info@suwar-magazine.org

خنق العلمانيّة الحرّة

خنق العلمانيّة الحرّة
Whatsapp
Facebook Share

 

 

منذ أن وضع حكماء صهيون بروتوكلاتهم، ومنطقتنا تعاني من التخبّط في متاهة غير مفهومة الاتجاهات، ولا نجد مساراً للخروج منها! تُغلق الأبواب أمام دروبنا التي نختارها، ونُجبر على السير في دروب فُتحت أبوابها، فتكون خياراتنا وحيدة لا بدّ لنا منها. ورغم الحديث مطوّلاً عن نفي نظريّة المؤامرة، نجد الكثير من الدلائل على وجود أصابع خفيّة تحرّك صيرورة الحياة على كل الصعد. لكن الواضح تماماً أنّه لا يتمّ السماح في منطقتنا لتشكّل علمانيّة أصيلة، حيث يتمّ السيطرة على كلّ الأقنيّة التي يمكن أن تكون مغذيّة لأيّ حراك علماني من أجل جعله حراكاً مرتهناً لجهة أو تيّار فكري ما، وفي نفس الوقت نجد التيارات التي تغذّي الحركات الأصوليّة والسلفيّة والجهاديّة متوفّرة وتضخّ لدعمها بغزارة.

 

في معالجتنا لمسألة المسبّبات التي يمكن لها أن تكون عاملاً في استهداف منطقتنا، على كلّ الصعد الاستراتيجيّة! نجدنا مضطرين للعودة إلى فترة الفتوحات الإسلاميّة، والدرس الذي استفادَهُ الغرب منها. فالتوسّع الإسلامي، كان على حساب الكثير من الممالك والإمبراطوريّات ذات العصبيّات الدينيّة، ومنها الإمبراطوريّة البيزنطيّة المسيحيّة! التي كانت تسيطر على شرق المتوسّط وبلاد الشام والأناضول ومصر وشمال افريقيا. وعندما انتزع المسلمون هذه البلاد منهم، انتزعوا من ضمنها مقدّساتهم ،وصارت الوصاية عليها للمسلمين حتى لو سمحوا للمسيحيّين بممارسة شعائرهم والوصول إليها. وطوال قرون حاول البيزنطيّون ومن بعدهم ملوك أوروبا التفاهم معهم على حكم بيت المقدس وأرض الميعاد، لكنّ السيطرة الإسلاميّة على الأراضي التي كان البيزنطيّون يعتبرونها حقاً لهم، كان المسلمون يعتبروها حلالاً لهم وواجباً عليهم الاحتفاظ بها، عملاً بالعقليّة السائدة حول التملّك بالقوة، والتوصية الدينيّة بنشر الإسلام، علماً أنّ المسلمين وأعراب شبه الجزيرة مثلهم مثل البيزنطيّين ليسوا أبناء البلاد التي يتنازعون عليها، ولا أحقيّة لهم فيها، إلّا من ناحية التشريع الديني الذي يعتبر أنّ هذه المدينة أو تلك مقدّسة.

 

فكان أن بدأت الحروب الصليبيّة واجتاحت سواحل بلاد الشام ومصر جيوش الملوك الأوروبيّون المسيحيّون، طوال قرنين؛ لكنّ المسلمين في النهاية استطاعوا الاحتفاظ بسواحل بلاد الشام ومصر وطرد الصليبيّين الذين عجزوا أمام العناد الإسلامي، وفي نفس الوقت كانت المعارك والحروب التوسعيّة تحت رايات ممالك وملوك وإمارات الاسلام لاتزال تفتك بأطراف أوروبا، هذا الدرس الذي حفظه عن ظهر قلب حكّام أوروبا، وهو أنّ من تعاليم الإسلام وسنّة نبيه وصحابته وخلفاءه هي التوسّع وضمّ الأراضي، وهو دين يحضّ على الجهاد ويأمر به.

 

 

وفي الفترات اللاحقة، خلال عصر النهضة في أوروبا، والاستعمار وتكوّن الرأسماليّة، ومن بعدها ظهور الدولة القوميّة في أوروبا، بدأت استراتيجيّات الغرب تختلف في التعامل مع الشرق الأوسط، بسبب اختلاف منظورهم إليه؛ وصاروا يبحثون عن أساليب ووسائل جديدة، وفي الوقت الذي كانت فيه السلطنة العثمانيّة قائمة، صار التدخل في الدول العثمانيّة خلال ضعفها عن طريق الاتفاقيّات والمبادئ الأخرى كحماية الأقليّات والمقدّسات، بالمقابل فإنّ حركة تمرّد محمد علي باشا، استنفرت أوروبا كلها التي خافت من أن يرث السلطنة العثمانيّة التي سموها "الرجل المريض" ويعود لإنشاء دولة قويّة مبنيّة على أساس حديث، فوقفت أوروبا ضدّه دعماً للسلطان العثماني، وبعدها بدأت المخططات للإطاحة بالسلطنة والوحدة الجغرافية، فاستخدموا النقيض الرسمي للحكم الديني وهي الحركات العلمانيّة، متمثلة في جمعيّة الاتحاد والترقي والجمعيّة التركية الفتاة في تركيا، وجمعيّة العهد والجمعيّة العربيّة الفتاة في منطقتنا، وأغروا الشريف حسين بحكم دولة واحدة من طوروس إلى اليمن إن ثار على العثمانيّين وأعلن الجهاد المقدّس، وبعد أن طردت الثورة العربيّة الكبرى بقيادته العثمانيّين، وأجهز أتاتورك بدعم بريطاني على السلطنة في تركيا، انقلبوا على الشريف حسين فغزت فرنسا وانكلترا الهلال الخصيب واقتسموه وفق اتفاقيّة سايكس بيكو ومؤتمر سان ريمو، بينما ثار آل سعود على الشريف حسين وطردوه بدعم بريطاني وأنشأوا السعوديّة، وبالتالي ضاعت الاتفاقيّة التي وعدته يوماً بدولة من طوروس إلى اليمن، وأرضوه بمنح نجليه مملكة العراق، وإمارة شرق نهر الأردن وأسموها، المملكة الأردنيّة الهاشمية، وعلى الضفّة المقابلة منحوا فلسطين لليهود!.

 

وبعد أن استقر لهم الوضع وطاب، بدأوا بالتخطيط لمستقبل المنطقة من خلال هندسة الحركات الاستراتيجيّة التي يريدوها أن تنشأ في المنطقة، وكلّ همهم أن لا تعاد فترة اتحاد المنطقة تحت أي حكم مركزي كان، ولمعرفتهم أنّ هذا الشعب سهل الانقياد أمام الفكر الديني كانوا هم السبّاقون في الهيمنة على التيّارات الفكريّة وانشائها وإظهار عوامل شذوذ الدين أمام الناس والعالم وإظهار المسلم بمظهر الإرهابي، ودعموا الحركات العلمانيّة التي لا ثمار منها، أو التي تؤدّي إلى صدام مع التيّار الديني، وضربوا أيّ حركة علمانيّة أصيلة، وجفّفوا مواردها ولاحقوا أعضائها.

 

اقرأ أيضاً:

 

إشكاليّة المستقبل السّوري في استمرار غياب الرّافعة الوطنيّة

 

في الوقت الحالي ليس أخطر على الغرب من حركة علمانيّة سياسيّة وحدودية قادرة على استقطاب كلّ التشظيات والفتات بين هذه الأقطار، وبأرضيّة بعيدة عن الارتماء في أحضان المشاريع والتيّارات الخارجيّة كالمشروع السنّي أو الشيعي أو اليساري أو الليبرالي أو الإثني. فهم ليس كما يعلنوا أنّهم "يتخوّفون من الإرهاب"، بل خبِّروا الإرهاب وصارت تحرّكاته كلّها في صالحهم، وقد قالتها إدارة بوش الابن حرفيّاً، بأنّ عليهم إدارة المنطقة وفق رؤيتهم ولا يهمّهم أن يقوموا بتعويم الإسلام السياسي ووصول الإسلاميّين إلى السلطة، بل عليهم التعامل معهم.

 

وهذا يعني كما هو ظاهر جليّاً أنّهم يعرفون كيف يديرون أزمة الإسلاميّين. لكنّ الفكر العلماني الواعي القادر على ايجاد هويّة جامعة لكلّ فئات مجتمعنا، ويجذب الجميع ويوحّدهم هو لوحده كفيل بإعادة شبح هيمنة قوّة مركزيّة على قرار المنطقة وإمكاناتها؛ خصوصاً أنّ إدارات الغرب ليست على جهوزيّة من ناحية السياسات والاتفاقيّات الدوليّة للتعامل مع مثل هذا التحرّك. فالسياسات الحاليّة مُعدّة للتعامل مع مجتمع متشظيّ فيه فكر إسلاموي متشدّد، على أساس أنّ القانون وُضع للدولة الحضاريّة التي تملك هويّة قوميّة/مواطنة وتستند إلى قانون وضعي مدني يحكم باسم الشعب وليس باسم الله، وبالتالي فإنّ دولة مُوحَّدة خارج هذه المعايير لن تقوم ولن يعترف بها المجتمع الدولي، ولن تجد مكاناً لها، بينما لو قامت دولة علمانيّة وفق معاييرهم وقادرة على مواكبة مفرداتهم، فإنّها ستجد موضع قدم لها فوراً رغم أنّهم قد أغلقوا الدائرة منذ قرابة ثلاثين عاماً عندما صاح عابد الجابري بمجتمعاتنا في نقده للعقل العربي بقوله إبّان ظهور العولمة وإعلان بوش الأب عن إنشاء المجتمع العالمي الجديد: "جدوا موضع قدم لكم قبل أن تغلق الدائرة".

 

ما الذي حدث اليوم حتّى يسيطروا على العلمانيّة؟ قد ترفض معظم مواقع نشر المقالات نشر مقالة فيها هجوم على تسيّس العلمانية، وتحديد مصادرها، أو فيها ايضاح لفكر هويّة جامعة أو مشروع ما، ويتحجّج القائمون على هذه المواقع بسياسة تلك المواقع في النشر ولأنّها تخالف معايير النشر؛ والحقيقة هي تخالف توجّهات ممول تلك المواقع. بالمقابل فإنّ المواقع غير المأجورة ترحّب غالباً بالكتبة الأحرار ودون أجر، فيحدث أن يجد الكاتب نفسه يستهلك أفكاره من غير مردود مادي لنفسه وهو أمر يدفعه بعد فترة، خصوصاً إن كان قد أفرغ جُلّ جعبته في المواضيع التي ينادي بها، يجد نفسه مجبراً للعمل وفق شروط المموّلين أو العمل في مجال آخر.

 

ولا تنتهي القصّة هنا، فإنّ الأفكار التي لا تناسب السياسات المرسومة للمنطقة، يتمّ التلاعب في تسويقها بحيث تستهدف شريحة ضيّقة وغير مؤثّرة من خلال أدوات السيطرة على الإعلام التي نادت بها بروتوكلات صهيون منذ قرن وأكثر! إذاً، فإنّ السيطرة على مصادر التمويل وتحديد هدفه وفق خطط مدروسة هو أمر قائم، وكان واضح جداً خلال الحرب السوريّة مثلاً أو مشاكل دول الخليج، وهو أمر لا يختلف عليه اثنان. ومن هنا يبدأ الإعلام في غربلة وتعويم أو اطفاء الأشخاص والأفكار، أو قولبتهم أو تهيئتهم أو اختلاقهم؛ حسب السياسات التي يرسمها لهم الاقتصاد السياسي لليبراليّة الغربيّة.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard