيتها تلك النازحة الضعيفة أو الضحية عديمة الثقة بالنفس، بل تعمل بجد وجدارة وإنجاز. بالإضافة إلى أسلوبها البسيط والسلس في التعامل، تتمتع بالتسامح والتعاون، وروحها الأنيقة تضفي الكثير من الجمال على شخصيتها."

 

 تعكس قصة دلفين طوبال، النازحة من عفرين، قوة الإرادة والإصرار على تحقيق النجاح رغم الظروف الصعبة والألم الذي يحمله البعد عن عفرين. فبينما تستمر الذكريات المؤلمة عن مدينتها وأرضها تلازمها، استطاعت تحويل ألمها إلى دافع للإنجاز. من خلال تأسيس مكتبة "أمارا" ودار نشر "ميزوبوتاميا"، لم تكتفِ طوبال بالبحث عن ملاذ شخصي، بل قدمت خدمة للمجتمع الذي احتضنها وساهمت في نشر الثقافة والمعرفة. قصتها هي تجسيد حي لقوة الإنسان في مواجهة المحن، ولقدرته على صناعة الأمل من بين الركام.

 

تقول طوبال: "حين نزحنا من عفرين، خسرنا روحنا وذواتنا، وأصبحت عفرين مكاناً آمناً للمحتلين. فمن سيعتذر لنا؟ هل من أحد يعي ما صرفناه من طاقة ومشاعر، وما لحق بنا من هدر للروح، ويعترف بما حدث لنا؟ لا أعتقد ذلك."

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard