info@suwar-magazine.org

امرأة أمام مرآتها السحرية

امرأة أمام مرآتها السحرية
Whatsapp
Facebook Share

 

غالبا ما تأخذنا قراءة رواية مؤلّفتها امرأة إلى وضع جميع الاعتبارات التي تميّزها كصوت أنثوي، أي البحث عن الخصيصة النسوية في الرواية، بعبارة أخرى، الخروج عن المألوف الذي عهده القارئ من لجوء الرجل إلى رسم شخوص الروايات من النساء والرجال، فيُسبغ في كثير من الأحيان سمات المرأة كما يراها هو أو كما يحبّها هو، لذا فإنّ قراءة رواية أنثوية يُحيلنا إلى رغبة القارئ في سماع صوتها هي.

رواية "كأنّي ضعت" هي رواية للروائية الإيرانية سارا سالار وموضوعها يحكي عن امرأة تعيش في مدينتين، وتستمرّ في الحكي عن بطلتها طيلة الرواية 172 صفحة، على الرغم من أنّ الزمن الذي تستهلكه الرواية هو يوم وليلة، إلا أنّ تداعيات الذاكرة وحديث البطلة إلى الطبيب النفسي يُفصح عن كلّ التفاصيل الأخرى.

 

مرآة سحرية

 

هذه الرواية هي رواية نفسيّة لكنّها غير معقّدة، إنّها قريبة إلى النفس، حيث أنّك تستطيع الاستماع إلى الروائية وهي تقصّها عليك، دون أن تقطعها في كلّ مرّة، لأنّك ستتبّع التفاصيل لمحاولة الوصول إلى سدرة المُنتهى في الرواية.

تلجأ الروائية إلى الوقوف ببطلة الرواية أمام مرآتها الخاصّة لكن مع وجود متطفّل هو الطبيب النفسي؛ هؤلاء الأطباء النفسيون الذين أفسدوا متعة التخيّل لدى الناس.

تقفُ البطلة أمام مرآتها في كلّ مرة، لكنّها وعوض أن تجد وجهها وملامحها، تجد وجه فتاة ساحرة بحضورها وابتسامتها وغمّازتيها تُدعى كندم ومعنى الاسم في العربية هو حبّة القمح، حبّة القمح هذه تُطلّ في كلّ مرة من المرآة لكنّها الجانب المتفوّق والجميل من البطلة، إنّها صنوها المختبئ والذي لا يخرج إلى العلن، هو الصنو الجريء القابع في المرآة، التي لا تجرؤ بطلتنا على المسح عن مرآتها لتخرج كندم إلى الخارج.

لكنّ كثرة وقوف البطلة أمام المرآة يُزيح عن بطلتنا تلك الشخصية الخائفة والمكسورة الجناح، فيرتبك القارئ بين الشخصيتين، فلا هو يعرف متى تظهر كندم ومتى تظهر البطلة، ومتى يتبادلان الأدوار، إنّها لعبة التخفّي، الذي يرتبك معه القارئ.

 

اقرأ أيضاً:

 

             الكتابة بأنفاس متقطّعة (بندقية أبي) تخترق ألبوم صور برمّته

 

 

قصّة اعتيادية

 

على الرغم من اعتيادية مشهد الروايات وبخاصة تلك التي تتحوّل إلى أفلام سينمائية التي تخصّ شخصيات فُصامية أو تعيش ارتباكات الوهم والحقيقة والتخيّل، إلّا أنّ بساطة الطرح والتفاصيل اليوميّة والقضايا الصغيرة التي تمثّل جُلّ الرواية هو ما يُمايزها، فالأحداث تكاد تكون اعتياديّة، إلا أنّها تكشف عن حياة النساء اللاتي يعشن تحت وطأة المخادعة للذات حيث يُردن أن يعشن كما يُراد لهنّ، قامعاتٍ تلك الـ "كندم" الجذّابة والصادقة والمميّزة التي تأخذ بلبّ من حولها رجالا ونساء.

إنّ الرواية تحكي بلسان النساء ليس في إيران بل في أماكن كثيرة من هذا العالم، ففي أحد المشاهد البسيطة تقول كندم: إنّ حذاءك جميل. لا يُمكنكِ الحصول على حذاء جميل في هذه المدينة. من أين اشتريت هذا الحذاء؟

أردتُ أن أقول لها أني لم أغادر هذه المدينة البتة.

قال: إذا قررتُ شراء حذاء. فينبغي أن نذهب معا.

فكرت في هذه الـ "يجبُ أن نذهب معا" هل هي رجاء أم أمر… وما أهمية ذلك؟

الشيء المهم هو أنّ أحدهم رأى حذائي جذّابا.

ظننتُ أنّها ربما تسخر مني. لذا نظرتُ إلى حذائي بريبة. "كأني ضعتُ" ص 31.

 

فهذا الحوار البسيط يُناقش أحد التفاصيل الأنثوية البسيطة، حين لا تجد فتاة ما أن حذاءها جذّابٌ لأحدهم، فيما تقول لها فتاة المرآة السحرية أنّ حذاءها جذّاب بالفعل.

تزخر الرواية بهذه الأمور الاعتيادية، وتُداخلها مع حديث البطلة مع الطبيب النفسي، الأمر الذي يُربك القارئ، في لعبة الرواية، لكنّ في النهاية يظفر القارئ بكلّ الأجوبة، وتتفتّح في ذهنه هذه المكوّنات البسيطة لهذه الرواية، فيدخل في لعبة الضياع.

 

كأني ضعتُ

 

سارا سالار، روائية إيرانية، من مواليد 1966 بمدينة زاهدان مركز محافظتي سيستان وبلوشستان، في الشرق قرب الحدود الأفغانية - الباكستانية، ومع أنّها بدأت مشوارها الأدبي بكتابة القصص القصيرة، كما عملت في الترجمة أيضا، إلا أنّها حازت شهرة واسعة في إيران بعد روايتها (كأنّي ضعتُ) الأولى الصادرة عام 2009 عن منشورات چشمه بطهران، والتي حازت عنها جائزة هوشنك گلشيري الإيرانية لأفضل رواية 2011، وتُرجمت الرواية إلى الإنكليزية والألمانية والإيطالية والتركية،  كما صدرت نسخة صوتية من الرواية بإلقاء إلهام كُردا، من منشورات راديو گوشه.

 

رواية "كأني ضعت"، للروائية الإيرانية سارا سالار

ترجمها عن الفارسية: عباس علي موسى

منشورات صيف 2023، منشورات نقش وميزوبوتاميا للترجمة والنشر والتوزيع، قامشلي

تقع الرواية في 172 صفحة من القطع المتوسط

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard