info@suwar-magazine.org

معارض الكتاب الكردية… حين يصنع الورق والحبر وطناً

معارض الكتاب الكردية… حين يصنع الورق والحبر وطناً
Whatsapp
Facebook Share

 

رحلة الثقافة في وجه التجزئة

في مدينة قامشلو، حيث تتقاطع اللغات والقلق والحنين، افتتحت هيئة الثقافة في شمال وشرق سوريا، بالتعاون مع هيئة الثقافة في إقليم الجزيرة، الدورة التاسعة من معرض هركول الدولي للكتاب، بين 20 و26 تشرين الأول الجاري، في حديقة آزادي.

 

يُقام المعرض كلّ عام في قاعةٍ عامة، إلّا أنّه يمتلئ بما هو أعمق من المظاهر؛ فهنا لا تُباع الكتب فقط، بل تُستعاد الذاكرة. تتجاور الكردية والعربية والسريانية على طاولاتٍ خشبية بسيطة، كأنّها ثلاثة روافد تصبّ في نهرٍ واحد، نهر البقاء الثقافي.

 

في هذه المدينة التي ذاقت من الحرب ما يكفي، يصبح المعرض مساحةً رمزيةً للنجاة؛ لا رعاية رسميّة، ولا حضور سلطوي، فقط قرّاء يأتون حاملين شغفاً يشبه طقوس الصلاة.

 

يقول الكاتب عبد المجيد خلف، وهو أحد منظّمي معرض هركول التاسع: "نحن لا نعرض الكتب لنبيعها، بل لنذكّر أنفسنا أننا مازلنا موجودين. فمن هركول تبدأ الحكاية، لا بوصفه معرضاً محلياً، بل بوصفه رمزاً لمقاومة النسيان."

 

 

24 دار نشر من خارج شمال وشرق سوريا تشارك في المعرض

يشارك في المعرض هذا العام 51 جهة ثقافية، بين دور نشر ومجلات ومراكز ثقافية وكتّاب وجمعيات ومكتبات، من مناطق شمال وشرق سوريا وعدد من المدن السورية (دمشق، درعا، اللاذقية، حلب)، إضافة إلى لبنان وبلجيكا وشمال كردستان وتركيا. ويُعرض في المعرض أكثر من 13 ألفاً و700 كتاب بمختلف اللغات: الكردية (بلهجاتها الكرمانجية والسورانية والكرمانجكية)، والعربية، والأرمنية، والسريانية، والإنكليزية، والتركية.

 

ومن العاصمة دمشق تشارك دور: علاء الدين، التكوين، الكنعان، التنوع الثقافي، أوغاريت، رسلان، الزمان.

ومن اللاذقية: دار الحوار ودار فواصل.

ومن حلب: دار إسطنبولي.

ومن درعا: دار نور حوران.

أمّا من لبنان، فتشارك دار أثرية والشركة العربية للمطبوعات.

كما تشارك من اقليم كردستان: دار الأكاديمية الكردية للنشر ومجلة كردستان العربي.

ومن المدن الكردية في تركيا (شمال كردستان) تشارك دور نشر: آرام، واردوز، أفيستا، دارا، دار الكتب الكردية (آمد)، إضافة إلى دار بيوند ولوراي من مدينة وان.

ومن تركيا تشارك دار نوبهار من إسطنبول، ومن أوروبا تشارك دار الليبرالية من السويد ودار آلكا من بلجيكا.

 

تعرض هذه الدور مجتمعةً أكثر من أربعة آلاف عنوان باللغات العربية والكردية والتركية.

 

اقرأ أيضاً:

 

  يمكنك الجلوس أمام البيت الأزرق وتكون ضيفاً هناك..قراءة في رواية البيت الأزرق

 

                        قراءة في رواية (لسع الثلج)

 

 

عرقلة نقل مئات الكتب إلى الإقليم

تسبّب قطع الطرق من قبل الحكومة الانتقالية في دمشق في عرقلة نقل 807 كتب مخصّصة للمشاركة في المعرض، تعود إلى عددٍ من دور النشر السورية واللبنانية، إذ لم يتمكّن المنظّمون من إدخالها.

 

وتقول مديرة دار آرام للنشر: "إنّ مبيعات هذا العام في معرض هركول كانت أفضل نسبياً من العام الماضي، إذ يزداد اهتمام الطلبة والموظفين والأكاديميين بشراء الكتب ودعم انتشار الثقافة الكردية. ومع ذلك، تبقى حركة البيع العامة محدودة، ولا يُلاحظ إقبالٌ واسع خارج هذه الفئات المهتمة."

 

وتضيف: ورغم أن المبيعات جزءٌ أساسي من المشاركة، إلا أن هدفها الأعمق لا يقتصر على البيع، بل يتمثل في نشر الفكر والثقافة الكردية، وإتاحة الفرصة للكتّاب للتواصل مع القرّاء مباشرة، لأن المعارض بالنسبة لها فضاءٌ للحوار الثقافي وتبادل الأفكار بقدر ما هي سوقٌ للكتب.

 

 

أربيل: ازدهار الورق وتحدّي الهوية

أما في أربيل، فتبدو الصورة مختلفة؛ هنا يكتسب معرض الكتاب بُعداً رسميّاً ودولياً: قاعاتٌ ضخمة، آلاف العناوين، حضورٌ عربي وأجنبي واسع، وحفاوة إعلامية تجعل من المعرض مهرجاناً ثقافياً يليق بعاصمة إقليم كردستان.

 

لكن تحت هذا اللمعان، تبرز أسئلةٌ مقلقة: هل ما زال الكتاب الكردي حاضراً وسط هذا الزخم؟
وهل اللغة التي منحت هذه المدينة هويتها ما زالت تجد مكانها في المعرض الذي يحمل اسمها؟

الكثير من الكتّاب الشباب في أربيل يعيشون توتراً بين المحلّي والعالمي؛ فهم يكتبون بالكردية، ثم يترجمون نصوصهم إلى العربية أو الإنكليزية بحثاً عن قارئٍ أوسع.

الترف الثقافي هنا لا يُخفي حقيقة أن أربيل تعيش صراعاً داخلياً بين البقاء بلغتها والانفتاح على العالم بلغاتٍ أخرى.

 

 

ديار بكر: الكتاب كصوتٍ تحت الحصار

في ديار بكر، المدينة التي وُصفت يوماً بأنها "قلب الشمال الكردي"، يأخذ معرض الكتاب طابعاً مزدوجاً: انفتاحٌ ثقافي متزايد يقابله ظلّ رقابةٍ لا يغيب. فاللغة الكردية هناك لا تزال تمشي بحذرٍ على الحافة، لكن المعرض يعيد إليها نبضها العلني.

 

يُقام المعرض في قاعات حديثة، تتخللها ندوات شعرية وورش ترجمة ولقاءات مع أدباء من أنحاء تركيا، غير أن جوهر الحدث يكمن في الاحتفال الخفي بالهوية. ففي المقاهي والأزقة القديمة، يقرأ الشعراء نصوصهم بالكردية في مساحةٍ رمزية لا تقلّ أهمية عن القاعات الرسمية.

 

وقالت إحدى الشاعرات الشابات خلال ندوة حوارية: "نحن لا نكتب بالكردية فقط، نحن نحاول أن نعيش بها." كلماتها تختصر المعنى كله: في ديار بكر، الكتاب ليس منتجاً ثقافياً فحسب، بل وسيلة للبقاء الإنساني في وجه محوٍ طويل الأمد.

 

 

 

مهاباد: الكتاب الذي يعيش في الظل

شرقاً، في مهاباد الكردية داخل إيران، يتحول الكتاب إلى فعلٍ من السرّية والمجازفة. لا تُقام المعارض علناً كما في أربيل أو ديار بكر، لكن شغف القراءة لم يمت؛ فالكتب تُتداول همساً، وتُباع في الخفاء، وتُقرأ تحت الضوء الخافت، كأنّ كل كتابٍ بالكردية وثيقةُ شجاعةٍ شخصية.

 

في مهاباد، المعرض ليس حدثاً موسمياً، بل ذاكرةً مؤجلة، يتناقلها الناس جيلاً بعد جيل على أمل أن تُقام ذات يوم تحت سماءٍ مفتوحة. وهناك، يظلّ الحبر مقاومةً من نوع آخر: مقاومة الصمت بالنصّ، والنسيان بالكتابة.

 

 

من الجغرافيا إلى الذاكرة: خريطة تُرسم بالحبر

ما يجمع قامشلو وديار بكر وأربيل ومهاباد ليست السياسة ولا الجغرافيا فقط، بل الكتاب بوصفه وطناً رمزياً. ففي كل معرضٍ من هذه المعارض تُعاد كتابة الحكاية نفسها: شعبٌ يواجه التفتت بالكتابة، ويحوّل الورق إلى خريطةٍ بديلة تتجاوز الحدود. فالكتب تعبر حين تُمنع الأقدام، واللغات تتجاور حين تفشل السياسات في التفاهم. بهذا المعنى، تمثل هذه المعارض تاريخاً غير رسمي للكرد، تاريخاً يُكتب بالحبر لا بالقرارات، وبالذاكرة لا بالمؤسسات.

 

 

حين يصبح الحبر وطناً

في المساء، تُغلق أبواب معرض "هركول"، ويغادر الزوّار القاعة الصغيرة، لكن الكتب تبقى على الطاولات مثل مصابيح خافتة. طفلٌ يكتب اسمه على غلاف كتابٍ بالكردية وينظر إلى أمه مبتسماً؛ تلك الابتسامة تختصر كل الحكاية: ربما لا يجمع الكرد وطنٌ جغرافي، لكنهم، في كل معرضٍ للكتاب — من القامشلي إلى مهاباد — يعيدون تعريف الوطن باعتباره المكان الذي لا تُمنع فيه اللغة من الحلم.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
آخر المقالات
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard