info@suwar-magazine.org

العهد الجديد.. إعادة إنتاج (2)

العهد الجديد.. إعادة إنتاج (2)
Whatsapp
Facebook Share

 

من كتاب بوصلة الصراع في سوريا (السلطة- الشارع- المعارضة)

 

 

تغيير في إطار الاستمرارية[1]

 

بداية الغيث كانت بعقد جلسة استثنائيّة لـ "مجلس الشعب" من أجل تعديل المادّة 83 من الدستور. أتت هذه الفاتحة لتكريس "كرتونيّة" الدور الذي تلعبه المؤسّسة التشريعيّة، التي تعتبر أنّها ممثّلة للشعب السوري، والمعبّرة عنه، والممثّلة لحقوقه، أي للطرف الثاني في العقد الاجتماعي ما بين الحاكم والمحكوم، أي بين المواطن والسلطة المخوّلة من خلاله بالحكم، هذا العقد الذي يأخذ حيّزه الحقوقي، من خلال المساواة القانونيّة والسياسيّة، والتي تتطلّب بدورها، -وحتى يكون العقد متكافئاً، وليس عقداً بين قوي وضعيف، بين شعب محكوم على أمره، وبين سلطة لا ترى فيه سوى الطريق للعظمة والمنعة والجاه والقوة والسطوة - وضعاً اجتماعيّاً اقتصاديّاً يسمح له بإطلاق طاقاته الإنسانيّة في سبيل الارتقاء، إضافة إلى مؤسسات إعلاميّة وتعليميّة، تساهم في ترسيخ أسس المواطنة واحترام وقبول الرأي الآخر، ومؤسّسات وجمعيّات وهيئات مجتمع مدني، تتيح له القيام بدور فعّال في إعادة إنتاج حياته على المستوى الفردي والاجتماعي، كما يساهم في صياغة العقد عبر ممثّلين حقيقيّين لمصالحه، وليس مجرّد هياكل مفرغة لترديد صدى السلطة، أو إكسسوارات تتزيّن بها.

 

 

وعلى ذلك فإنّ كلّ النوافذ التي أُشرعت فيما بعد، هل كان الهدف منها حقاً انسياب النور لقوقعة أغلقت منذ عقود؟! 

أم تحريك لحالة مستنقعيّة راكدة؟!

أم كان استكشاف مياه المجتمع السوري، بكلّ مكوّناته وطاقاته وميوله وآفاقه، ليُقاطع مع أي تصور لمسار السلطة وخططها؟

أم كان التمهيد لآليّات انتقال السلطة؟!

 

خلال السنوات الأولى لمسار العهد الجديد، توضّح بعدم وجود برنامج جدّي، سواء كان إصلاحيّاً أو جذريّاً، (بغضّ النظر عن بعض الرؤى، التي ترى بأنّه كان هناك رؤية جديّة وجديدة، اصطدمت بحرّاس العهد القديم...، لأنّ مجال محاورتها ليس هنا) في تغيير مسار العهد السابق، أو بالأدق ما يُطلق عليه "منجزات العهد السابق"..؟!

بل أرسى:

 

  • الهيمنة على أجهزة الدولة.
  • الاستفراد في الحكم.
  • احتكار السياسة.
  • الاستئثار بالخيرات الماديّة والطبيعيّة "للدولة".

 

ولا ضير بالاعتراف بوجود فساد إداري ليكون سيفاً مسلّطاً على رقاب من تؤول له نفسه بالخروج عن (القطيع)، أو من يكون (كازه[2] انتهى بالتعبير الدارج) ، أو عند الحاجة (لكبش) فداء[3]. وتوجيه الأنظار للمشكلات الاقتصاديّة الناتجة عن الفساد الإداري..؟ بدل السياسي، وضرورة تحرير السوق، والانفتاح على رؤوس الأموال الأجنبيّة. مع التركيز على فتح بوّابة مع السوق الأوربيّة المشتركة والبنك الدولي، من طرف واحد. واستخدام أدوات جديدة في عمليّة الضبط والهيمنة على المجتمع السوري، على ضوء العصر الجديد الفضائي الإعلامي، سواء عبر تجيير القانون وجعله كسرير بروكرست[4]، أو عن طريق آلتها الإعلاميّة، أو جهازها الحزبي والنقابي، أو حتّى استخدام لقمة العيش. إضافة لاستعارة بعض أيقونات النظام السابق، والتي دأب على ترديدها طوال ثلاثة عقود، من إحداق الأخطار الخارجيّة والمؤامرات وعبء حمل لواء تحرير الأراضي المغتصبة، وحماية الثورة الفلسطينيّة...، وهي ما تفرض عليه أولويّات..! ليس الوضع الداخلي أولها.

 

والجانب الداخلي الوحيد الذي صبّ النظام اهتمامه به هو الجانب الاقتصادي، واستباحته لكلّ خيرات البلد، من طبيعيّة وبشريّة، حيث تركّز نشاطه على جلب رؤوس الأموال الخارجيّة سواء السوريّة المغتربة، أو النفطيّة. وفتح باب الاستثمار المباشر للرأسمال، سواء الخارجي أو المحلي، من خلال مئات المراسيم والقوانين بين عامي 2000- 2005[5]، بدعوى تطوير البيئة الاستثماريّة في سوريا، (وهي في معظمها مخالفة لروح الدستور السوري المعدّل لعام 1973، المعمول به آنذاك!)، إذ عملت تلك القوانين والمراسيم على إطلاق "الكائن المسخ" وتغوّله في مختلف مفاصل الاقتصاد السوري، على حساب لقمة العيش للجماهير الشعبيّة، وهو ما زادهم فقراً على فقر.

 

اقرأ أيضاً:

 

إغراء الكرسي  -التأسيس (1) 

 

كما أتت حزمة القوانين والمراسيم، التي وضعت بين عامي 2006- 2010، لإطلاق رصاصة الرحمة على الدور المفترض أن تلعبه السلطة حسب العقد الاجتماعي، تجاه الطرف الثاني في العقد. حيث أنّ المرحلة الأولى، كانت قد خلقت الأرضيّة الملائمة لتحكّم "الكائن المسخ" أو ما يطلق عليه في الأدبيّات الاقتصاديّة والسياسيّة "المائة الكبار"، والتي حوّلت سوريا إلى سلعة وسوق ومادّة خام بآن واحد، وقطاعها العام إلى بقرة حلوب، ومستوعب للعمالة الفائضة والبطالة المقنّعة، تحت ستار "اقتصاد السوق الاجتماعي"، وكان ضحيّتها القطاعات الإنتاجيّة المحليّة. وتغوّل وهيمنة رجال الأعمال الجدد عبر شركاتهم، كالشركة "القطريّة السوريّة القابضة" و"الشام القابضة" و "السوريّة القابضة"[6]. وكان من أهمّ علامات وسمات هذا التحوّل:

 

  • تحوّل القيّمين على مؤسّسات "الدولة" لمسيّري أعمال وخدم وشركاء بشكل ما لهذه الشركات، من خلال ربط مصالح كبار موظّفي "الدولة" بهذه الشركات.
  • الاستثمار في المجالات ذات الربحيّة السريعة والمباشرة، كالخدميّة والسياحيّة والعقاريّة.
  • تمركز القوّة الاقتصاديّة بيدي القلّة وتحكّمها في الاقتصاد السوري، على حساب مصالح الغالبيّة العظمى من الشعب.
  • تغوّل الفساد في كل مفاصل الدولة.
  • ارتفاع معدّل التضخم، ورفع أسعار الدعم عن سلع أساسيّة بالنسبة للمواطن السوري.
  • خفض الضرائب المباشرة على الأرباح الحقيقيّة للشركات القابضة وأخواتها، بالمقابل زادت نسبة الضرائب غير المباشرة والرسوم، والتي تتحمل أعباءها الفئات الأوسع في المجتمع السوري (الرواتب والأجور..)
  • ازدياد نسبة البطالة، بشكل غير مسبوق، وهذا شكّل رافداً لازدياد حجم ومساحة الفقر المدقع في المجتمع السوري، نتيجة لإفلاس مئات المنشآت الإنتاجيّة الصغيرة والمتوسّطة.
  • التدمير (التخريب) الممنهج للقطّاع الزراعي. وهو بدوره أدّى لهجرة الأيدي العاملة في هذا القطاع بحثاً عن فرص العمل، وضخّ المزيد من الأيدي العاملة لسوق البطالة، (ولسخريّة القدر أصبح سوق البطالة مُتخماً..!).

وبالمحصلة غياب "الدولة" عن أداء أدوارها في كافة مفاصل الحياة اليوميّة للمجتمع السوري، مع الحفاظ على دورها الأمني و(الشوباصي[7]) تجاه المجتمع..!

 

----------------------------------------------

 

[1] - راجع آلن جورج ، سورية لا خبز لا حرية ، نسخة الكترونية بدون تحديد التاريخ والمرجعية.

[2] - من مشتقات البترول وكان يستعمل سابقاً في استخدام بوابير الكاز للطبخ، أو وقوداً لقناديل الإنارة المنزلية.

[3] - في صباح يوم الأربعاء 12 أكتوبر 2005 غادر مكتبه في وزارة الداخلية لمدة ثلث ساعة إلى منزله ثم عاد ودخل مكتبه وبعد عدة دقائق سمع صوت طلق ناري وكانت الطلقة من مسدس في فمه، وهذا وفق إفادة العميد وليد أباظة مدير مكتبه. وسرعان ما أعلن المحامي العام الأول في دمشق محمد مروان اللوجي أن التحقيق الرسمي في ظروف وفاة غازي كنعان انتهى باعتباره حادث انتحار (وحادثة انتحاره هي الثانية في سوريا بعد انتحار رئيس الوزراء الأسبق محمود الزعبي في مايو 2000 في منزله بضاحية دمر القريبة من دمشق حيث كان يخضع للإقامة الجبرية بعد تهم بالفساد).(وكيبيديا)

[4] - سرير بروكرست (بالإنجليزية: Procrustean bed) نسبة إلي الشخصية اليونانية بروكرست، حيث انه كان يهاجم الناس ويقوم بمط اجسداهم أو قطع أرجلهم لتتانسب أطوال أجسامهم مع سريره الحديدي.

تتضمن مغالطة سرير بروكرست فرض الرأي بالقوة علي المستمعين, كما يطلق عليها لفظ البروكرستية وتعبر عن أي نزعة إلى "فرض قوالب" على الاشياء (الاشخاص او الافكار..) أو ليّ الحقائق أو تشويه المعطيات لكي تتناسب قسراً مع مخطط ذهني مسبق. (ويكيبيديا)

 

[5] - يمكن مراجعة هذه المراسيم على رابط المجموعة الالكترونية للتشريعات الصادرة في الجمهورية العربية السورية: http://www.pministry.gov.sy/contents/12427/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%B1%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%AA%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D9%87%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9

أو مراسيم وقوانين- مجلس الشعب السوري، على الرابط التالي: http://www.parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=200&Last=9788&CurrentPage=58&First=50&RID=-1&Vld=-1&Service=-1&Mode=&Loc1=&Key1=&SDate=&EDate=&Year=&Country=&Num=&Dep=-1&

 

 

[6] - راجع العقد الأخير في تاريخ سورية، محمد جمال باروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الطبعة الأولى بيروت، آذار/ مارس 2012.

[7] - زلمة الإقطاعي بالمعنى الشعبي الدارج استخدامه في مرحلة الخمسينات والستينات من القرن الماضي. وهو من طبقة الفلاحين الأجراء يستخدمه الإقطاعي ليكون رقيباً على الفلاحين.

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard