info@suwar-magazine.org

أمراض وأوبئة تغزو الأرض والبشر.. انهيار النظام الصحي في سوريا

أمراض وأوبئة تغزو الأرض والبشر.. انهيار النظام الصحي في سوريا
Whatsapp
Facebook Share

شلل الأطفال والحصبة يعودان من جديدٍ إلى سوريا

 

- مساعدات الأمم المتحدة تذهب إلى النظام، ويُحرم منها نصف السكان على الأقلّ

- منظماتٌ صحيةٌ دوليةٌ تصف الوضع بالكارثيّ

- لا يمرّ أسبوعٌ دون تسجيل إصابةٍ بشلل الأطفال في سوريا

(1)

ليلى الحلبي

 

منذ خروج الكثير من المناطق عن سيطرة النظام، حرمت وزارة الصحة التابعة لحكومة الأسد هذه الأماكن من متطلبات الرعاية الأولية للطفولة. إذ تقتصر الوزارة على تقديم اللقاحات الطبية لنصف مساحة سوريا فقط. أما من حيث عدد المستفيدين فلا معلومات دقيقة، لكن الأرقام تتحدث عن أنّ هناك أكثر من 10 ملايين سوريٍّ، بين نازحٍ داخليٍّ ولاجئٍ خارجيٍّ، لا يستفيدون بأيّ شكلٍ من الأشكال من خدمات النظام. رغم ذلك كله، حصل النظام من الأمم المتحدة، في العام الماضي، على مساعداتٍ صحيةٍ، شملت نظرياً جميع سكان سوريا.

 

 

يقول الدكتور أسعد الحلبي لمجلة صور: "وزّعت الأمم المتحدة، عن طريق النظام، مساعداتٍ في قطاع المياه تبلغ ستة دولاراتٍ شهرياً. كما أعطته 30 دولاراً شهرياً عن كلّ طالبٍ في البلاد. هذه أرقامٌ صادمةٌ، وإحدى الفضائح الأخلاقية للمنظمات الدولية. فكيف توزّع كلّ هذه المساعدات للنظام، وهو يقصف المشافي الواقعة خارج سيطرته، ويقتل أيّ شخصٍ يقدّم الرعاية الصحّية لسكان هذه المناطق؟!".

 

أربع مناطق نفوذٍ تعيق الرعاية الصحّية

يزداد الوضع الأمنيّ تعقيداً في سوريا شيئاً فشيئاً، فالبلد أصبحت مقسّمةً إلى أربع مناطق نفوذٍ، يتقاسمها النظام والمعارضة وتنظيم الدولة الإسلامية وقوات حماية الشعب الكردية. ونتيجة الوضع الميدانيّ على الأرض، والقصف والحصار المستمرّ من قوّات النظام، أصبح انتقال المواد والبشر بين أجزاء سوريا أكثر صعوبةً. فحتى ينتقل الإنسان بين شقّي مدينة حلب الشرقيّ والغربيّ، مثلاً، يلزمه 12 ساعةً على أدنى تقدير. ويمرّ الطريق عبر ثلاث مناطق نفوذٍ (النظام والمعارضة وتنظيم الدولة). بينما كانت العملية تستغرق خمس دقائق سيراً على الأقدام.

 

 

يعدّ النظام المعيق الأوّل لوصول المساعدات الطبية، إذ يضيّق ويؤخّر مرور القوافل الطبية، حتى المرسلة منها إلى مناطق المعارضة من قبل الأمم المتحدة. بينما تسهّل قوات المعارضة مرور هذه القوافل باتجاه أهدافها. وتخضع القوافل الطبية المتوجهة من تركيا إلى مناطق نفوذ تنظيم "الدولة الإسلامية" للمصادرة، ويقوم التنظيم بتوزيعها وكأنه هو من جلبها، لكسب ولاء المواطنين.

 

جهودٌ كبيرةٌ لا تغطّي الحاجة

يبذل العاملون في الطواقم الطبية السورية جهوداً حثيثةً لتأمين الرعاية الصحّية الأولية، كاللقاحات. وتشير غالبية المنظمات الطبيّة إلى ضعف المنظومة الصحّية، رغم كلّ ما قُدِّم من مساعدات. ويصف الكثير منها الوضع بالكارثيّ. كما تشوب الجهودَ المقدّمةَ بعضُ الأخطاء، كان آخرها مقتل 15 طفلاً في ريف إدلب، جرّاء جرعاتٍ خاطئةٍ قُدّمت للأطفال. وكان تقييمٌ أجرته منظمة الصحّة العالمية قد خلص إلى أن السبب الأرجح للوفاة هو استخدامٌ خاطئٌ لعقارٍ يسمى "أتراكوريوم"، عوضاً عن المذيب الصحيح للقاح للحصبة. وأشار التقرير إلى أنه لا توجد أدلةٌ على أنّ اللقاح كان سبباً لهذا الحادث.

 

 

نظام الرصد الوبائيّ

بعد نضالٍ استمرّ لأكثر من عامٍ ونصف، تمكّنت المؤسسات الطبية السورية من الحصول على اللقاحات من منظمة الصحة العالمية، عن طريق الحكومة التركية، بعدما تعاظم خطر الإصابة بالحصبة وشلل الأطفال، إلى أعلى درجات الخطورة.

ومن أجل ذلك، شكّلت وحدة تنسيق الدعم شبكة رصدٍ وإنذارٍ مبكر، بالشراكة مع أهم المراكز الدولية لمكافحة الأوبئة، ومنظمة أطباء عبر القارات. وتعمل الشبكة على متابعة الأمراض والأوبئة، واستشعار ظهورها بشكلٍ مبكّر. فقد استطاعت رصد أمراضٍ كالسعال الديكيّ والحصبة والتهاب الكبد الوبائيّ، وسجّلت أول حالةٍ لشلل الأطفال بتاريخ 4/10/2013 بمحافظة دير الزور.

ومن متابعة تقارير الشبكة الأسبوعية يتبيّن أن إصابات شلل الأطفال تحدث بشكلٍ أسبوعيٍّ في سوريا. ولكن التقارير تطمْئن إلى أن عدد الحالات المسجلة، في جميع الأمراض الوبائية، هي ضمن الحدّ المعقول.

 

 

حقائق حول شلل الأطفال

يصيب هذا المرض الأطفال تحت سن الخمس سنوات، على الأغلب. وتؤدّي إصابةٌ واحدةٌ من أصل 200 حالة عدوى بالمرض إلى شللٍ عضال. ويلاقي ما يتراوح بين 5-10% من المصابين بالشلل حتفهم، نتيجة توقّف عضلاتهم التنفسية، حسب منظمة الصحة العالمية.

العلاج الوحيد للمرض هو إعطاء الجرعات المنتظمة من اللقاحات. إذ يعتبر شلل الأطفال من الأمراض الفيروسية شديدة العدوى، ويصيب الجهاز العصبيّ، وهو كفيلٌ بإحداث الشلل التامّ في غضون ساعات.

يدخل الفيروس جسم الإنسان عبر الفم ويتكاثر في الأمعاء. وتظهر الأعراض الأولى له على شكل حمّى وتعبٍ وصداعٍ وتقيّؤٍ وألمٍ في الأطراف.

 

 

حقائق حول الحصبة

الحصبة الألمانية مرضٌ فيروسيٌّ يصيب الأطفال والشباب. وعلاجه الوحيد هو اللقاحات. يبدأ المرض بالظهور عند الأطفال على شكل طفحٍ جلديٍّ، والتهابٍ في البلعوم، وارتفاعٍ في الحرارة. وتظهر أعراض المرض بعد التعرّض للفيروس، خلال 2-3 أسبوع، إذ يبدأ الطفح الجلديّ بالظهور على الوجه والعنق عادةً، ثم ينتشر في الأجزاء السفلية للجسم. وينبغي أن يُمنع الطفل من الذهاب إلى المدرسة حتى يتمّ شفاؤه من المرض.

عند البالغين، تصاب النساء بالحصبة أكثر من الرجال. وتبدأ أعراض المرض بالتهاب المفاصل وبآلامٍ متعدّدةٍ، تستمرّ من 3 إلى 10 أيام. وعند إصابة الحامل بالمرض فإن احتمال إصابة جنينها تبلغ 90%، مما يؤدّي إلى ولادته ميتاً أو إصابته بتشوهاتٍ خلقية. إذ يعاني الطفل المصاب بالحصبة الألمانية الخلقية من ضعفٍ في السمع والبصر، وعيوبٍ في القلب، وغيرها من حالات الإعاقة التي تلازمه طوال حياته، إضافةً إلى احتمال إصابته بالتوحّد والداء السكريّ واعتلالاتٍ في الغدّة الدرقية.

***

(2)

متلازمة الألم العضليّ المتفشيّ (الفيبروميالغيا).. أولى التداعيات النفسيّة للحرب على السوريين

 

ليليا نحاس

 

لم تقتصر آثار الحرب في سورية، حتى الآن، على إيقاع القتلى وإعاقة الآلاف، والتسبّب في تفشي الأمراض المعدية؛ إذ يعاني آلاف السوريين اليوم من اضطراباتٍ نفسيةٍ متعدّدة. وفي حين لا يشكّ العلماء في دور الحروب بالتسبّب بأمراضٍ نفسيةٍ وذهنيةٍ لمن يعيشون في ظلها، يكشف أطباء سوريون عن "متلازمة الألم العضليّ المتفشيّ" أو "الفيبروميلغيا"، كأولى التداعيات النفسية السائدة بين السوريين الذين عايشوا ظروف الحرب القاسية.

ويعاني مرضى هذه المتلازمة من آلامٍ مفصلية (عضلية-عظمية)، وإعياءٍ وتعبٍ شديدٍ، يترافق مع اضطراباتٍ في النوم، ما يؤثر على حياة المرضى المهنية والاجتماعية والعائلية، ويرميهم في متاهة البحث عن السبب، وتحرّي وجود عللٍ جسديةٍ أخرى، ليقضوا مدّةً طويلةً يتنقّلون بين طبيبٍ وآخر، ويجرون عشرات التحاليل والفحوصات، بلا جدوى.

 

 

المسبّبات النفسية

يشير فارس العرف، أحد اختصاصيّي الأمراض العظمية، إلى أن نسب الإصابة بالمتلازمة في سورية "قد تضاعفت على الأقلّ خلال السنتين الماضيتين". ويوضح أن "عُشر سكان العالم مصابون بها وإن لم يعلموا، إلا أن نسبة انتشار المرض في سورية تقدّر بربع عدد السكان، وتتجاوز النصف ضمن المناطق الأكثر خطراً، كحلب وإدلب، وفقاً لتقديراتنا كأطباء". ويضيف: "يمكن لأيّ سوريٍّ أن يجد شخصاً في محيطه يعاني من أعراض المتلازمة".

 

تروي إحدى المريضات، وتدعى علياء، أن حالةً من التعب العامّ، والألم المفصليّ الشديد، باتت تصيبها إثر نزوحها من ريف حلب إلى المدينة، بعد أن عاشت سنةً كاملةً تحت تهديد قصف الطائرات والاشتباكات المستمرّة. وتضيف أن مجرد سماعها اليوم لأصوات الرصاص، أو أزيز الطائرات في الجوّ، كفيلٌ بأن يجعلها تشعر بآلامٍ مفصليةٍ شديدة".

 

ويوضح الطبيب العرف أن جميع المرضى السوريين هم ممن تضرّروا نفسياً لأسبابٍ متعدّدة، فهناك من أصيبوا بالهلع إثر مشاهدتهم انفجاراً أو أجساداً بشريةً متأذية، وبعضهم الآخر تعرّض لمعاملةٍ عدوانيةٍ من أطرافٍ مختلفة، كالاعتقال أو التعذيب أو العنف. وعددٌ من المرضى تعرّضوا لضغطٍ نفسيٍّ ناجمٍ عن الحذر والخوف طويلي الأمد، أو الجوع والتهجير، أو فقدان أحد الأحبة".

توجد نظرياتٌ متعدّدةٌ لتفسير تسبّب المؤثرات النفسية بهذه الأعراض الجسدية. ويوضح اختصاصيّ الأمراض الداخلية، عثمان عبد المعين، أن النظرية الأرجح هي "انخفاض عتبة حسّ الألم، إثر التعرّض للصدمات النفسية، مما ينتج اضطراباً في تنبيه مستقبلات الألم، ونقصاً في مسكنات الألم المركزية الطبيعية في الدماغ، ما يؤدّي في النتيجة إلى التسبّب بهذه الآلام عند أبسط مؤثرٍ خارجيّ".

 

اليافعون هم الأكثر تعرّضاً للخطر

لم تقتصر حالات التعنيف النفسيّ التي يتعرّض لها السوريون على أعمارٍ معينة. إلا أن "الفيبروميالغيا" تصيب اليافعين والشباب من السوريين بنسبٍ أعلى، وفقاً للأطباء. ويفسّر الطبيب العرف ذلك بأن "الأعمار المتأثرة بالصدمات النفسية تعرّضت للمرض بدرجةٍ أكبر، فمعظم المرضى المشخّصين تتراوح أعمارهم بين 15 و30 عاماً. والمرض منتشرٌ بين الفتيات بشكلٍ أكبر، لأنهنّ أكثر حساسيةً للضغوطات النفسية بطبيعتهن". ويضيف: "لا يعتبر اليافعون عامةً، ممن لم يتجاوزوا العشرين عاماً، في مجتمعاتٍ أخرى، عرضةً لأعراض المتلازمة، باستثناء سورية التي يتعرّض فيها اليافعون لضغوطٍ نفسيةٍ استثنائيةٍ، كالتهديد والرعب".

وتشير السيدة غادة فاضل، إحدى اختصاصيّات علم النفس، إلى أن "الأمراض النفسية تصيب الأعمار الصغيرة بنسبٍ أقلّ عادةً، إلا أن عواقبها عليهم هي الأخطر". وتضيف "أُشرف على علاجٍ نفسيٍّ لعددٍ من مرضى الفيبروميالغيا الذين تطوّرت عندهم حالةٌ من الاكتئاب الشديد، ومعظمهم لا يتجاوز العشرين عاماً". وتضيف أنهم لم يعودوا قادرين على متابعة تعليمهم.

 

تخفّي المرض

يشتكي الطبيب عبد المعين من "فقر الوعي الطبي تجاه المرض، حتى من قبل معظم الأطباء". ويضيف أن تشخيص المرض يعتمد مبدأ الاستبعاد. ويوضح أن "معظم المرضى ينفقون عشرات ألوف الليرات في إجراء اختبارات تشخيص أمراضٍ أخرى، تتشابه معه في الأعراض". ويشير إلى أن معظم الأطباء يرجّحون المرض عند استبعادهم كافة الاحتمالات الأخرى، بسبب عدم وجود طرقٍ تشخيصيةٍ محدّدةٍ له. إلا أن عدداً من الأطباء ذوي الخبرة باتوا يتعرّفون عليه عند تعقب الألم في اثنتي عشرة نقطةً محدّدةً من الجسد، إضافةً إلى تحرّي تخوّفات المريض الحالية".

وتشير الأستاذة غادة إلى عددٍ من العواقب التي تعيق تعرّف المرضى والمعالجين على المتلازمة، وهي "عدم اعتراف المريض بتعرّضه لأذياتٍ معينة، كالتعنيف الجسديّ والنفسيّ الذي يتعرّض له المعتقلون، والاعتداءات الجنسية التي تتعرّض لها بعض النساء". وتضيف أن "معظم المرضى يفقدون ثقتهم بالمعالج وتعليماته، بسبب عدم ظهور دليلٍ على المرض في تحاليلهم المخبرية".

ويوضح الطبيب عبد المعين أن "الاهتمام العمليّ بالمرض جاء متأخراً، وهو ما يفسّر عوز الطرق التشخيصية، وتعدّد العلاجات، وانخفاض الوعي الصحيّ العامّ بهذا المرض رغم انتشاره. إذ يعتقد معظم مرضاي أن التهاب المفاصل الرثيانيّ هو ما يسبّب لهم هذه الأعراض".

 

مشاكل اجتماعية

يجد مرضى المتلازمة أنفسهم في مواجهة مشاكل اجتماعيةٍ متعدّدةٍ. تروي خولة، إحدى المصابات، أنها "تعيش حياة عجوزٍ في الستين، رغم أنها لا تزال في الخامسة والعشرين من عمرها. وقد اضطرّت إلى الانزواء والتقوقع في المنزل لأكثر من سنةٍ، بسبب عجزها عن الاستمرار في عملها في خياطة الألبسة". وتضيف أنها "أمضت وقتاً طويلاً في محاولة التفسير الذاتيّ لما تعانيه. وأدّى عجزها عن إيجاد السبب إلى تغيير سلوكها الاجتماعي، وعلاقاتها بأفراد العائلة".

أما عن العلاجات المتاحة فيوضح الطبيب عبد المعين أن "المرضى الذين يخضعون لعلاجٍ دوائيٍّ يتناولون أدوية الاكتئاب والقلق التي ترفع من مستوى هرمون السعادة وتخفّف مستويات التوتر، إضافةً إلى مسكّنات الألم". وأن العلاج الدوائيّ يستمرّ لثلاثة أشهرٍ، يعقبه علاجٌ نفسيٌّ في حال وجود أثرٍ نفسيٍّ قويّ.

 

وتروي الأستاذة غادة أن المعالجين يعانون أثناء العلاج، "لأن معظم المرضى لا يزالون يعيشون في مناطق الصراع، ولا يستطيعون تغيير نمط معيشتهم، أو وضع حدٍّ لما يثير مخاوفهم، في ظلّ استمرار عمليات القصف والتهجير، وممارسة جميع أشكال الاعتداء على الجنس البشريّ في سوريا". وتضيف أن "جزءاً من المرضى لا يشفى أبداً. إذ لا نتمكّن في معظم الأحيان من محو ما تعرّض له من ذاكرته، فنقوم بتلطيف تأثيره على حياته فقط".

يذكر أنه تمّ تسجيل عددٍ من الاضطرابات النفسيّة بين المتضرّرين من الحرب في سوريا، ومنها اضطراب ما بعد الصدمة، الذي يصيب الأعمار الصغيرة، وقد يؤدّي إلى مشاكل في الإدراك واضطرابٍ في النمو، إضافةً إلى القلق والاكتئاب عند الكبار. ويشير الطبيب العرف إلى أن "متلازمة التعب المزمن، أو الفيبروميالغيا، تأتي عادةً إثر الكوارث التي يصنعها الإنسان. فيما تأتي الاضطرابات العصبية، واضطرابات المزاج، كأبرز الظاهرات النفسية الناتجة عن الكوارث الطبيعية، كالفيضانات والحرائق والزلازل. ويعود هذا إلى أن ضحايا الكوارث الطبيعية غالباً ما يحظون بدعمٍ بشريٍّ أكبر مما يحظى به ضحايا الصراعات، كالسوريين".

***

(3)

 

أمراضٌ كثيرةٌ تصيب السوريين.. الفقر والتلوّث مسبّبها الأوّل

 

نبال أحمد

 

"ماذا نتوقع أن يكون الوضع الصحيّ في سوريا، وهناك مناطق سكنيةٌ تعدادها مئة ألف نسمةٍ يخدمها طبيبٌ واحد؟!"

هذا ما قاله لنا الدكتور عمار البيك، بسخريةٍ مريرةٍ، لدى سؤالنا له عن انتشار الأمراض، وعن الرعاية الطبية في سوريا.

ويضيف الطبيب: "أضطرّ أحياناً إلى تغيير دواء السكري لمرضاي كلّ عشرة أيام. وأحياناً كثيرةً لا يجد مرضى ارتفاع الضغط أيّ نوعٍ من الأدوية".

 

 

أمراض الشتاء

انتشر العام الماضي نوعٌ شديدٌ من التهاب القصبات، في شمال سوريا، بما فيه الأجزاء الخاضعة لسيطرة المعارضة والنظام.

تقول أم رامي، من قرية عين عيسى المجاورة لمدينة مارع، في ريف حلب الشماليّ: "الشتاء الماضي أصابتني حالة (كريبٍ) شديدٍ، تطوّرت لالتهاب قصباتٍ، مع سعالٍ حادٍّ، لم أصب به أو أسمع به من قبل. امتدّ لشهرين ونصف الشهر، حتى شفيت منه".

وعن هذا المرض يقول الدكتور عمار: "تخوّف الناس كثيراً من هذه الأعراض، لكنها أمرٌ طبيعيٌّ لا يتعدّى الإنفلونزا والكريب الشديد، الناتج عن البرد وظروف الحياة القاسية التي يمرّ بها السوريون".

ويضاعف غلاء المحروقات وقلّتها، وعدم توافر وسائل التدفئة الأخرى، أمراض الإنفلونزا وحالات الرشح، في ظلّ قلةٍ في الأدوية الفعالة، والافتقار إلى الأطباء ذوي الاختصاصات الدقيقة. إذ تذكر إحصائياتٌ أمميةٌ أنه يوجد في مدينة حلب 36 طبيباً فقط.

في هذا الشتاء، يعتمد الكثير من أبناء المناطق الجبلية، كاللاذقية وطرطوس وحمص، على الحطب وبقايا الأخشاب في التدفئة والطبخ. وبسبب التعرّض المستمرّ للغازات الناتجة عن الاحتراق، على المدى القريب والمتوسط، تكثر حالات ضيق التنفس عند كبار السن، وحالات الربو المزمن عند الأطفال والرضع، وقد لا يستطيعون التخلص منها مدى الحياة.

أما سكان المخيّمات، المنتشرين في دول الجوار السوريّ، فمعاناتهم مضاعفةٌ، خصوصاً ساكني الخيام القماشية العشوائية، الذين لا يملكون وسائل تدفئةٍ تعوّضهم عن دفء الجدران الإسمنتية.

يقول الدكتور عمار: "خلال خمسة أشهرٍ صادفت ستّ حالات سلّ، اضطرّرت إلى تحويلها إلى المشافي التركية، بسبب عدم وجود المخابر والأدوية المتخصّصة لدينا".

ويضيف: "توزّع أدوية السلّ عن طريق منظمة الصحة العالمية. ولم نزوَّد حتى اللحظة بمثل هذه الأدوية، بينما تستمرّ المنظمة بتزويد النظام بها".

 

التهاب الكبد الوبائيّ

بعد حصارٍ زاد عن 300 يومٍ لغوطة دمشق، بدأت أمراضٌ نسيها العالم بمعاودة الظهور فيها، ومنها التهاب الكبد الوبائيّ. ويعدّ الدكتور حسام استخدام مياه الصرف الصحيّ في ريّ المزروعات العامل الأساسيّ لانتشار المرض، إضافةً إلى سوء التغذية، وتلوّث مياه الشرب، وانعدام وسائل التعقيم والنظافة وارتفاع سعرها. كما أن نقص الأدوية والعلاج يطوّر المرض إلى درجاتٍ أكثر خطورةً وتعقيداً، كما يؤدّي إلى تكرّر دورة المرض وانتقالها إلى آخرين.

ويؤكد الدكتور "بيك" أن هناك إصاباتٍ كثيرةً في الغوطتين الشرقية والغربية، ولكنها لم تصل بعد إلى درجة الوباء.

 

النفط يولّد الأمراض

تقول أم عمر، من بلدة الشحيل، شرقيّ دير الزور، لمجلة "صور": "أنظّف بيتي يومياً، ولكني أجد آثاراً سوداء اللون على بلاطه عندما أستيقظ. لديّ طفلان بعمر 5 و9 سنوات، لا يفارقهم السعال الحادّ منذ سنةٍ، رغم استخدام الأدوية ومراجعاتي المتكرّرة للأطباء. وبعد طول عناءٍ نصحني الطبيب أن أنتقل مع أطفالي إلى مكانٍ بعيدٍ، وسوف يتعافون بشكلٍ كامل. وهذا ما حصل، تعافى أطفالي تقريباً من سعالهم الحادّ بمجرّد انتقالنا من البيت".

فبعد الدمار شبه الكامل للمنشآت النفطية شرقي سوريا، لجأ السكان، والتنظيمات العسكرية المسيطرة على تلك المناطق، إلى استخراج البنزين والمازوت من النفط الخام، عن طريق الحرّاقات البدائية، التي تطلق أثناء احتراقها غازاتٍ سامةً، أبرزها غاز الكبريت والرصاص.

يقول الدكتور محمد الديري: "بعد توسّع هذه الصناعات، زادت معدلات التهابات الجهاز التنفسيّ، ومشاكل الوظائف الرئوية، وتفاقمت حالات الربو وحالات التهاب القصبات المزمن عند الأطفال، وارتفعت معدّلات الأزمات القلبية".

 

 

ويضيف الدكتور محمد: "إنّ اختلاط غاز الكبريت بالماء يشكل حمض الكبريتيك، وهو العنصر الأساسيّ في الأمطار الحمضية، ما يهدّد الغابات والأشجار في المحافظة، إضافةً إلى انتقال هذه المواد السامة إلى التربة، وبالتالي إلى المحاصيل الزراعية. ومع مضيّ الوقت وتوسّع الصناعة ستزداد الولادات المشوّهة، وحالات السرطان الوخيم، وخصوصاً سرطان الرئة والجهاز التنفسيّ".

ويؤكّد أن "استنشاق الحوامل لهذه الغازات يؤثر على نموّ الجنين، وعلى نموّ رئتيه، ما يجعله يولد برئتين أصغر من الحجم الطبيعيّ، وأقلّ قدرةً على استيعاب الهواء، فيصبح أقلّ قدرةً على التنفس، مما يسبّب له أمراضاً مزمنةً، لا يتخلّص منها طوال حياته. إضافةً إلى ولادة الأطفال بأوزانٍ أقلّ، ما يؤثر على النموّ بشكلٍ كامل".

 

الليشمانيا

يقول الدكتور عمار، المشرف على مخيّم خربة الجوز، على الحدود السورية التركية: "بلغت نسبة الإصابات بطفيليّ الليشمانيا في المخيم حوالي 15% من السكان البالغ عددهم 300 شخصٍ. ويؤدّي نقص الكوادر الطبية إلى توسّع المرض وانتشاره".

تنتقل الليشمانيا، أو ما تعرف في شمالي سوريا باسم "حبّة حلب"، إلى الإنسان عن طريق لسعة بعوضةٍ صغيرةٍ جداً، تسمّى "ذبابة الملح". ويسبّب الطفيليّ المحمول في الذبابة تقرّحاتٍ وتشوّهاً في الجلد. وتنتقل العدوى إلى البعوضة عندما تلسع حيواناً مصاباً بالليشمانيا، كالكلاب والماشية والقوارض.

ويعتبر انتشار القمامة، والمجاري المكشوفة، وعدم توافر المبيدات الحشرية، العوامل الأساسية في تفشي المرض، الذي تحوّل إلى وباءٍ في بعض مناطق دير الزور وريف حلب، حيث يؤدي قصف النظام وتدهور الحالة الأمنية، وعدم توافر عمال النظافة، إلى عدم إمكانية نقل القمامة بشكلٍ منتظمٍ والتخلص منها. كما تسبّبت الحرب بدمار الكثير من مجاري الصرف الصحيّ، وتركها مكشوفةً لتنقل الأمراض للمدنيين.

 

علاجاتٌ شعبية

يعدّ مرض الليشمانيا من الأمراض غير القاتلة، لكنه يسبّب ندوباً وتشوّهاتٍ واضحةً، تؤثر نفسياً في الأطفال والبالغين. وفي ظلّ النقص الكبير في الأدوية، وقلة الرعاية الصحية، عاد الكثير من الناس إلى العلاجات الشعبية، التي كنا نسمع عنها في روايات جدّاتنا.

تحاول العمّة فاطمة، من بلدة كفر تخاريم، علاج آثار الليشمانيا باستخدام الطريقة التالية: دهن مكان الإصابة بعصارة الثوم مرّتين يومياً، لمدّة 15 يوماً، مع وضع قطعٍ من الثلج عليها، حتى تتشكل طبقة سوداء اللون فوقها. ثم إذابة كميةٍ من الملح الصخريّ في الماء المغليّ، ووضع المزيج على مكان الإصابة مرّتين يومياً لمدّة نصف ساعة. وتنصح العمّة فاطمة أن يتمّ علاج الإصابة فور ظهورها لكيلا تنتشر وتتقرّح.

لا ندري مدى فائدة أسلوب العمّة فاطمة من الناحية الطبية. ولكن، ربما كانت الوصفات الشعبية هي الأمل الأخير لضحايا الليشمانيا، في ظلّ انهيار المنظومة الصحية السورية.

 

 

هل يطرق إيبولا أبواب السوريين؟

يزيد دخول المقاتلين الأجانب من احتمال انتقال بعض الأمراض غير المستوطنة في سوريا. ومع انشغال العالم مؤخراً بوباء إيبولا، ومحاولة مختلف الدول ضبط حدودها أمام حركة الوافدين من الدول المهدّدة بالمرض، أصبح توافد المقاتلين إلى البلاد كابوساً صحياً، إضافة إلى كونه كابوساً سياسياً واجتماعياً.

وعن احتمال انتقال مرض إيبولا إلى سوريا يقول الدكتور عمار: "من الناحية العلمية، جميع الاحتمالات ممكنة. ولكن أغلب المقاتلين الأجانب هم من بلدانٍ غير حاملةٍ للمرض، ما عدا السعوديين والإيرانيين. وعموماً يبدو أن المقاتلين أتوا إلى سوريا قبل انتشار هذا الوباء في العالم، لذلك فاحتمال انتقاله ضعيف".

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard