معادلتان رئيسيتان للبقاء في سوريا

هنالك معادلتان رئيسيتان للبقاء في سوريا: معادلة بقاء الوطن السوري الجامع القائم على العدالة و المساواة و المؤسسات، ومعادلة بقاء المكونات السورية بذاتها التي لم يبقَ أمامها سوى خيار النجاة الفردية، بعد ما تعرضت له من مجازر، وبعد ما اختبرته من تهميش وإقصاء، وبعد التحريض الطائفي اليومي الذي تتعرض له بتسهيل من سلطة (الإرهاب) ذاتها، والتي تعيد إنتاج الطغيان باسم الثورة.
التاريخ ثابت؛ فبقاء الأنظمة لا يتحقق عبر القمع، بل عبر شرعية القبول الشعبي. وهذه أيضاً معادلة واضحة: من استجاب لشعبه بقي، ومن واجهه بالقوة - مهما طال عمره - يسقط عند اللحظة التي يتخلّى عنه الخارج الذي وفّر له مظلة الاستمرار.
هذه حقيقة شاهدها السوريون جميعاً حين انهار الأسد بعد أن انهار رصيد حمايته دولياً. لكن هل بالفعل تحررت سوريا؟ هل بالفعل تتجه سوريا إلى الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي؟ لقد أثبت الواقع زيف التحرر في سوريا؛ أثبتت سلطة (الإرهاب ) إكمالها لمهمة نظام الأسد في تدمير ما تبقى من روابط وطنية؛ أثبتت تخادمها مع الخارج في سبيل البقاء بالسلطة. وأدارت ظهرها لعذابات الملايين و لدماء آلاف الشهداء.
كان يمكن لسوريا أن تتجنب هذا الخراب الطويل لو أن القوى الدولية أرادت فعلاً مساعدة الشعب السوري. كان من الممكن اختصار مأساة مستمرة منذ 14 عاماً عبر تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254. كان بإمكانها أن تدعم تشكيل هيئة حكم انتقالية تشاركية تضم جميع مكونات السوريين. وكان بإمكانها دعم بناء مجلس عسكري وطني من الضباط الشرفاء و الثوار الحقيقين. لكنها اختارت عميلاً تخادمياً جديداً يلبي مصالحها، و كل ذلك على حساب دماء السوريين و مستقبلهم. و حينها لم يكن لأي طرف حجّة للبقاء خارج إطار الدولة، و لم تكن أي قوة أجنبية لتملك ذريعة استباحة الأرض والقرار والسيادة.
اقرأ أيضاً:
مفارقة جديدة في مأساة الثورة السورية المسلوبة: الجولاني في موسكو
ما حدث كان العكس تماماً. تم استبدال ديكتاتور (بإرهابي) متمرّس بالإجرام والقتل؛ طاغية مستعد لبيع كل ما يمكن بيعه في سبيل السلطة؛ مجرم متعطّش للسلطة والثروة، وخبير في الطعن بالظهر والغدر. إنها مواصفات مناسبة لمن يمكنه تنفيذ الأجندات الدولية. وها هو زعيم سلطة (الإرهاب)، يحظى بالدعم السياسي لكي ينفذ الأوامر بإخلاص. أقصى المكونات و أعاد فكرة حكم الفرد، انقلب على التشاركية؛ أعاد سجل جرائمه بحق الدروز والعلويين والأكراد والسنة الأصلاء، وكل من يعارضه. أعاد تصدير الخوف والانتقام. وطّن المرتزقة الأجانب وأبعد أبناء الأرض، ومنح الذريعة تلو الذريعة للتدخل الخارجي. الأسد اختزل سوريا بشخصه حتى آخر لحظة قبل هروبه.
واليوم، يكرر زعيم سلطة (الإرهاب) ذات الجريمة، مع فرق واحد فقط: الأسد امتلك الدولة فحولها لنفسه، أما الجولاني فلا يملك دولة أصلاً، لذلك، يسعى لتحويل ما تبقى من المجتمع إلى ذراع تابع للضرورة ليخدم بقاءه.
من المفارقات المأساوية أن زعيم سلطة الإرهاب يتهم كل من يرفض الخضوع القسري لمرتزقته القادمين من مجاهل التاريخ والإنسانية بالخيانة والعمالة. وهو يعلم أن هذا الأمر هو بذاته ذريعة التدخل الخارجي، لكنه لا يعنيه سوى تنفيذ ما يطلب منه، إمّا غباءً و جهلاً، أو انقياداً وارتهاناً.
وعده الغرب بحماية سياسية مشروطة، لكن الذئب لن يصبح حملاً. ولم يستطع أن يتخلى عن نهجه معتقداً أنه بتبديل زيّه صار براغماتياً؛ لكن نزعة الإجرام والقتل لديه لم تتغير؛ نزعة التسلّط لم تختفي؛ ورأيناه أمس يجاهد للحصول على دعم روسي كخيار بديل لحمايته. هذا هو منطق العملاء، لا يهم ما يقدمون من تنازلات؛ المهم لديهم البقاء بالسلطة فقط. لم يعد الصراع في سوريا على سلطة سياسية؛ الصراع اليوم على بقاء الكينونة السورية، ما دامت سلطة الإرهاب تعيد نهج اختزال الوطن بالفرد.