نتنياهو / خامنئي / ترامب: ثلاثة عقول تدفع العالم نحو حرب لا عقل فيها.

لم تعد مجرّد احتمال على مائدة المعلّقين ولا مجرّد سيناريو يُلوّح به في تقارير استخباراتية، إنها حرب حقيقية، وبالوسع إضافة "ذات طابع وجودي"، تخوضها إسرائيل المحكومة بعقيدة نتنياهو، وإيران التي يتكثّف قرارها في قبضة المرشد ومؤسسة الحرس الثوري. وبين هذين القطبين، يظهر دونالد ترامب كفاعل ثالث – لا يُقرأ فقط كحليف أو وسيط، بل كمحرّك محتمل لعجلة الانفجار الكلّي.
في صراع من هذا النوع، حيث الأطراف الكبرى منخرطة ومفتوحة على أقصى درجات الجنون السياسي، ينهض السؤال الحتمي:
ـ إذا كانت الولايات المتحدة – باعتبارها القوة الأكبر – طرفًا مباشرًا، فمن هي القوى "الكبرى" القادرة على التدخل لفرملة الانهيار؟
الجواب ليس تقنيًا بل جيوسياسيًا، والمرجّح في الاسترخاء الدولي الظاهر للعيان، أن ثمة جوقة من اللاعبين المصدومين، يُحتمل أن تتحرك من موقع الضرر المباشر وليس من موقع المسؤولية الأخلاقية.
الصين وروسيا: التدخل من عتبة الخوف لا من عتبة الهيبة.
الصين وروسيا تراقبان المشهد بعينين متوترتين، وإن اختلفت دوافع القلق، فالصين لابد تخشى من تعطيل طرق التجارة العالمية، ومن اندلاع حرائق تؤثر على استقرار حلفائها في الشرق الأوسط، لا سيما في الخليج، وبجملة مختصرة، لا مصلحة لبكين في حرب توسّع دور واشنطن، لكنها – في الآن نفسه – لا تمتلك بعدُ الأدوات الدبلوماسية ولا القوّة العسكرية الرادعة.
روسيا، التي تحاول منذ سنوات ترسيخ نفوذها في سوريا وعلى الضفة الجنوبية للمتوسط، فستتأرجح بين الحذر من خسارة توازناتها، وبين الرغبة في استثمار الحرب لصالح تقوية موقفها التفاوضي مع الغرب، لكن بوتين لا يتجه نحو تهدئة حرائق لا تخصّ أمن روسيا المباشر، إلا إذا وجد أنها ستمنح موسكو دورًا قياديًا جديدًا على حساب واشنطن.
بالتالي، فإن تدخل القوى الكبرى – إن حدث – سيكون متأخرًا، اضطراريًا، وبلا قيادة واحدة.
نتنياهو: رجل على حافة السكين
نتنياهو ليس طارئًا على السلطة، لكنه الآن في أسوأ لحظاته الشخصية والسياسية. مُلاحَق داخليًا، متورّط في ملفات فساد، ومستند إلى تحالفات يمينية متطرفة تدفعه نحو حافة العدم السياسي إن فشل في تصدير الخطر نحو الخارج.
بالنسبة لنتنياهو، الحرب ليست خيارًا بل فرصة، فالرجل يُجيد اللعب على وتر "التهديد الوجودي"، ويعرف جيدًا أن لا شيء يوحّد الداخل الإسرائيلي المتشظي كما تفعل الحرب.
لكن الأهم أن نتنياهو لا يرى إيران كدولة قابلة للاحتواء، بل سرطاناً وجودياً ينبغي استئصاله، ومن هنا، فإن سقف الحرب بالنسبة له هو "كسر العظم"، لا الوصول إلى توازنات جديدة، مما يسوق إلى طرح السؤال، وقد فقد السؤال عنصر المجازفة:
ـ هل يمكن أن يذهب نحو استخدام السلاح النووي التكتيكي إذا استعصى عليه تدمير الخصم؟
نعم، إذا شعر أن لحظة الزوال قريبة وأن لا سبيل للنجاة إلا من خلال صدمة شاملة تعيد تشكيل المعركة بشروط إسرائيل.
ـ قد يحدث ذلك، فزمن الحرب لابد ويحمل معه لحظة جنون.
اقرأ أيضاً:
يوم تُشنق الحريات يحضر السؤال: هل الله يريد منا أن نفكر، أم نطيع فقط؟
خامنئي والحرس الثوري: الدم هو الرسالة
خامنئي ليس شخصية متهورة، لكنه عقائدي حتى العظم
ترتكز قراراته الكبرى على مبدأ "الصبر الاستراتيجي"، لكنه في لحظات المصير يتحول إلى قائد معبّأ برؤية استشهادية للحكم.
إنه يؤمن أن إيران ليست مجرد دولة، بل جسر بين الغيب والتاريخ.
أما الحرس الثوري، فهو حارس العقيدة قبل أن يكون حارس الدولة، لا يؤمن بمنطق الربح والخسارة، بل بمنطق "الموت كهوية"،
وهذا ما يجعله وسدنته مستعدين لتحمل الكلفة البشرية العالية، طالما أن السردية الثورية تُحافظ على تألقها في رأسه وعمامته.
ترامب: بطل اللحظة لا بطل الاستراتيجية
وحين دخل دونالد ترامب الصورة، فهو أكثر الشخصيات غموضًا وخطورة في هذا المشهد.
نرجسيته المفرطة لا تتعامل مع الملفات بوصفها قضايا، بل بوصفها مرايا تعكس صورته.
في سيكولوجيا ترامب، الحرب قد تكون طريقًا لاستعادة الهيبة، لحشد الداخل الأميركي، ولتصوير نفسه على أنه "رجل القرارات الصعبة".
ـ لكنه في العمق، يفتقر إلى العمق نفسه.
لا يقرأ تبعات ما يُقرره، بل ينجذب إلى العناوين الصاخبة: "الرد الحاسم"، "العدو اللدود"، "النصر الأميركي"."
هذا ما يجعل من وجوده في غرفة القرار خطرًا مضاعفًا:
ـ فقر في الحكمة، وثراء في الجرأة.
هل ثمة مخرج؟
هذا الصراع، بهذا الشكل وهذه الشخصيات، لا يُدار بالعقل البارد
ما يديره الآن هو الهوس، الخوف، الرغبة في الخلود السياسي أو العقائدي، وحسابات اللحظة.
المشهد أشبه بكابوس تتدحرج فيه كرة نار من تلال قيادات مأزومة
والتدخل الدولي – إن حدث – لن يأتي من موقع "العقل الرشيد"، بل من لحظة فزع جماعي حين تقترب النيران من خزانات النفط، أو من حواف الحروب النووية.
بالنتيجة:
نحن لا نعيش مجرد حرب بين دولتين، بل انفجارًا في نُظم النفس السياسية لأخطر القادة في العالم اليوم.
نتنياهو يقاتل ضد شبح نهايته، وخامنئي يقاتل لأجل التعجيل باستعادة المهدي، وترامب يقاتل لأجل صورته.
لا أحد منهم يريد الخسارة، ولا أحد منهم يعرف كيف يعقد صفقة إلا من موقع المنتصر.
وإذا كان التاريخ لا يرحم القادة الذين أشعلوا الحرائق ثم فقدوا السيطرة عليها، فإن المستقبل قد يكتب هذه الحرب بوصفها لحظة "اللاعودة" التي بدأت منها التراجيديا الكبرى.